هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يسعى النظام العسكري الحاكم بمصر لاستنساخ تجربة المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة (ENA)، لبناء كوادر وطنية لإدارة الدولة وإعدادها علميا، بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب التي أنشأها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في 2017.
والتقى السيسي، الأحد، برئيس المدرسة باتريك جيرار، بحضور القائم بأعمال رئيس المخابرات العامة عباس كامل، والسفير الفرنسي بالقاهرة، فيما عقد جيرار لقاء مفتوحا مع شباب البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.
والمدرسة (ENA) أسسها الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول عام 1945، بهدف إعطاء الفرصة للكفاءات من كل الفئات والطبقات الاجتماعية تمهيدا لشغل المناصب والوظائف العليا بالدولة على أساس الكفاءة لا المحسوبية، ومن أبرز خريجيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والسابقين فرانسوا هولاند وجاك شيراك.
تجربة السيسي تتشابه مع ما قام به الرئيس جمال عبد الناصر بإنشاء منظمة الشباب الاشتراكي بستينات القرن الماضي، وتطوير الرئيس أنور السادات، لمدرسة الإدارة العليا وإنشاء أكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وما قام به حسني مبارك، من محاولات مماثلة بجمعيتي "حورس" و"المستقبل".
اقرأ أيضا: ليبراسيون: حالة يأس تخيم على الشباب المصري
وتوجد بمصر مؤسسات حكومية لإعداد الشباب وقيادات الدولة، مثل معهد إعداد القادة التابع لمجلس الوزراء، والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ومعاهد وزارة الخارجية، وكليات وأكاديميات الإدارة والاقتصاد والعلوم السياسية.
استنساخ الفشل
وتحدث الإعلامي، حازم غراب، عما عاشه جيله والجيل التالي من "سنوات حكم الطغاة الفاسدين سياسيا ودينيا الثلاثة، عبد الناصر، والسادات، ومبارك"، موضحا أن "كلا منهم ادعى إصلاحا على طريقته، فماذا كانت النتائج سوى الاحتلال وخراب وتخريب مصر اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا؟".
غراب، أضاف لـ"عربي21": "اقتبس الأول فكرة الاتحاد الاشتراكي ومنظماته من يوغوسلافيا زمن (جوزيف تيتو) فعاث رجاله وشبابه فسادا حتى انهارت واندحر الطاغية وبقي الشعب ينعي نفسه ويلطم ويدفع الثمن".
وقال إن "السادات، حاول اقتباس ليبرالية يثبت الزمن بؤسها الأخلاقي بالغرب، ناهيك عن ترقيعها وتلفيقها وتزوير انتخاباتها وشكليتها"، متسائلا: "فماذا كانت النتيجة؟ اغتالته يد شباب طالهم وطال رموز إسلامنا منه البطش والسباب والإقصاء، ولم تسفر محاولة اقتباسه ليبرالية مدعاة فسقطت منظومة الحكم والاقتصاد فور موته".
وحول تجربة مبارك قال غراب، إنه "ادعى استنساخ فكرة من الطاغية الأول وأخرى من الثاني؛ وترك لابنه العنان لتأسيس جمعيتي (حورس) و(المستقبل)، ولأنه وزوجته (سوزان مبارك) وابناه (علاء وجمال) كانوا فاسدين؛ انهارت تلفيقاته ومعها مصر اقتصاديا وسياسيا".
وحول اختيار الشباب لهذه الأكاديمية يعتقد غراب، أنهم "قلة لا ولن تمثل عموم شباب مصر الذي ثار وضحى في يناير 2011، وما بعدها، قلة يصطنعها ويعلفها كما تعلف الحيوانات بالزرائب"، مضيفا: "أتذكر كيف كانت منظمة الشباب الاشتراكي تعلف من كان يجري استقطابهم لعضويتها زمن الطاغية الأول، كل أنواع الطعام وبعض المشروبات والأنشطة الترفيهية في وقت كانت أسرهم تئن من ندرة المواد التموينية".
