مساء أول الأحد من شهر آذار/ مارس الجاري، أعلنت أكاديمية فنون وعلوم
الصور المتحركة الأمريكية في لوس أنجلوس عن فوز فيلم "شكل الماء"
(The Shape of Water) بجائزة
الأوسكار في الدورة الـ90، للمخرج المكسيكي
"غييرمو ديل تورو". ومر الحدث السينمائي الأبرز عالميا على الأمة
العربية والإسلامية في هدوء شديد لا يتناسب مع ما حمله الفيلم من إساءة في ثناياه
لها.
جمع
المخرج عبر سيناريو اتُهم الفيلم بسرقته؛ بين متناقضات عدة في شريط سينمائي واحد،
بداية من قصة غير منطقية ولا معقولة ولا يحتمل عقل بشري تخيل إمكانية حدوثها، إلا أن
رفع راية السريالية من جانب صُنَّاع الفيلم كان كافيا ليقنع اللجنة القائمة على
الجائزة بأن ما يقدمه "فن غرائبي" أو "لون من
الأفلام من الصعب على
غيره إيجاد مماثل له ولو جزئي". ومع حرص اللجنة الواضح على إيجاد مساحة من
التكريم للأفلام الغريبة، وجنوحها نحو ذلك الواضح العام الماضي بفوز فيلم الشذوذ
الجنسي الأمريكي "ضوء القمر" بالجائزة في العام الماضي، لم يكن من مانع
لدى القائمين على الجائزة منح "شكل الماء" أربع جوائز، أفضل فيلم، أفضل
مخرج، أفضل إنتاج، أفضل موسيقى تصويرية.
إننا
أمام عمل سينمائي بالفعل جيد فيما يخص الصورة وتتابعها من مونتاج اللقطات، الضوء
والظلال، حركة الكاميرا، تمثل بالميرو التي تبعد نصف الساعة عن العاصمة واشنطن في
العام الأخير من ستينيات القرن الماضي، من مبان، وسيارات، وأزياء، وسلع
استهلاكية.. ولكننا على رغم ذلك كله، نعاني طوال وقت الفيلم من عدم اقتناع غالبية الممثلين
بأدوارهم، أو بأن الخيال العلمي يسمح لهم بافتراض أن كائنا برمائيا يمكنه أن يعاشر
بطلة الفيلم فيحقق لها ما لا يحققه الرجال الحقيقيين، وهو ما دفع مقدم حفل
الأوسكار "جيمي كيميل" إلى أن يقول، وهو يعلن فوز الفيلم بالجائزة:
"يبدو أن الرجال الأمريكيين قصروا في مواعدة النساء، فصرن يواعدن الأسماك".
والقصة
منسوبة إلى السريالية أو الفن للفن، والتي صاغها كحركة "غيوم أبولينير"
لتظهر للمرة الأولى في مقدمة مسرحيته "أثداء ترسياس" التي كتبها عام
1903، وتم تمثيلها عام 1917، ثم صارت حركة مهجورة تساوي التعبير الفني عن مكبوتات
الجسد، ولو كان مجرد مراهقات وخيالات جنسية ضحلة سطحية، دون مراعاة لمنطقية أو عقل.
إلا
أن "شكل الماء" الذي هجر المنطق والعقل والفهم البشري إلى حيث عالم غامض
مليء بالمتناقضات وأقرب في المضمون لأحلام الصبا المعوج؛ لم يقصر فيما يخص الفلسطينيين
القدامى، وبحث عن وسيلة لتشويههم، فوجد إحدى قصص الكتاب المقدس عن "دليلة
وشمشون" ليقحمها على الفيلم إقحاما، لمجرد أن اسم البطلة المساعدة يشبه اسم
"دليلة"، دون عمق درامي لتكرار قصة "شمشون" وقص الفلسطينيين
القدامى الزعوم لشعره، وإفقاده قوته، وهي القصة الوحيدة التي كانت تدور على لسان
البطل المساعد كلما تعرض لموقف صعب. وكم تناولت
السينما الغربية القصة نفسها مرارا
وتكرارا دون ملل!
من
المُفترض أن قصة الفيلم تدور حول "إيلازيرا إسبزيتو"، أو الممثلة
البريطانية "سالي هوكنز"، واسمها يعني اليتيمة، إذ وجدت مجهولة الأبوين
عند مجرى مائي، وهي لا تستطيع الكلام لتحرش شخص به صغيرة، فيما صديقتها
"زيللة دي فور"، ذات الاسم الأقرب لدليلة، أو الممثلة "أوكتافيا
سبنسر" تعاني من الحرمان رغم وجود زوجها، وللتغلب على كبت الشخصيتين
الرئيسيتين في الفيلم تعمد الأولى إلى إقامة علاقة جنسية عبر خطف الكائن المائي
الذي اقتنصه معهد للأبحاث تعمل البطلة والبطلة المساعدة كعاملتي نظافة به،
ليطاردهما المسؤول عن تشريح الكائن، ومن ثم إرسال مُماثل له إلى القمر ردا على
صعود روسي إليه في آذار/ مارس 1959م، حيث تدور أحداث الفيلم. وفي النهاية ينجح الكائن
في علاج نفسه من الرصاص، بل العودة إلى نهر الأمازون حيث جاء، وتحويل البطلة لكائن
مثله، ومن ثم يعيشان إلى الأبد في متع حسية.
القصة
المهلهة ذات المرجعية الجنسية التي يجنح تفسيرها إلى نظريات عالم النفس النمساوي
"سيجموند فرويد"، كتعبير عن الرغبات الآثمة المكبوتة. فالكائن آكل
القطط، مثال الرجولة المكتملة لدى محبوبته، وما يخص الفلسطينيين في الفيلم، يمر
عفو الخاطر على العرب، وكذلك تصويره للتقدم الإسرائيلي، فـ"البوبر" أو
جهاز تعطيل الدائرة الكهربائية من مؤسسة التجارب الأمريكية، بما فيها أجهزة
الإنذار حتى يتم خطف الكائن.. الجهاز الصغير المعقد النتائج.. إسرائيلي الصنع تغلب
على التكنولوجيا الأمريكية عام 1959م.
إن
مثل هذا الفيلم بترجمته المتاحة على يوتيوب يتجاوز إقناع شرائح عمرية وثقافية؛ بما
يخالف التفكير السوي إلى تقبيح التاريخ الخاص بالفلسطينيين المظلومين اليوم؛ لتمرير
أنهم ظلمة منذ فجر التاريخ، وبشهادة دينية، فيما مضمون الفيلم يُحقر الأديان
والشرائع؛ مثبتا الألوهية لكائن يتغذى على النفايات والحيوانات الصغيرة. إن مثل
هذا الفيلم يحتاج من نقادنا والمُختصين إلى انتباه لكيلا يمر مرور الكرام، فإن لم
نكن فعالين في الدفاع عن الحق بأداة مثل فن السينما، فلا أقل من تقبيح باطل
أعدائنا الذي يتم تغليفه سينمائيا.