هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا لكل من دومينيك سوغويل وسكوت بترسون، ينقلان فيه صورة عن المعاناة في الغوطة الشرقية.
ويروي التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، قصة نور وابنها الصغير، التي تعيش في تسوية بناية هي و44 امرأة أخرى وأطفالهن؛ خوفا من القصف، بالرغم من "وقف إطلاق النار" و"الهدنة"، مشيرا إلى أنه على الأرض تستمر قوات النظام بالقصف، وتستهدف بلدة دوما، التي تعيش فيها نور؛ بهدف تدمير آخر معقل للثوار، حيث قتلت هذه الحملة الأخيرة 560 شخصا خلال 10 أيام.
وينقل الكاتبان عن نور، قولها متحدثة من هاتف محمول، بدأت بطاريته تنفد، وتخشى أن تخرج لتشحنه على شاحن يعمل على ضوء الشمس: "كانت هذه أسوأ مرحلة، أشعر بالضغط، وأشعر وكأن النهاية اقتربت، الناس هنا يخشون الموت في هجمات كيماوية، حيث كانت هناك هجمة كيماوية في منطقة الشيفونية"، مشيرة إلى أن ابنها حمزة منزعج من قلة الأكل والهواء الطلق، حيث يمكن سماع صوته كبقية الأطفال يبكون في الخلفية، حتى مياه الأمطار التي جمعوها للشرب بدأت تنفد.
وتقول نور للمجلة: "سأحاول البقاء هادئة، لكن لم أشعر بهذا المستوى من الخوف قبل ذلك"، حيث تقع الغوطة الشرقية على بعد 12 ميلا من مركز دمشق، ويسيطر عليها الثوار منذ عام 2012، وتحاصرها الحكومة منذ عام 2013.
وتضيف نور: "نعلم أن العودة الآن تعني الموت، ستكون هناك مذبحة، سيتم دفننا.. لنكن واضحين: النظام يقصف المدنيين في بيوتهم وليس المقاتلين على الجبهة، ليس هناك طريق نحو المصالحة أو السلام".
وتعلق المجلة قائلة إن "الكثيرين يشاركونها هذا التقييم المروع، ومن بين من تمت مقابلتهم لهذا التقرير، من مدنيين ومسؤولين ومحللين، لم يستطع أحد منهم أن يقدم اقتراحا عمليا للخروج من الأزمة، وتساءل أحد الأشخاص عما إذا كان بالإمكان إخلاء المدنيين إلى إدلب في الشمال، لكن المراقبين يتوقعون أن تكون إدلب هي التالية على قائمة الأسد، فيما اقترح آخر نزع سلاح الأطراف كلها، وفرض منطقة حظر طيران، وهي فكرة تبدو أقل احتمالا مع مرور كل ساعة".
ويشير التقرير إلى أن صوت الاحتجاج الدولي كان لافتا للنظر، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس يوم الاثنين: "لا يمكن للغوطة الشرقية أن تنتظر، يجب وقف هذا الجحيم على الأرض"، مستدركا بأن هذا الاحتجاج الشفوي لم يشكل إلى الآن فرقا عمليا للعبة الأسد، الذي يستخدم القصف المستمر للسيطرة على آخر معقل لمن يعدهم النظام "إرهابيين" بالقرب من العاصمة.
ويفيد الكاتبان بأن قرار مجلس الأمن، الذي تم التصويت عليه بالإجماع، ويطالب بوقف لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوما، لم يخفف من الغارات الجوية، ولا البراميل المتفجرة، ووجه بهجوم استخدم فيه غاز الكلور، مشيرين إلى أن الكثيرين من سكان الغوطة الشرقية يرون أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدنة لمدة 5 ساعات يوميا بدءا من يوم الثلاثاء، لإقامة ممرات إنسانية، والسماح لحوالي 400 ألف مواطن بالفرار، ليس إلا تلاعبا بالأعصاب لمساعدة النظام في تحقيق انتصار آخر.
وتورد المجلة نقلا عن بيانات الدفاع المدني، قولها إن حوالي 560 شخصا قتلوا في الغوطة الشرقية، في الفترة ما بين 19 شباط/ فبراير وحتى 27 شباط/ فبراير، 107 منهم من المدنيين و76 منهم نساء، فيما جرح أكثر من ألفي شخص، وتقول وحدة الدفاع المدني في الغوطة الشرقية بأن عشرات الناس قتلوا في قصف جوي وبري منذ بداية الهدنة اليومية، في الوقت الذي اتهم فيه الإعلام الحكومي يوم الأربعاء "الإرهابيين" باستهداف الممرات الآمنة لخروج المدنيين "لليوم الثاني على التوالي".
ويلفت التقرير إلى أنه "بالنسبة للمدنيين، مثل نور، فإن ألم المعاناة تشكل عبر سنوات: فهم ضحية للقوات الموالية للأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، ولقوات الثوار التي تقاتل النظام وحلفاءه -ومعظم الثوار في الغوطة إسلاميون وبعضهم مرتبط بتنظيم القاعدة- والنتيجة اليوم ومع ارتفاع عدد القتلى، فإن هناك إحساسا باليأس والوحدة".
