هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي للصحفي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان، عرض فيه مذكرة من نسج خياله، مرسلة من السفير الأمريكي في الرياض إلى الرئيس دونالد ترامب، بشأن الزيارة المنتظرة لولي العهد السعودي لواشنطن.
وفي هذه المذكرة، التي ترجمتها "عربي21"، قال السفير الأمريكي: "سيدي الرئيس، استباقا لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أريد أن أشاركك بعض الأفكار". وأضاف السفير أن "الأمر بات مسألة وقت فقط، قبل أن يسلم الملك سلمان السلطة لابنه، الذي يعدّ منذ الآن الحاكم الفعلي للبلاد. ولا يعد محمد بن سلمان رجلا ديمقراطيا، كما لا يهتم بدعم الديمقراطية، بل هو دكتاتور يسعى للتحديث. وأقصى ما يمكننا توقعه منه هو إجراء تحديثات على مستوى الاقتصاد السعودي، والفكر الديني، والبنية المجتمعية. وبالنظر إلى المحاولات الفاشلة سابقا لإحداث إصلاحات، يكتسي هذا الأمر أهمية كبيرة".
وذكر السفير في هذه المذكرة أن "محمد بن سلمان بلا شك شخص جريء، ولا أستطيع التفكير في شخص آخر من العائلة المالكة يمكنه فرض الإصلاحات الاقتصادية والدينية والاجتماعية العميقة التي أقدم على وضعها، ودفعة واحدة. ولكنني أيضا لا أستطيع التفكير في شخص آخر من هذه العائلة توخى سياسات خارجية عدائية، وخاض صراعات على السلطة داخليا، ويستمتع بشراء مقتنيات شخصية بشكل مبالغ فيه، كما يفعل هذا الرجل. ويمثل هذان الجانبان وجهين للشخص ذاته، ألا وهو محمد بن سلمان. وتتمثل مهمتنا الآن في المساعدة على كبح دوافعه السيئة ودعم دوافعه الإيجابية".
وأردف السفير مخاطبا ترامب: "فكر فقط في الأموال التي أنفقناها في مكافحة التطرف الديني منذ هجمات 11 من أيلول/ سبتمبر، فهي تقدر بتريليونات الدولارات. في الوقت الراهن، بات هناك قائد سعودي لا يكتفي بالحديث حول هذا الأمر، بل أقدم فعليا على رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات، ومنحها حرية الذهاب لحفلات الغناء للنجوم العرب والأجانب، والالتحاق بالخدمة العسكرية، وسهل لها بعث المشاريع، واضعا في الوقت ذاته حدودا لنفوذ الشرطة الدينية ورجال الدين في الحياة اليومية للأفراد، من خلال استيراد أنظمة تعليم غربية، وإعادة فتح دور السينما، والتعهد علنا بإعادة الإسلام لأصوله المعتدلة. وقد وصل الأمر إلى أنه جعل رجال الدين لأول مرة يمنحون الضوء الأخضر للمواطنين للتعبير عن مشاعرهم في عيد الحب".
وأكد السفير أنه "إذا تم تعزيز مكانة المرأة السعودية، فستصبح المملكة دولة طبيعية، تتسم بمجتمع مترابط ومنتج، وسيصبح الإسلام السعودي أكثر اعتدالا. وبالنظر إلى أن السعودية تعد مرجعا إسلاميا عالميا، فإن ذلك سيؤدي لعزل المتشددين، وتقوية نفوذ المعتدلين في كافة أنحاء العالم. لكن هذا الأمر سيستغرق وقتا ليتحقق، وسيمكّن من توجيه الحرب ضد كتب الفكر المتطرف، والمدارس الدينية، ورجال الدين السعوديين، الذين عملوا على تصدير هذا الفكر إلى العالم".
في المقابل، أورد السفير أن "تحقيق هذا الهدف يتطلب أن يتبنى محمد بن سلمان أسلوبا قياديا استثنائيا، وفريق عمل استثنائيا. وهنا تكمن مشكلة ولي العهد. أولا، ينحدر محمد بن سلمان من أضعف جناح في العائلة المالكة، حيث كان والده مجرد حاكم لمنطقة الرياض، وكان معروفا بعدم تورطه في الفساد. ونتيجة لذلك، نشأ محمد بن سلمان وهو يشعر بالاستياء والاحتقار تجاه أبناء عمومته الكسالى، الذين حققوا ثراء فاحشا، إلى جانب كبار رجال الأعمال المقربين منهم. وبالتالي، كانت حملته ضد الفساد تهدف لوضع حد لتفشي الفساد، ولكن كانت أيضا بمثابة انتقام، وعملية افتكاك للسلطة والمال. ولا يزال ولي العهد إلى حد الآن يضع 56 من أثرياء السعودية تحت الإقامة الجبرية".
