هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "نيويوركر" تقريرا للكاتب الأمريكي ديكستر فيلنكز، يكشف فيه عن أن السعوديين أهانوا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أثناء اعتقاله، وأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أراد معاقبته لاستقباله المسؤول الإيراني البارز علي ولايتي في بيروت.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى كيف هدد الأمير ابن سلمان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بقطع التعاون التجاري مع بلاده، في حال لم توقف باريس تعاونها التجاري مع إيران، وكان رد الرئيس الفرنسي هادئا، حيث قال للأمير السعودي إن بلاده حرة فيمن تتعاون معها، ما أدى إلى تراجع ولي العهد عن موقفه.
ويكشف الكاتب في تقريره الطويل عن الطريقة التي حاول فيها الأمريكيون استثمار الأمير ابن سلمان، ووضعه مكان ابن عمه الأمير محمد بن نايف في السلطة، مشيرا إلى دور الإمارات وحاكمها الفعلي، ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، في الترويج لشخصية ابن سلمان في أمريكا، وكيف قام سفير أبو ظبي يوسف العتيبة، بالحديث مع مسؤولين سابقين، مثل مدير المخابرات السابقة ديفيد بترايوس، ومستشار أوباما للأمن القومي توم دولينون، وكيف حاول البحث عن طرق لتقديم ابن سلمان في الإعلام الأمريكي.
وتعتقد المجلة أن صهر الرئيس دونالد ترامب، جارد كوشنر، الذي سلمه ملف الشرق الأوسط، أدى دورا في تأكيد سياسة الولايات المتحدة القائمة على التعاون مع السعودية.
ويكشف التقرير عن الدور الذي أدته السعودية والإمارات بالإطاحة بمحمد مرسي، وكيف عمل مدير المخابرات السعودية بندر بن سلطان، مع مخابرات دول أخرى للإطاحة بمرسي، فيما وعد ابن زايد وزير الدفاع في حينه عبد الفتاح السيسي بمبلغ 20 مليار دولار لو نجح في الإطاحة بمرسي، مشيرا إلى دعم الإمارات والجيش لحركة تمرد، واستخدام ابن زايد والسيسي القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان لنقل أموال ورسائل للمتعاونين في الجيش مع الانقلاب، حيث أن مسؤولا أمريكيا وصف ما فعله السعوديون والإماراتيون في مصر بأنه "فظيع جدا.. ولا يمكن أن ينسى".
ويقيم فيلكنز تقريره على شهادات ومقابلات مع مسؤولين سابقين وحاليين، يقولون إن السعودية والإمارات حصلتا على الضوء الأخضر للإطاحة بحكومة قطر، وكيف غضب وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، الذي لم يكن يتخيل أن تقوم السعودية بعمل كهذا، لافتا إلى أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين خافوا من غزو، وأرسلوا طائرات دون طيار لمراقبة الحدود القطرية مع السعودية.
وتكشف المجلة عن زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للولايات المتحدة صيف عام 2015؛ للقاء وزير الخارجية جون كيري، ليستطلع موقفه من إزاحة ابن سلمان لابن عمه، ورد كيري بأن أمريكا لن تقف مع أي طرف، منوهة إلى أنه في الوقت ذاته فإن ابن نايف حاول الوصول إلى مدير "سي آي إيه" جون برينان؛ للحصول على دعمه، وعندما شعر ابن نايف أن موقعه بات مهددا، فإنه كتب رسالة إلى الملك سلمان، اطلع عليها الكاتب، وورد فيها أن "هناك مؤامرة كبيرة"، "الإماراتيون يعملون على شق صف العائلة المالكة"، وأن "محمد بن زايد يحاول استخدام صلاته القوية مع الرئيس الأمريكي لتحقيق نواياه".
ويكشف التقرير كيف أثرى ابن سلمان نفسه عندما أجبر في شبابه رجال الأعمال على وضع مال في صندوق استثمار يخصه، وأنه أرسل رصاصة في مغلف لمسؤول في مصلحة الأراضي رفض طلبه للحصول على عقار، وعرف حينها بأبي رصاصة.
ويعتقد الكاتب أن قمة الرياض، التي شهدت توقيع عقود أسلحة، وأمنت موقف الإدارة من وكيلها الجديد ابن سلمان، تبعها عدد من التطورات، وهي حصار قطر، والإطاحة بمحمد بن نايف، واعتقال التجار والأمراء في ريتز كارلتون، ودعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى الرياض، وذلك بعد زيارة كوشنر مباشرة، وقدم السعوديون لعباس خطة سلام محايدة مع إسرائيل، تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتضم مستوطنات الضفة الغربية كلها لإسرائيل، وتمنح الفلسطينيين استقلالا محدودا.
وتنقل المجلة عن مسؤول فلسطيني بارز، قوله إن القادة العرب مارسوا ضغوطا شديدة على عباس، بالتعاون مع إدارة ترامب، وأضاف: "الفكرة كلها كانت تقوم على حل موضوع القدس، حيث يتمكن البيت الأبيض من بناء جبهة موحدة ضد إيران"، وتابع قائلا: "إذا لم يكن موضوع القدس مطروحا على الطاولة فلن نوافق أبدا".
ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت ذاته تم استدعاء رئيس وزراء لبنان سعد الحريري إلى الرياض، وتلقى الحريري الدعوة في الوقت الذي كان يحضر فيه للقاء وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسيس نيسن على غداء، لكنه لم يكن في وضع يستطيع فيه رفض دعوة محمد بن سلمان، فهو يحمل الجنسية السعودية، وشركته "سعودي أوجيه" مدينة لها، ولديها مشاريع بناء مع الحكومة.
