قضايا وآراء

الناصريون وبشار الأسد.. تحالف حتى الموت..

رضا حمودة
1300x600
1300x600
لقد كشفت الثورة السورية مدى الارتباط العضوي الوثيق بين التيار الناصري وحزب البعث العربي السوري بقيادة بشار الأسد من جانب، والتيار القومي العام المتشدق بشعارات العروبة والقومية العربية، على الرغم من بعض الخلافات بين الطرفين والقائمة على تعارض بعض المصالح، لا سيما إبان الوحدة الفاشلة بين مصر وسوريا (1958-1961)، فإن التحالف بين الطرفين لم ينقطع، ربما لأن التيار الناصري يعتبر بشار الأسد المتبقي الوحيد من الحقبة الناصرية التي بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل أكثر من ستة عقود.

تقاطر الوفود الناصرية إلى دمشق

فعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، لم تتوقف زيارات الوفود الناصرية أو المحسوبين عليهم لنظام الأسد، وكان من أبرز الزائرين من التيار الناصري لسوريا في السنوات الأخيرة، سامح عاشور، نقيب المحامين ورئيس الحزب العربي الناصري، والذي ظهر في إحدى الصور مع بشار الأسد وهو يسلم له راية الرئيس جمال عبد الناصر، والناشطة السياسية كريمة الحفناوي، في الوقت الذي لا يتردد أبناء الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، عن تأييد الأسد علنا، فلطالما خرج خالد جمال عبد الناصر، وهو يصف المعارضة السورية بأنها مجموعة من الإرهابيين، ويعلن دعمه المطلق للأسد، وهو الأمر الذي أكدت عليه شقيقته هدى عبد الناصر، والتي قالت إنها ترى بشار الأسد يمثل استكمالاً للمسيرة التي بدأها والدها، بالإضافة إلى مجموعة من أشهر وكبار الفنانين (أبرزهم محمد صبحي وفاروق الفيشاوي وإلهام شاهين)، في رسالة تأييد واضحة لجرائم الابادة الجماعية التي يرتكبها النظام بحق شعبه الذي تجرأ على الغضب والجأر بالشكوى.

تحالف الاستبداد لمنع صعود التيارات الإسلامية

ثمة سبب وجيه لهذا التأييد المطلق من قبل الناصريين لحزب بشار الأسد ونظامه الدموي، وهو التخوف من سيطرة التيارات الإسلامية لا سيما جماعة الإخوان المسلمين (الخصم اللدود لناصر وحزب البعث السوري منذ عهد حافظ الأسد)، وهو ما يرسخ نظرية العداء بين الإسلام والقومية العربية فكرياً وسياسياً في مواقف وحوادث كثيرة، إذا أخذنا في الاعتبار أن جذور القومية العربية قد بدأت قبل ذلك بسنوات طويلة ضاربة في أعماق القرن التاسع عشر، حيث سبق السوريون الأوائل غيرهم من الشعوب العربية، في مواجهة الخلافة العثمانية. ولعل أول عمل منظم، في حركة العرب القومية، بدأ عام 1875، وكانوا جميعا من المسيحيين، مع قيام خمسة شباب من الذين تلقوا العلم في "الكلية السورية البرتستانتينية" في بيروت، بتشكيل جمعية سرية، وكان ذلك قبل تولي السلطان عبد الحميد بعام ونيف، إلا أنهم أدركوا ضرورة إشراك المسلمين والدروز معهم، فاستطاعوا بعد مدة من الزمن أن يضموا 22 عضوا ينتمون إلى الطوائف المختلفة، ويمثلون خواص المتنورين في البلاد (حسبما قال جورج أنطونيوس في كتابه الأشهر "يقظة العرب").

ولعلنا نلاحظ أن القاسم المشترك بين التيارات القومية والناصرية في العالم العربي هو الاستبداد والقمع، بغرض قطع الطريق على أي تيار إسلامي يحاول الوصول للسلطة، ولو عبر الطريق الديمقراطي السلمي، الأمر الذي يفسر هذه الخصومة بين الحركة القومية والناصرية من جهة، والتيار الإسلامي العام من جهة أخرى، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، بل في بعض الأحيان مع الإسلام ذاته.