وأردف السفير أنه "يجب على ابن سلمان إطلاق سراحهم جميعا، ووضع حد لهذا الأمر، وإنشاء محكمة دائمة لمكافحة الفساد، حتى تتكفل بكل هذه القضايا. ولا يمكن لابن سلمان تحقيق إصلاحاته الاقتصادية دون مشاركة المستثمرين الأجانب. ويوجد اليوم العديد من المستثمرين السعوديين والأجانب الذين يتساءلون بشأن إمكانية تعرض أموالهم للمصادرة واحتجازهم دون تحذير في فندق ريتز كارلتون في حال استثمروا أموالهم في السعودية، أو دخلوا في شراكة مع سعوديين. من دون الالتزام بمبدأ علوية القانون، لن تحظى السعودية بما يكفي من الاستثمارات والوظائف، ودون هذه الوظائف لن تنجح الإصلاحات الاجتماعية، وسيجد التطرف الديني بيئة خصبة للعودة للواجهة".
وأعرب السفير أنه "في الوقت ذاته، نحتاج لأن نقول لمحمد بن سلمان: يمكنك أن تكون ملكا فعليا، وتتمتع بشرعية حقيقية، أو يمكنك شراء اليخوت والقصور ولوحات ليوناردو دا فينشي مثل أبناء عمومتك، ولكن لا يمكنك فعل الأمرين معا. يجب عليه أن يفهم أنه سيصبح شخصية عامة على المستوى العالمي، ولذلك عليه بناء سمعة مماثلة لتلك التي حققها والده، شخص بعيد عن الفساد، ومتواضع وتوافقي".
"أما فيما يخص الجانب الإداري، فيبدو فريق عمل محمد بن سلمان صغيرا جدا، ويتضمن اثنين من الوزراء المتسلطين والمقربين منه، في حين أنهما غير جديرين بموقعهما، ويعكسان صورة سلبية عن ولي العهد، عبر تقديم نصائح كارثية، منها ما أدى لفشله في ملفات اليمن ولبنان وقطر. وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان يعدّ شخصا إصلاحيا، ويفكر بشكل مبتكر، إلا أنه يتصف بمزاج حاد، وأغلب وزرائه يخشون من الوقوف في وجهه أو إعطائه نصائح صريحة وصادقة هو في أمس الحاجة لها".
وأردف السفير بأن "كل هذه الجوانب يمكن أن تجهض إصلاحاته؛ لذلك يجب علينا أن ننخرط في حوار معه حول كل هذه القضايا ونقدم له النصح. في المقابل، لا يحظى ريكس تيلرسون بالاحترام في الرياض، وليس لدينا مساعد وزير خارجية دائم أو سفير خاص لشؤون الشرق الأوسط، وهذا أمر غير معقول؛ لذلك يجب تعيين جيمس بيكر أو ديفيد بتريوس مبعوثا خاصا للخليج يمكنه مساعدة محمد بن سلمان لإيجاد حل في اليمن، وإنهاء الصراعات مع جيرانه، وتركيز كل جهوده على بناء مملكة سعودية مزدهرة تحظى بإعجاب جيرانها. ويمثل ذلك أفضل حصن للتصدي للهيمنة الإيرانية".
وأفاد السفير بأنه "في حال قرر محمد بن سلمان ملاحقة أذرع إيران في كل مكان، فإن ذلك سيستنفذ قواه، ويؤدي إلى هزيمته. وبالتالي، ينبغي أن نقدم له النصح باستمرار عبر إرسال شخص يحظى بالاحترام، وألّا نتركه يتخذ قرارات وسط مجموعة من الصبيان، أي هؤلاء الأمراء العرب السنة، الذين يحركهم هرمون التستسترون. إذا كنت تعتقد أنه يمكنك فقط التعبير عن إعجابك بخطابه ضد إيران، وإصلاحاته الدينية، وتعتقد أن كل شيء سيسير على ما يرام، فأنت مخطئ".
وختم السفير مذكرته قائلا: "ولكن دعني أخبرك يا سيادة الرئيس دونالد ترامب، أن محمد بن سلمان شاب، وثلثا السعوديين تقل أعمارهم عن 30 سنة، وهم يتطلعون لأن يحصلوا من قبل الولايات المتحدة على ما هو أكثر من الٍأسلحة، إنهم ينظرون إلينا على اعتبارنا نموذجا يحتذى به؛ لذلك من المهم الآن أكثر من أي وقت مضى، أن نكون مثالا لهم فيما يتعلق بعلوية القانون، واحترام المؤسسات، وتحقيق التعددية. يعد إرسال مبعوث أمريكي خاص للسعودية أمرا ضروريا في الوقت الحالي، ولكن الأهم من ذلك هو الإبقاء على الولايات المتحدة على اعتبارها نموذجا يحتذى به، أرجو أن تكون قد فهمت مقصدي".