هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تقريرا للصحافية إليكساندرا زافيس، حول معاناة عائلات أعضاء تنظيم الدولة، من خلال رواية قصة عالية محمد، التي رجت ابنها بألا يتورط مع التنظيم، حيث تدفع الآن ثمن عدم سماع ابنها لنصيحتها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما كانت القوات العراقية تقوم باستعادة السيطرة على مدينة الموصل العام الماضي من المتطرفين، الذين احتلوها لمدة ثلاث سنوات، فإن المليشيات الموالية للحكومة قامت بنهب سجاد عالية وأثاثها وتلفاز البلازما، ثم قاموا بحرق بيتها، وساعد الجيران وابن أختها في النهب، وكتبت كلمة "داعش/ تنظيم الدولة" على الجدار المغطى بالسياج.
وتورد زافيس نقلا عن عالية، التي فقدت زوجها حديثا، تساؤلها قائلة: "لماذا فعلوا ذلك؟ أنا أعلم أن ابني كان مخطئا، لكن زوجي لم يرتكب أي خطأ.. إنه كان يقوم بعمله فقط".
وتقول الصحيفة: "اليوم بعد انتهاء القتال، أصبحت عالية عالقة في مخيم للنازحين في بلدة حمام العليل، واحدة من آلاف النازحين، معظمهم من النساء والأطفال، الذين فروا من بيوتهم خلال الحرب، والآن لا يستطيعون العودة؛ لأن أقاربهم ارتبطوا بتنظيم الدولة".
ويلفت التقرير إلى أن "كثيرا منهم يخشون مغادرة المخيمات، لكن حتى لو أرادوا فعل ذلك فإنهم يجدون في العادة أنه من المستحيل الحصول على الوثائق اللازمة لذلك، فالرغبة في الانتقام من تنظيم الدولة عميقة، وفي الوقت ذاته هناك خشية من عودة المتطرفين".
وتفيد الكاتبة بأن الزعماء المحليين في الموصل قاموا بوضع قوائم بأسماء العائلات غير المرحب بعودتهم، وتم إرسال رسائل تهديد لهم، وعلقت الرسائل في المساجد، وتم حذف أسمائهم من قوائم المساعدات، وحتى أن قنابل ألقيت داخل بيوتهم، وتم تدمير بيوتهم بالجرافات.
وتذكر الصحيفة أن هذه العائلات تشكل مأزقا للحكومة التي يقودها الشيعة، حيت دعت تلك الحكومة إلى المصالحة بين الطوائف والأعراق والعشائر، مشيرة إلى قول المسؤولين العراقيين إنهم يقلقون لأجل أمن تلك العائلات، لكنهم قلقون أيضا من أن البعض قد يحمل تعاطفا مع تنظيم الدولة، وقد يساعد في عودته إن تم منحه فرصة.
وينقل التقرير عن نائب رئيس مجلس محافظة نينوى نور الدين قبلان، قوله: "سيطر تنظيم الدولة على المدينة لمدة ثلاث سنوات، ولذلك فإنه من المؤكد أن الناس تأثروا بفكرهم"، ويرغب في أن يرى برامج لإعادة تأهيل العائلات، لكنه قال إنه ليس هناك تمويل لمثل هذه البرامج، ولذلك تفرض السلطات الأمنية المحلية مطالب صارمة قبل السماح للعائلات بالعودة إلى مناطقهم".
وتبين زافيس أنه "يجب على العائلات الحصول على تصريح أمني للعودة، وقد يحتاجون إلى كفيل لهم يكون هو المسؤول في حال مخالفتهم للقانون، وقد يضطرون إلى تقديم إثباتات بأن المنطقة التي يريدون الذهاب إليها مستعدة لاستقبالهم".
وتجد الصحيفة أنه يصعب فعل ذلك كله من حدود المخيم، فهناك عائلات في وسط الأنبار لا تزال تنتظر إذن العودة إلى بيوتها منذ منتصف عام 2016، لافتة إلى أن ما يزيد في تعقيد الأمر هو اختلاف القوات الأمنية والمليشيات الطائفية، التي نشرت في الأماكن التي أخرج منها تنظيم الدولة، وكل جيش أو مليشيا له رأي مختلف عما يجب فعله، بعضها يسمح للأرملة بالعودة إلى بيت أبيها، ولكن ليس الأطفال.
وينوه التقرير إلى أنه تم الإعلان عن انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة في كانون الأول/ ديسمبر، لكن مديري معسكرات النازحين يقولون إن العائلات تستمر في التدفق إلى تلك المخيمات، مشيرا إلى أنه في كانون الثاني/ يناير، خلال عملية استعادة السيطرة على الحويجة، بالقرب من كركوك، فإن الجيش العراقي قام باعتقال 253 شخصا، يعتقد أن لهم أقاربا مع التنظيم وجيء بهم إلى هذا المعسكر، وبحسب "هيومان رايتس ووتش" فإن قوات الأمن قامت بمصادرة هوياتهم لئلا يغادروا.
وتقول الكاتبة إن الناشطين الحقوقيين وعمال المؤسسات الإنسانية يدركون الخطر الأمني المحتمل من تلك العائلات، لكنهم يقولون إن إبقاء العائلات في مخيمات يصل إلى مرتبة العقوبة الجماعية، لافتة إلى أن هناك خطرا من تنفير السنة في منطقة أثبتت أنها خصبة للتطرف، منذ أن قامت القوات الأمريكية بالإطاحة بصدام حسين عام 2003.