وعودة سريعة إلى قرن مضى، نكتشف مدى التواطؤ الغربي بقيادة بريطانيا، أثناء الحرب العالمية الأولى على الخلافة العثمانية، عن طريق تغذية النزعة القومية لدى الشعوب العربية الواقعة تحت مظلة الخلافة (ولو رمزياً في ذلك الوقت). ولنتأمل ما قاله "لورانس العرب"، ضابط الإستخبارات البريطانية في تلك الأثناء، في ما سمي بالثورة العربية الكبرى التي قادها "الشريف حسين" أمير الحجاز ومكة بإيعاز ودعم بريطاني، حيث عمل مستشاراً له ولأولاده، ورافق "فيصل الأول بن حسين" في دخوله دمشق، حيث يقول في كتابه الشهير" الثورة العربية: "هل تتغلب القومية، ذات يوم، على النزعة الدينية؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني المعتقدات الدينية؟ وبمعنى أوضح: هل تحل المثل العليا السياسية مكان الوحي والإلهام وتستبدل سوريا بمثلها الأعلى الديني مثلها الوطني؟".

بشار الأسد الابن الشرعي للتجربة الناصرية

وللتدليل على هذا التزاوج الفكري العقدي (الاستبدادي) بين التيارين الناصري المصري والاشتراكي العربي السوري، رغم انهيار الوحدة المصرية السورية أوائل ستينيات القرن الماضي، علينا أن نتأمل ما قاله أحد الناصريين السوريين، ويدعى "صفوان القدسي"، أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، في صحيفة الحياة (6 حزيران/ يونيو 1993):

أولاً: حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، هو الابن الشرعي للتجربة الناصرية، وبالتالي فإن تراث جمال عبد الناصر الفكري والسياسي يبقى دائما المصدر الذي يستلهم منه الحزب مبادئه وأفكاره ومواقفه.

ثانياً: إن حقبة عبد الناصر لا يمكن أن تكون قيداً على حقبة.

ثالثاً: إن تراث عبد الناصر الفكري والسياسي، يظل قابلاً للاجتهاد الحر، الذي لا يتعصب ولا ينحرف، أي أنه تراث قابل للإجتهاد في إطار التجربة ذاتها، وليس خارج هذا الإطار.

رابعاً: إن تجربة عبد الناصر ليست قابلة للنسخ والنقل. ذلك لأن الظروف المتغيرة تقتضي إبتكار أساليب جديدة في العمل، تستطيع أن تتعامل مع هذه الظروف.

ويؤكد "القدسي"، وكان الشعار الأول الذي رفعه حزبنا عام 1983، هو أن جمال عبد الناصر وحافظ الأسد جناحان متكاملان في مدرسة القومية العربية. وعبر سنوات عدة، تبلورت هوية الحزب الفكرية والسياسية، وكما يقول أحد الشعارات المركزية للحزب: "تجربة حافظ الأسد الفكرية والسياسية هي استكمال وإنضاج لتجربة جمال عبد الناصر".

