يوجد في
العراق الكثير من الأسواق القديمة جدا، والعريقة والممتعة،
وبعض هذه الأسواق موسمية أو أسبوعية وبعضها دائمة، ومن أهم هذه الأسواق: الشورجة،
والسنك، والغزل، والجمعة. وهنالك أسواق خاصة بالأقمشة والعطور والكتب والذهب
والأحجار الثمينة والمسابح، والصيرفة، وغير ذلك من الأسواق التي تلبي حاجيات الناس
ومتطلباتهم، وهذا أمر طبيعي في النظام التجاري الإنساني.
من
الطبيعي أن تكون هنالك أسواق للبضائع الثمينة والرخيصة؛ لأن الأصل في التجارة أنها
للبضائع وهذا أمر طبيعي وموجود في كافة دول العالم، أما أن تكون هنالك بورصة
للمواقف، أو بعبارة أدق بورصة لشراء الأصوات الانتخابية، فهذا ما لم يكن إلا في
العراق؛ في ظل المرحلة الديمقراطية التي ظهرت بعد العام 2003!
بورصة
شراء الأصوات الانتخابية أو البطاقات الانتخابية من الأسواق المتنامية في عموم
المدن العراقية، وبالذات تلك التي ينتشر فيها الفقر والعوز، ظهرت منذ المراحل
الأولى للانتخابات التي جرت بوجود الاحتلال الأمريكي في العراق، لكنها برزت بصورة
واضحة في
الانتخابات البرلمانية السابقة، في العام 2014، وبدأت تظهر مجددا هذه
الأيام مع قرب الانتخابات البرلمانية في 12 أيار/ مايو المقبل.
الغاية
من سوق البورصة الانتخابية شراء أكبر عدد ممكن من البطاقات الانتخابية، لضمان
العدد الكافي للحصول على المقعد البرلماني. وتتفاوت أسعار شراء البطاقة الانتخابية
ما بين 10 دولارات إلى 2000 دولار. فهنالك الفقراء الذين يرضون بأقل المبالغ،
وهنالك "المثقفون"، وهؤلاء أصواتهم أغلى وتتراوح ما بين 1000 إلى 2000
دولار أمريكي.
ظاهرة
بيع البطاقات الانتخابية ليست جديدة، بل هي قضية ثابتة في الانتخابات البرلمانية
السابقة. وسبق لمركز اتجاهات لمراقبة الانتخابات أن أكد في منتصف آذار/ مارس 2014،
أن "نتائج الانتخابات العراقية تسرق مسبقا، وأن سعر بيع البطاقة الانتخابية
ارتفع من 10 آلاف دينار إلى 30 ألفا في المحافظات، أي ما يعادل 24 دولارا، وفي بعض
مناطق بغداد إلى 200 ألف دينار، أي نحو 160 دولارا، وأن كتلا سياسية اشترت نحو 10
آلاف بطاقة لكل مرشح تسعى لفوزه بالانتخابات".
واليوم
تعود من جديد ظاهرة شراء الأصوات، أو الذمم من قبل بعض وكلاء الكتل الكبيرة
والشخصيات المستقلة وغير المستقلة، وهي مسألة لا يمكن نكرانها، وقد أكدها بعض نواب
محافظات ديالى والأنبار والموصل وغيرها، ومؤكدة باتصالات شخصية مع بعض الوجهاء
والشخصيات السياسية في بعض هذه المحافظات. ولذلك فهي قضية ثابتة، على الرغم من
التصريحات الحكومية والقضائية" بعدم ثبوت قضية شراء البطاقات الانتخابية، وأن
القضاء سيكون له موقف حازم في حال ثبوت عمليات شراء البطاقات الانتخابية".
وهنا
سنذكر بعض الأدلة التي تؤكد هذه الظاهرة. في بداية الشهر الحالي أكد القيادي في
تحالف القوى، حسين الزبيدي، وجود "حملة لشراء بطاقات الناخبين في ديالى تتم
عبر نواب حاليين وسابقين، وأن الظاهرة بدأت تنتشر بسبب الأزمة المالية والضائقة
المعيشية التي يعيشها المواطن".
وفي
منتصف هذا الشهر كشف عضو مجلس محافظة الأنبار المستقيل راجع البركات " أن
المال الانتخابي المكتسب أصلا من
الفساد يستخدم لاستغلال حاجة المواطن وصعوبة
وضعه، وأن هذا المال يستغل لشراء بطاقة الناخب الانتخابية، وأن سعر بطاقة الناخب
في مدينة الرمادي وصل إلى 100 ألف دينار عراقي (قرابة 100 دولار)، فيما بلغت في
مدينة الفلوجة 50 ألف للبطاقة الواحدة".
وفي
نهاية الأسبوع الماضي كشف المرصد العراقي لحقوق الإنسان، عن "قيام بعض
الأحزاب السياسية في الأنبار بشراء البطاقة الانتخابية للمواطنين مقابل مبلغ زهيد"!
فهل
مع هذه التصريحات النيابية يمكن للحكومة وهيئة الانتخابات نكران جريمة بيع
البطاقات الانتخابية أو شراء ذمم الناخبين؟
هذه
الأساليب المخجلة زرعت الخوف في الشارع العراقي من احتمالية كبيرة لمجيء أربع
سنوات جديدة مليئة بالرعب والخوف، وانتشار السلاح غير الرسمي، وتمييع مفهوم الدولة
في عموم البلاد!
الانتخابات
على مر التاريخ الحديث من أعظم أدوات التغيير الديمقراطي على الإطلاق، ومثال على
مدى صدق الحكومات في التبادل السلمي للسلطة، والانتخابات الوجه الآخر لمستوى وعي
الحكومة وشفافيتها، وتمثل الصورة المثالية الطاردة للعنف، والرافضة لما يرافق
الانتخابات من
تزوير ورشاوى وبيع للمواقف، وشراء للذمم، فهل الانتخابات في العراق
من هذا النوع؟