وينقل الكاتبان عن محللين، قولهم إن أي أمل في تدخل أوروبي أو أمريكي لوقف الفظائع، أو حتى إعطاء الأسد وحلفائه سببا للتوقف، اختفى من جبهات سوريا قبل سنوات، حيث تقول مديرة مركز الشرق الأوسط لمعهد كارنيغي في بيروت مها يحيى: "قاومت الغوطة الشرقية الحصار والقصف، وكل ما حصل على مدى الثلاث سنوات الماضية، وهي آخر منطقة لا تزال واقفة دون دعم دولي".
وتضيف يحيى: "من وجهة نظر النظام، فإن هذه المنطقة تحتاج لأن تلقن درسا، ولذلك عليك أن تقصف سكانها لتركيعهم، ولتظهر ثمن الوقوف في وجه النظام، فهناك رسالة كبيرة يراد إيصالها".
وتذكر المجلة أنه تم الإعلان عن هذه الحسابات من القادة العسكريين للنظام، حيث قال العميد سهيل الحسن في فيديو نشر على مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي: "أعد بأن أعلمهم درسا في القتال والنار.. ولن تجدوا منقذا".
وتقول يحيى: "الغوطة الشرقية هي جيب (يتيم) للثوار في سوريا، وليس لهم أي دعم من الخارج"، مشيرة إلى أن جيش الإسلام، وهو أكبر فصائل الثوار في الغوطة، وفصيل تدعمه السعودية، لكن السعوديين "يبدو أنهم فقدوا الاهتمام".
وينوه التقرير إلى أن استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية تعد أمرا مهما من ناحية استراتيجية بالنسبة للحكومة؛ لأن استمرار غياب الأمن -بما في ذلك قصف الثوار لدمشق، الذي استمر بالرغم من وقف إطلاق النار- يحبط جهودها في إعادة المجتمع الدولي إلى عاصمتها.
وتقول يحيى للمجلة: "لم يعر نظام الأسد اهتماما للضحايا المدنيين على مدى سبع سنوات، فلماذا يبدأ الآن بالاهتمام؟ ومع كل خط أحمر يتجاوزه النظام فإنه يزداد جرأة، فلا أحد يقف أمامه، لا أحد يدافع ويقول (لا يمكنكم فعل هذا) .. عندما تستطيع استخدام غاز الكلور والأسلحة الكيماوية ضد مدنيين فلست خاضعا للمساءلة".
ويذكر الكاتبان أن وكالة الأنباء السورية أنكرت في المراحل الأولى من القصف، أن هناك تصعيدا في القتال، وقالت إن تلك أخبار كاذبة وملفقة من صنع "الإرهابيين".
وتبين المجلة أن آثار الهجوم على الأرض كانت واضحة من الأسبوع الأول، حيث أدى القصف المستمر، بحسب منظمة أطباء بلا حدود، إلى جعل الإمكانيات الطبية تصل إلى رمقها الأخير، ففي الفترة ذاتها تم ضرب 13 مرفقا طبيا مدعومة جزئيا أو كليا من منظمة أطباء بلا حدود، وقالت المنظمة في بيان في 24 شباط/ فبراير إن دعوات منها ومن عاملين في الحقل الإنساني "واضح أنها وقعت على آذان صماء".
وينقل التقرير عن الدكتور محمد سالم، وهو جراح من دوما، قوله في اتصال هاتفي يوم الثلاثاء: "لا يمكن للكلمات أن تصف الوضع في المستشفيات.. يجرح المئات يوميا، كلهم مدنيون، لم يمر علي مقاتل واحد على مدى العشر أيام الماضية.. أما طبيعة الإصابات فلا أستطيع وصف البشاعة، لقد أصدرنا آلاف المناشدات الإنسانية، لكن لم يسمعنا أحد".
ويضيف سالم للمجلة أنه خلال ساعات الهدنة التي أعلنتها روسيا بين التاسعة صباحا والثانية بعد الظهر بالتوقيت المحلي، "لا ندري إن كان المطار في السماء أم على الأرض؛ لكثرة الطائرات الموجودة في الجو".
ويورد الكاتبان نقلا عن الزميل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن تشارلز ليستر، قوله إن إعلان بوتين عن هدنة الخمس ساعات يوميا "تقول الكثير عن أهداف التحالف المؤيد للنظام، فبالنسبة لهم لا علاقة لهذا بالجانب الإنساني.. إنها حرب نفسية تهدف إلى تحقيق الاستسلام"، ويشير ليستر إلى أن استخدام الأسلحة الكيماوية في الشيفونية بعد قرار مجلس الأمن بقليل، كان الهجوم الكيماوي الرابع في الغوطة الشرقية خلال عام 2018، والسابع خلال العام في سوريا.
وتختم "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى قول ليستر في تحليله، "إن روسيا وإيران والأسد يعلمون جيدا أن المجتمع الدولي لن يوقف هذه الحملة العسكرية الوحشية، ولذلك يجب توقع استمرار العنف والموت.. والبيانات الدبلوماسية التي تعبر عن (القلق)، التي تصف الغوطة الشرقية بـ (الجحيم على الأرض) .. لا تؤثر على الفاعلين الذين لا تقلقهم قيود القوانين الدولية".