هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على غير المعتاد، شن أعضاء في المجلس الأعلى للدولة الليبي، مؤخرا، هجوما حادا على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ما فتح باب التكهنات حول ما إذا كان ما يحدث مجرد مواقف عابرة في إطار العمل المؤسساتي أم بداية انشقاقات في صفوف الحليفين المفترضين، بهدف إعادة التمركز قبل الانتخابات المقبلة.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، وقعت أطراف النزاع الليبي، برعاية الأمم المتحدة، اتفاقا لإنهاء أزمة تعدد الشرعيات، تمخض عنه مجلس رئاسي لحكومة الوفاق الوطني، ومجلس الدولة (هيئة نيابية استشارية)، إضافة إلى تمديد عهدة مجلس النواب، المنعقد في مدينة طبرق (شرقا).
أحد التصريحات المفاجئة ضد المجلس الرئاسي صدرت على لسان عضو مجلس الدولة، سعد بن شرادة، بقوله إن "فشل حكومة الوفاق الوطني (برئاسة رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج) أوصل مجلس الدولة إلى قناعة مفادها أهمية التواصل مع مجلس النواب بهدف اختيار سلطة تنفيذية جديدة".
ورفض مجلس نواب طبرق (شرقا) اعتماد حكومة الوفاق، مطالبا بإدخال تعديلات على اتفاق 2015، وهو ما تسعى الأمم المتحدة إلى إنجازه، على أمل إحلال الأمن في البلد المضطرب منذ أن أطاحت ثورة بنظام معمر القذافي (1969- 2011).
شرادة، وخلال لقاء تلفزيوني الثلاثاء الماضي، ذهب إلى أبعد من ذلك، باتهامه السراج بـ"عرقلة الوصول إلى توافق بين مجلسي النواب والدولة (خلال مفاوضات تعديل الاتفاق السياسي)".
في الاتجاه نفسه، قال عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد لنفي، إن "المجلس الرئاسي عجز عن إنقاذ البلاد وإنهاء الانقسامات وفرض الأمن، رغم منحه فرصة لسنتين".
ويتصارع على النفوذ والشرعية في ليبيا قطبان؛ الأول حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس (غربا)، المسنودة بالمجلس الأعلى للدولة، والثاني القوات التي يقودها خليفة حفتر، والمدعومة من مجلس النواب في شرق البلاد.
بعد هذين التصريحين المنفردين صدر بيان وقع علية أكثر من 50 من أعضاء مجلس الدولة (برئاسة عبد الرحمن السويحلي)، ليؤكد، على ما يبدو، على تصدع التوافق بين المجلسين الرئاسي والأعلى للدولة، إذ تحدث البيان عن "عجز الرئاسي" وضرورة العمل مع البرلمان على "إعادة هيكلة السلطة التنفيذية".
مجلس رئاسي جديد
"تلك الانتقادات من جانب أعضاء في مجلس الدولة، والتي توجت ببيان مشترك للعشرات من أعضائه، تمثل دليلا علي أن ما يحدث هو رأي جماعي مبرمج من قبل جهة تجاه جهة أخرى بشكل خاص، وتجاه الأحداث في ليبيا عامة"، وفق الصحفي الليبي، فيصل الدرناوي.
اقرأ أيضا: "الأعلى الليبي": الأولوية لإعداد قانون الاستفتاء على الدستور
وفسر الدرناوي، ما يحدث بأنه "إعادة تمركز سياسي واضح بالنسبة لأعضاء المجلس الأعلى للدولة، بعد انتهاء المجلس الرئاسي سريريا".
وأضاف أن "المجلس الرئاسي بات في حكم المنتهي والمحكوم عليه بالإعدام بحكم حدثين مقبلين، أولهما هو الخطوة التالية لخارطة الطريق الأممية، والتي سيُشرع في تطبيقها قريبا، وهي تعيين مجلس رئاسي جديد برئيس ونائبين".
وطرحت الأمم المتحدة، في 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، خارطة طريق لحل النزاع، تتضمن ثلاث مراحل رئيسة، هي تعديل الاتفاق السياسي، وتنظيم مؤتمر حوار وطني، وإجراء استفتاء لاعتماد الدستور، وانتخابات برلمانية ورئاسية.
أما عن الحدث الآخر، وفق الصحفي الليبي، فهو "الانتخابات المزمع انطلاقها قريبا في ليبيا، والتي ستؤدي أيضا إلى انتهاء المجلس الرئاسي، إذا ما نجا من خطوة إعادة تشكيله القريبة".
تحالفات جديدة
بدوره، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، فرج الجافل، أن ما يجري من المجلس الأعلى للدولة، تجاه المجلس الرئاسي، "يأتي ضمن الاصطفاف وإعادة التمركز السياسي ورسم خارطة جديدة للتحالفات".
وشدد الأكاديمي الليبي، على أن "ذلك أمر طبيعي جدا قبيل أي انتخابات في أي مكان في العالم".
وتابع الجافل: "مجلس الدولة يعلق الآن فشل الوفاق على شماعة المجلس الرئاسي، ليخرج نظيفا من المرحلة الانتقالية الحالية، التي اتسمت بتأزم الوضع الاقتصادي وأكثر من أربعة حروب في العاصمة، وغيرها من الأزمات".
ومضى قائلا إن "المجلس الأعلى للدولة يقدم المجلس الرئاسي كبشا للفداء، وتلك هي اللعبة السياسية".
لكن اعتبر في الوقت نفسه أن "اتهام أعضاء مجلس الدولة، لرئيس المجلس الرئاسي، بأنه وراء إفشال جهود التوافق بين مجلسي الدولة والنواب، قد يكون صحيحا، لأن السراج هو المستفيد الوحيد من ذلك الخلاف".
وتابع الجافل، موضحا أنه "في حال أخفق مجلسا الدولة والنواب في التوافق بينهما، فسيؤجل ذلك مرحلة اعتماد مجلس رئاسي جديد برئيس جديد ونائبين، كما تنص بنود تعديل الاتفاق السياسي، ما يعني انتهاء سلطة السراج، وهو أمر لا يريده الرجل".
مرحلة صمت وترقب
لكن للكاتب الليبي، علي الزليتني، رأي آخر، إذ إنه قلل من نتائج موقف أعضاء مجلس الدولة تجاه المجلس الرئاسي، معتبرا أن ذلك مجرد "محاولة للضغط علي الرئاسي، لتحسين الأداء التنفيذي والخدمي".
وأردف الزليتني، أن "المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أخفق في السيطرة على شرق البلاد وجنوبها وتوحيد مؤسسات الدولة، لكنه يعمل في ظل ظرف استثنائي لا يسمح بإنتاج أفضل مما هو موجود".
وشدد على أن "المجلس الأعلى للدولة يعلم ذلك تماما، لكنه يحاول الضغط على الرئاسي لتحسين الأداء، والظهور بمظهر المؤسسة الضاغطة على السلطة التنفيذية، والحريصة على مصلحة المواطن".
واستبعد الزليتني، أن تكون تصريحات المجلس الأعلى للدولة في إطار إعادة تمركز انتخابي.
وختم بقوله: "الغبي وحده هو من يحاول إعادة التمركز وبناء تحالفات في مرحلة لم تتضح فيها بعد هوية اللاعبين وقدراتهم.. هذه مرحلة صمت وترقب، وليس تحالفا مع أطراف قد تكون قوية اليوم وضعيفة غدا".