وفي النهاية، فإن الحقيقة التي تؤكدها وقائع التاريخ والجغرافيا على أرض الواقع رغم مرور عقود طويلة وتعاقب أحداث جسام، تقول بأن التحالف الاستراتيجي العضوي بين التيار الناصري المصري ونظيره البعثي العربي السوري (حزب الأسد)، إنما هو تحالف مصيري بمثابة معركة وجودية حتى الموت، تمثله قوى الاستبداد من جهة، وقوى التغيير من أجل الحرية والاستقلال (الثورة) من جهة أخرى، ذلك أن الحقبة الناصرية ابتلت الأمة العربية بمجموعة من طواغيت والفراعين أهلكوا الحرث والنسل، والأخطر من ذلك أنهم قتلوا الإرادة داخل الإنسان العربي، أمثال معمر القذافي وصدام حسين وحافظ الأسد وولده الجاثم الآن على ركام وطن منكوب يسمى "سوريا".
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الأربعاء، 07-03-2018 10:39 م
حزب البعث العلماني الملحد كان هو الرافعة التي من خلالها جرى إيصال الطائفة النصيرية للسلطة و منذ 55 عاماً و هم يشنون حرباً مستمرة على شعب سوريا العربي المسلم. فمثلاً منعوا الجيش من الصلاة و كتبوا على جدران الثكنات العسكرية، وعلى جدران الكثير من المؤسسات الحكومية بيت الشعر التالي : أمنتُ بالبعثِ ربـاً لا شريكَ ِلهُ ***وبالعروبة دينـا ماله ثـانـي عندما أصبح رفعت الأسد مسؤولاً رفيعاً في الدولة و قائداً لسرايا الدفاع ، ارتكب مجازر و ظن أنه قضى على الإسلام ثم تبجح أمام عسكريين بقوله : (كان في سوريا ثلاثة : الله ،الإسلام،حزب البعث. قضينا على اثنين ولم يبق إلا حزب البعث). من شعارات وهتافات المستوطين النصيريين التي رفعت في عهد حافظ الأسد وكلنا نذكرها (يا الله حلَك حلَك تحط الأسد محلك . حط التين ع التفاح زمن محمد ولَى وراح ). خلال حياة حافظ ، كنا نرى شعاراً سفيهاً على الجدران "معاً إلى الأبد يا حافظ الأسد" و كأن حافظ ليس بشراً و لن يموت. هذا الحزب الدجال رفع شعار "أمة عربية واحدة" و كانت حدود سوريا مغلقة مع العراق "الذي فيه حزب بعث" لسنوات طويلة. لم يكن هذا الحزب سوى وسيلة لأمريكا لكي تسيطر على سوريا من خلال النصيريين . مشكلة الناس النسيان مع أن متابعة و حفظ الأحداث ضروريان للتحليل السياسي. عند وفاة حافظ الأسد كان رئيس أمريكا "بيل كلينتون" بينما كان رئيس سوريا بالوكالة (عبد الحليم خدام) لأنه كان نائب الرئيس . بدلاً من أن يتصل كلينتون بعبد الحليم خدام لتعزيتة بوفاة حافظ وفقاً للأعراف الدولية فقد اتصل مباشرة ببشار الأسد معزياً ثم جاءت وزيرة خارجية أمريكا "مادلين اولبرايت" لتشارك في تشييع جنازة حافظ الأسد واختلت ببشار الأسد قبل تشييع حافظ الأسد بساعتين ونصف, ثم صرحت بأنها تُثمن الانتقال السلس للسلطة في وقت أنه لم يكن بشار الأسد قد أصبح رئيساً. عند قبر حافظ ،سأل أحد الصحفيين الوزيرة عما دار بينها وبين بشار الأسد فأجابت أن بشار يعرف ما عليه أن يفعل . من ينسى أن حافظ قد وضع جيشه في حفر الباطن تحت قيادة الجنرال الأمريكي "نورمان شوارتزكوف" في حرب الخليج، فهو بالتأكيد سيتخبط في التحليل السياسي. القوميون العرب الناصريون ،بعد أن ضعف بريقهم و وهجهم ، صاروا من المتخبطين و علاقاتهم الحميمة مع عصابة النصيرية الحاكمة في دمشق ستزيد من تدهور أوضاعهم . إذا كانت أمريكا تتظاهر بالنأي عن ذيلها بشار فكيف يتأتى لعقلاء أن يعلنوا على الملأ قربهم منه ؟! هذا الوضع شبيه بقصة "حزبالة اللبناني" الذي كانت له شعبية كاسحة ، ثم دخل الحزب إلى سوريا للقتل و التدمير و التهجير فانكشف على حقيقته و حرق رصيده عند غالبية العرب المسلمين و المسيحيين.