تهاوى منصب الرئاسة الأرفع في العالم إلى مستويات سحيقة من السخف والمهانة، وبدا شاغله مجرد بائع أسلحة يتذاكى في عرض أحدث ما لديه لزبون محمول على رغبات جامحة للوصول إلى السلطة في بلاده، ولديه الكثير من الأموال التي أخذها من علية قومه؛ ومن كبريات الشركات في بلاده بعد أن وضع يده على معظمها في مذبحة للاقتصاد لم يسبق لها مثيل.
هذا الحدث شهده البيت الأبيض في 21 آذار/ مارس، حينما كانت الأنظار مشدودة إلى نتائج اللقاء المثير للسخرية الذي أجراه تاجر السلاح الجشع في البيت الأبيض، مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الرجل الثاني في المملكة العربية
السعودية؛ البلد الذي يخوض أطول حرب في منطقة الشرق الأوسط على أرض
اليمن.
والأسوأ، أن هذه الحرب شبه المفتوحة تقريباً، تتم اليوم بتغطية واسعة من أمريكا ترامب، على الرغم من الانتقادات المتزايدة التي تواجهها المملكة داخل طيف النخبة الأمريكية الواسع وفي الكونجرس ومجلس الشيوخ، ضد استمرار الحرب التي يبدو أن أهدافها السياسية والجيوسياسية تتبدل؛ لتتحول معها هذه الحرب إلى جريمة إضافية ترتكب في بلدنا الفقير والمتعب.
خرجت الإدارة الأمريكية من دائرة التأثير الإيجابي على مجريات الحرب في اليمن، لتكتفي بدورها كأحد أهم المتربحين من هذه الحرب، وهو تطور أسوأ ما فيه أنه يطلق العنان لقادة تحالف الرياض- أبو ظبي، للمضي قدماً في حرب مفتوحة تحصد الحلفاء قبل الأعداء، وفق مخطط واضح لتفكيك اليمن وإضعافه.
وصفة إضعاف اليمن جربتها الرياض من قبل ولكنها لم تتعظ، حينما عملت على تكريس وكلاء سيئين لحكم اليمن كان آخرهم علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثين عاماً بأساليب فاسدة أبقت البلاد فقيرة، وتعاني من ضعف على مستوى حكم القانون، ما سمح بتسلل المشاريع المذهبية المتصلة بطموحات إقليمية طائفية.
وكانت النتيجة أن أصبحت إيران تضع يدها وتدير عاصمة رابعة، وتطوق المملكة من كل الجهات تقريباً، وتحول اليمن إلى منصة لإطلاق الصواريخ صوب مطار الرياض وقصر اليمامة.
ما يرشح عن حرب السعودية والإمارات في اليمن يبعث على الإحباط. فالحكومة اليوم في مواجهة سياسية حادة مع تحالف الرياض- أبوظبي، بعد أن وجدت نفسها وجيشها في الجبهات يتقدمان أمتاراً باتجاه العاصمة، ويفقدان الدولة والنفوذ في أكثر من 70 في المائة من مساحة البلاد التي دخلت عمليا تحت نفوذ التحالف وهيمنته العسكرية والأمنية.
استقال وزيران من الحكومة، أحدهما الرجل الثاني في الحكومة، احتجاجاً على النهج العدائي للتحالف ضد الرئيس والحكومة، وتعمدت الحكومة إشهار مضمون الملاحظات التي أعدتها رداً على تقرير فريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن الذي صدر قبل ثلاثة أشهر تقريباً.
وأرادت الحكومة بهذه الخطوة، على ما يبدو، أن توصل الرسالة التي عجزت في الماضي عن إيصالها إلى المجتمع الدولي، وربما إلى تحالف الرياض- أبو ظبي نفسه، والتي تعبر عن ضيق وانزعاج الحكومة، ومخاوفها من سياسات إفناء السلطة الشرعية التي يمارسها التحالف دون خجل.
فالرئيس هادي المحتقن في مقبر إقامته شبه الإجبارية في الرياض؛ كان قد قرر قبل ثلاثة أشهر توجيه رسالة شكوى ضد
الإمارات إلى الأمم المتحدة، قبل أن تتدارك الرياض الأمر وتوقف هذه الشكوى.
صُمِّمتْ رسالة الرد الحكومية على فريق الخبراء بعناية لتمرير موقف الحكومة المؤيد لما توصل إليه هؤلاء الخبراء، بشأن مخاطر التنظيمات المسلحة التي أنشأتها أبوظبي في المحافظات الجنوبية ومارست من خلالها نفوذا ميدانياً واسعاً قوض نفوذ الشرعية واجتثها اجتثاثاً وبقوة السلاح من العاصمة السياسية المؤقتة عدن.
حدث ذلك إبان حرب الثلاثة الأيام التي شهدتها المدينة أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، وانتهت بسيطرة الحزام الأمني التابع للإمارات والمساند للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي على المعسكرات التابعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ملاحظات الحكومة أيدت ما جاء في تقرير الخبراء المتصل بشبكة المعتقلات والسجون السرية التي تشرف عليها الإمارات؛ وتمارس من خلالها انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان في اليمن.
وعلى الرغم من أن رسالة الحكومة خلت من الإشارة الصريحة لأي من دول التحالف، إلا أن الأمر في غاية الوضوح، ولا يمكن لعين أن تخطئ مقاصد الحكومة التي تتجه صوب الإمارات التي تمارس بلطجة سياسية في المحافظات الجنوبية في ظل سكون الرياض، وربما مباركتها.
الحكومة أقرت في هذه الرسالة بأن مدير أمن عدن، العميد شلال شائع، متمرد على القيادة السياسية، ويشكل أحد معول هدم السلطة الشرعية، وهو الرجل الذي يمثل وجوده على رأس شرطة عدن أحد المطالب الأساسية للإمارات.
إننا إذن بإزاء دلائل كافية على أن التحالف بات أخطر من الحوثيين لجهة استهداف السلطة الانتقالية، ومنعها من القيام بواجباتها الدستورية على نحو يعيق العملية السياسية، ويحول دون تجاوز البلاد هذا المنحنى الخطر من العنف والاحتراب، وهي ممارسات كافية لكي تدرج أبو ظبي في قائمة الخاضعين للعقوبات الأممية.