وتنقل الصحيفة عن مدير مجلس اللاجئين النرويجي جان إيغيلاند، الذي يدير المخيم جنوب الموصل، حيث تعيش عالية مع أربعة من أطفالها منذ شهر تموز/ يوليو، قولها: "يجب أن يكون هناك تصالح.. يجب أن يكون هناك مد أيد، ويجب ألا يكبر هؤلاء الأطفال وقلوبهم مملوءة بالأسى"، فيما قال نائب مدير الصليب الأحمر للشرق الأدنى والمتوسط باتريك هاميلتون، إنه يخشى أن تتزايد إجراءات تبادل الاتهامات.
ويذهب التقرير إلى أن "بعض المجتمعات قد تشعر بأن بإمكانها أخذ الأمور بأيديها، بالإضافة إلى أن هناك خطرا بأن تحاول بعض العائلات والعشائر أن تثبت ولاءها للحكومة -أو أن تأخذ ثارات قديمة- بطرد أي شخص تم تصنيفه على أنه (داعشي)".
ويقول هاميلتون للصحيفة: "هناك حاجة لأن يكون هناك تطبيق قوي وموضوعي للقانون والمحاكمات؛ لمحاولة التأكد بأن الأشخاص الذين يجب أن يحاكموا فقط هم الوحيدون الذين يحاكمون أو يسجنون.. وإلا فسينتهي بك الأمر إلى توليد شعور بالظلم يولد جولة أخرى من العنف".
وتشير زافيس إلى أن عالية، التي تبلغ من العمر 50 عاما، تعود بالذاكرة إلى الأحداث التي أدت إلى تحول ابنها للتطرف، التي وقعت قبل أكثر من عقد، عندما كانت هناك حملة كبيرة ضد المتطرفين السنة في منطقة الموصل، وشاركت الصحيفة قصتها، بشرط عدم ذكر اسم ابنها أو قريتها؛ لئلا تجذب الأنظار إلى العائلة.
وتلفت الصحيفة إلى أن الموصل كانت وقتها هي المكان الذي انضم فيه الكثير من كبار ضباط صدام إلى تنظيم القاعدة، عندما قام النظام الانتقالي بقيادة بول بريمر بحل الجيش العراقي في عملية تطهير للموالين للنظام السابق، منوهة إلى أن الشرطة وقتها اتهمت ابن عالية، الذي كان يبلغ من العمر 15 عاما في ذلك الوقت، بأنه كان يقدم خدمات طبية للمتمردين في صيدلية والده، وتم سجنه لمدة 9 أشهر، وعندما خرج من السجن كان قد تغير تماما، وقالت أمه إنه "كان غاضبا".
وبحسب التقرير، فإن والديه قاما بإرساله للحج؛ أملا في أن تهدئ تلك التجربة الروحية من غضبه، ثم قاما بإيجاد فتاة جيدة ليزوجاه، لكن لم يبد أن هناك شيئا يخفف من شعوره بالمرارة، وقالت عالية: "قال له أبوه: لا أريدك أن تتورط بأي شيء"، مستدركة بأنه عندما دخل مقاتلو تنظيم الدولة الموصل عام 2014، فإن ابنها قام بعرض خدماته عليهم كونه مسعفا، فطرده أبوه من البيت.
وتكشف الكاتبة عن أن تنظيم الدولة قام العام الماضي، عندما اقتربت القوات الحكومية، بأمر العائلة بترك المنطقة في الضواحي الجنوبية للموصل، والانتقال إلى داخل المدينة، لافتة إلى أن أخت عالية وعدت بأن تنتبه لبيتها، لكنها تقول إن ابن اختها شارك في نهب بيتها، وأن المقاعد والتلفزيون أصبحت في بيت أختها.
وتذكر الصحيفة أنه وصل عالية أثناء الصيف خبر بأن ابنها الذي انضم لتنظيم الدولة قتل في غارة جوية، ودمرت غارة أخرى البيت الذي كانت تقيم فيه بقية العائلة في غرب الموصل، فقتل ولدان آخران وتسعة أحفاد، وكانت عالية وأطفالها الأصغر في الخارج يجلبون الماء وقت الغارة، ونجا زوجها، لكنه مات بعد ذلك بفترة قصيرة، مشيرة إلى أن عالية بقيت أشهرا تحاول استخراج الهويات التي ضاعت في الغارة، لكن وبعد ذلك الجهد قال لها موظف بأنه غير مخول بإصدار وثائق لعائلات تنظيم الدولة.
وينوه التقرير إلى أنه دون تلك الوثائق فإنه لم يكن بإمكانها إقناع المستشفى المحلي بأن يسلمها جثث أفراد عائلتها، واضطرت للطلب من ابنتها البالغة من العمر 30 عاما -القريبة الوحيدة التي معها بطاقة شخصية- أن تستلم الجثامين وتدفنها، وقامت الابنة بإرسال صور القبور لأمها على الهاتف النقال.
وتقول زافيس إن عالية لا تستطيع زيارتهم دون الهوية الشخصية، فهناك العديد من الحواجز، فتجلس على فرشتها في الخيمة شبه الفارغة، وتمر على الصور على الهاتف وتقبلها وتبكي، مشيرة إلى أن أملها الوحيد هو أن تجد مكانا آمنا لتربية أطفالها الأربعة الصغار، بعيدا عن الموصل؛ خوفا من أن يقعوا ضحية لدوامة العنف والثأر التي قتلت أخوتهم الكبار.
وتختم "لوس أنجلوس تايمز" نقريرها بالإشارة إلى أن غضب الأطفال واضح، فعندما سئلت أمهم عن أي القوات الأمنية قامت بتدمير بيتها، فإن طفلها البالغ من العمر 15 عاما، قام بالرد قائلا: "الجيش العراقي لم يفعل شيئا عندما قدم.. لقد كان الناس في المنطقة هم من فعلوا ذلك لنا".