ما علاقة المخابرات؟
وحول جدوى التجربة تساءل الكاتب الصحفي عزت النمر، بقوله: "أية تجربة فرنسية؟ وأي استنساخ؟ وأي تأهيل؟ وأي كوادر وطنية؟"، مؤكدا أن "هذا دجل لا يتناسب إطلاقا مع عقلية السيسي البائسة التي لا تجيد إلا الاعتقال والقتل"، موضحا أن اختياره لهؤلاء الشباب لن يخرج عن طبقات العسكر والسلطة الحاكمة.
النمر، أضاف لـ"عربي21"، أنه "لا مستقبل لمصر الوطن ولا للشباب بظل حكم العسكر، والسيسي هو أسوأ نموذج له"، داعيا "من يريد أن يستشرف مستقبل الشباب حال استمرار السيسي؛ فليذهب للسجون سيجد خيرة شباب الوطن وأطهره وأنبغه يرتدي بدلة الإعدام الحمراء، أو ينتظرها، أو ذهب شهيدا".
الناشط السياسي، أكد أن "هذه اللقاءات والأخبار لا تعدو عن كونها لزوم اللقطة"، مضيفا: "ومن المفارقة أن يحضر رئيس المخابرات عباس كامل، لقاء السيسي مع رئيس المدرسة الفرنسية"، متسائلا: "ماذا تمثل المخابرات العامة بهكذا لقاء؟"، داعيا الوفد الفرنسي "لأن ينجو بنفسه وبكوادره، وليدرس تجربة الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، قبل أن يصبح بعضهم خبرا بنشرات الحوادث العالمية".
على الطريق
ويرى مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، الدكتور عبد الرحمن جدوع التميمي، أنها "خطوة بالطريق الصحيح لتنمية طاقة الشباب الفعالة التي دمرتها الظروف الصعبة، مثنيا على السيسي لتبنيه مشروع فيه منافع كثيرة لمصر".
التميمي، قال لـ"عربي21"، إنها "مبادرة كان من المفروض تطبيقها باكرا؛ فالشباب مستقبل مصر وثروتها التي تندر بكثير من البلدان، وفيهم من سيفاجئ العالم بذكائه وعلمه، وقدرته على القيادة بشتى المجالات"، مستبشرا لمصر الخير بهذه المبادرة، ومطالبا الرؤساء العرب بأن يحذوا هذا الحذو ويغتنموا فرصة تنمية الطاقة البشرية.
اقرأ أيضا: شخصيات وأحزاب مصرية تهاجم مؤتمر السيسي للشباب وتصفه بالخداع
وحول اختيار الشباب، قال: "لابد أن نبدأ بالشباب الذين يمتلكون مؤهلات علمية ونتبعهم بالفئة الأخرى من الشباب الذين لا يمتلكون المؤهلات، ولكنهم قادرون على إدارة مجالات أخرى لتنمية الاقتصاد".
دور الأمن
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تساءل، المستشار السابق بالأمم المتحدة إبراهيم نوار، عن طريقة إدارة الأكاديمية ودور الأمن باختيار المرشحين للدراسة، مؤكدا عبر فيسبوك أنه "إذا اختارت الدولة أن تعيد إنتاج نفسها ستفشل التجربة كما فشلت تجارب أخرى"، مستبعدا "إنتاج كوادر جيدة لإدارة الدولة بمناخ خانق"، معلنا مخاوفه من أن تكون "الجهات الأمنية بوابة دخول الأكاديمية".
وتساءل الناشط هشام أبو كيلة، عن عدم استنساخ النظام لتجارب فرنسا بالتعليم وحرية الرأي والأحزاب واستقلال القضاء وحقوق الإنسان والشفافية والمحاسبة، مؤكدا عبر فيسبوك أن نتاج ما سبق دولة مليئة بالكفاءات الإدارية والسياسية.