هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عندما انتهى المقام بالعديد من كبار ملاك وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية إلى فندق ريتز كارلتون في الرياض بصحبة ما يزيد عن ثلاثمائة من الأمراء وكبار المسؤولين ورجال الأعمال الأثرياء المتهمين بالفساد، افترض كثير من الناس بأن رجل المملكة القوي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كان يسعى للسيطرة على وسائل الإعلام.
إلا أن هذه الفرضية كانت أبعد ما يكون عن الحقيقة، وذلك ببساطة لأنه أصلاً مسيطر على كل هذه المنابر الإعلامية.
من بين الذين اعتقلوا في شهر نوفمبر / تشرين الثاني الماضي وليد الإبراهيم، رئيس مجلس إدارة شبكة تلفزيون إم بي سي، أقوى الشبكات التلفزيونية في العالم العربي وأكثرها نفوذاً. أطلق سراحه مؤخراً بعد أن توصل مع الحكومة إلى إبرام صفقة لم يكشف النقاب عن بنودها. تقول التقارير الإعلامية السعودية إنه سيبقى مديراً للشركة ولكن شبكة إم بي سي باتت الآن تحت السيطرة الكاملة لصندوق الاستثمار الحكومي. إضافة إلى وليد الإبراهيم، يملك عدد ممن ألقي القبض عليهم فيما يسمى بالحملة على الفساد مؤسسات إعلامية كبيرة من بين ما يحوزون عليه من ثروات، ومن هؤلاء الوليد بن طلال، الذي عاد الآن إلى مكتبه في شركة المملكة القابضة. يملك الوليد بن طلال شبكة روتانا التلفزيونية، والتي تشكل جزءاً بسيطاً من ثروته الإجمالية التي تقدر بما يقرب من 18 مليار دولار. ومنهم أيضاً صالح كامل مالك شبكة إي آر تي – التي أخذت تتراجع منذ فترة. أما ابنه، الذي اعتقل أيضاً ثم أطلق سراحه فهو رئيس صحيفة عكاظ، وهي يومية سعودية واسعة الانتشار.
هناك من يرى أن هذه الحملة على وسائل الإعلام كانت بمثابة هجوم منسق على حيز ضيق أصلاً للتفكير والتعبير داخل المملكة العربية، بل وفي المنطقة بأسرها. إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان كان قد أحكم قبضته على المجال العام قبل وقت طويل من حملته التي طالت بالاعتقال أفراداً من العائلة الحاكمة وبعض كبار رجال الأعمال في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي.
وذلك أن محمد بن سلمان وعائلته يملكون مجموعة الأبحاث والتسويق السعودية، والتي تصدر عنها صحيفة الشرق الأوسط واسعة الانتشار على مستوى العالم العربي. وفي العام الماضي بذلت مساعي جادة لدمج المجموعة مع إم بي سي، إلا أن المفاوضات أجهضت بسبب خلاف على التسوية المالية النهائية.
وعلى مدى الشهور الثمانية عشر الماضية، عمد فريق الإعلام التابع لمحمد بن سلمان داخل الديوان الملكي إلى تقريع بل وحتى ترهيب كل من يصدر عنه صوت مخالف. بل لقد أعد سعود القحطاني، رئيس هذه الوحدة، قائمة سوداء وطالب المواطنين السعوديين بإضافة من يرون إليها. ويبدو أن بعض الكتاب من أمثالي، ممن يصدر عنه نقد بناء وبصيغة محترمة، يعتبرون أكثر خطورة من بعض المعارضين السعوديين الأعلى صوتاً، وخاصة من يقيم منهم في لندن. لقد ألقت الحكومة خلال العام المنصرم القبض على العشرات من المفكرين ورجال الدين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على الرغم من أن معظمهم من الداعمين لإصلاحات محمد بن سلمان. أما الصحفيون الطيعون فقد أغدقت عليهم العطايا والجوائز المالية ويحظون بالوصول والقبول لدى كبار المسؤولين.
يهيمن محمد بن سلمان بالكامل على مضمون البث الإذاعي والتلفزيوني والرقمي الذي يتم إنتاجه داخل المملكة. وعلى الرغم من أنه مازال بالإمكان الوصول إلى غوغل والفيسبوك وتويتر وغيرها من المواقع، إلا أن الحملة المنظمة لإجبار الجميع على التوافق معه في مشروعه المعروف باسم "رؤية 2030" قضى على كل إمكانية للتنفس داخل المجال العام، الذي كان أصلاً محدوداً ومقيداً. بإمكانك بطبيعة الأمر أن تقرأ ما هو موجود في مختلف هذه المواقع، ولكن إياك ثم إياك أن تفكر بعمل "شير" أو "إعجاب" لأي شيء لا ينسجم مع الخط الذي تتبناه المجموعة الرسمية التي تفكر للحكومة.
لو أن الحافز من وراء حملة التطهير التي شنت باسم مكافحة الفساد هي إفادة خزينة الحكومة السعودية، فقد أدت عملية القبض على كبار رجال الأعمال ووضع اليد على أموالهم إلى نتائج عكسية، حيث انهارت قيمة ثروات كل من الوليد بن طلال ووليد الإبراهيم أثناء احتجازهما، وأصبحت قيمة ما تمت مصادرته منهما أقل بكثير مما كانت عليه قبل ذلك.
والآن، وبعد أن غادر "ضيوف" الحكومة وراح ريتز كارلتون يستعد للاحتفال بيوم فالانتاين (عيد الحب)، وهي المرة الأولى التي يحتفل به علانية داخل المملكة العربية السعودية، يتوجب على محمد بن سلمان إيجاد طريقة لاستعادة قيمة هذه الممتلكات المهمة وإعادة الحيوية للاقتصاد. إن تشجيع الحوار المفتوح والنقاش الجماهيري من خلال تخفيف القبضة على وسائل إعلام البلاد، إضافة إلى إطلاق سراح أولئك الذين سجنوا لمجرد التعبير عن آرائهم، من شأن ذلك أن يثبت أنه فعلاً يسعى لإحداث إصلاح حقيقي.
* لقراءة المقال كاملا بالانجليزية على "واشنطن بوست" إضغط هنـــــــا