وينوه فيلكنز إلى أن علاقة الحريري مع ابن سلمان تدهورت بسبب الحرب بالوكالة مع إيران، مشيرا إلى أنه منذ تدخل السعودية والإمارات في اليمن قبل 3 أعوام، فإن كل شيء تحول إلى كارثة، فالحوثيون مسيطرون على العاصمة صنعاء، ويقوم قادة عسكريون من حزب الله بتدريب مقاتليهم، وما زاد من سوء الوضع هو قيام الإيرانيين بتهريب الصواريخ إلى اليمن، التي أطلقها المتمردون على السعودية.
وتذكر المجلة أنه في محاولة لوقف الصواريخ، فإن الإماراتيين والسعوديين قاموا بحصارالموانئ البحرية والجوية اليمنية، بشكل فاقم الأزمة الإنسانية، لافتة إلى أنه قتل منذ التدخل السعودي أكثر من 10 آلاف شخص، فيما يواجه الملايين خطر المجاعة وانتشار وباء الكوليرا.
ويجد التقرير أنه علاوة على هذا كله، فإن محمد بن سلمان يخشى من الدور الذي يؤديه حزب الله داخل لبنان، حيث دعم السعوديون لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية عام 1990 بمليارات الدولارات لإعادة بنائه ليراقبوا توسع دور وتأثير حزب الله بصفته قوة سياسية وعسكرية، وتعاون الأمريكيون والسعوديون لسنوات عدة لدعم الجيش اللبناني، إلا أن ابن سلمان قرر عام 2016 إلغاء مساعدات عسكرية بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني، وقال مسؤول أمريكي يقابل محمد بن سلمان على فترات: "شعر أن كل دولار يرسل للبنان هو بمثابة دعم لحزب الله".
ويفيد الكاتب بأن السعوديين عولوا على الحريري لمواجهة حزب الله، فهو سني وسياسي ذو خبرة، وخدم رئيسا للوزراء في الفترة ما بين 2009- 2010، حيث غادر إلى باريس خوفا من حزب الله، و"مخاوفه ليست دون أساس، حيث قتل والده رفيق الحريري في عام 2005"، وفي عام 2016 وبعد سنوات من الانسداد السياسي، حيث ظلت البلاد دون رئيس لمدة عامين، عاد وتولى رئاسة الوزراء.
وتستدرك المجلة بأن الحريري لم يكن قادرا على مواجهة حزب الله، رغم ضغوط ابن سلمان عليه، لافتة إلى أن نقطة التحول جاءت في تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث واصل المتمردون الحوثيون إطلاق الصواريخ عبر الحدود إلى داخل السعودية، ووصل المسؤول الإيراني البارز علي ولايتي إلى لبنان، حيث التقى مع الحريري، وبحسب مسؤول أمريكي سابق، فإن ولايتي قال إن إيران تنوي مواصلة تأكيد دورها في المنطقة، وبعد ذلك التقطت صورة له مع الحريري المبتسم.
ويفيد التقرير بأنه عندما علم ابن سلمان فإنه غضب و"شعر بأنه يريد عمل أمر ما"، بحسب المسؤول، ومن هنا دعا ابن سلمان الحريري للقائه، الذي توقع استقبالا دافئا، حيث شعر أن خلافاته مع ابن سلمان يمكن حلها، بحسب ما نقل الكاتب عن مساعد للحريري.
ويبين فيلكنز أنه بدلا من ذلك فإن الأمن استقبله في المطار ونقله للحجز، وبحسب مسؤولين أمريكين ناشطين في المنطقة، فإنه احتجز لإحدى عشرة ساعة، وقال أحد المسؤولين: "أجلسه السعوديون على كرسي وأخذوا بصفعه مرارا وتكرارا"، وبعد ذلك ظهر الحريري في شريط فيديو بث على قناة سعودية، و"كان مجهدا ولا يعلم ما يجري حوله"، وقرأ خطاب استقالته، متهما إيران بمحاولة اغتياله.
وتلفت المجلة إلى أن اللبنانيين اقتنعوا أن الخطاب أعد مسبقا، ولم يكن واضحا من سيكون رئيسا للوزراء، وبحسب مسؤولين لبنانيين وغربيين، فإن ابن سلمان حاول تجنيد شقيقه بهاء، الذي يقضي معظم وقته في موناكو، فيما قال مسؤول أمريكي بارز في الشرق الأوسط إن "هذه المؤأمرة كانت أحمق ما رأيت".
ويستدرك التقرير بان هناك إشارات تدل على تنسيق ابن سلمان خططه في لبنان مع ترامب، ومن المحتمل في قمة الرياض، حيث قال مسؤول سابق في المخابرات الأمريكية، ومقرب من البيت الأبيض، إن محمد بن سلمان حصل على الضوء الأخضر للإطاحة بالحريري.
وينوه الكاتب إلى أن المسؤولين الغربيين فوجئوا باعتقال الحريري، وبدأوا حملة لإنقاذه، وأصدر ريكس تيلرسون بيانا، قال فيه إن "الولايات المتحدة تدعم الاستقرار في لبنان، وترفض أي تحرك يهدده"، فيما زار إيمانويل ماكرون محمد بن سلمان، وضغط عليه للإفراج عن الحريري، مشيرا إلى قول دبلوماسي غربي، يعلم بالحوار الذي جرى بينهما، إن ابن سلمان افتتح اللقاء مهددا بوقف التعاون التجاري مع فرنسا، طالما لم تقطع علاقاتها التجارية مع إيران, ورد ماكرون بهدوء قائلا إن بلدا كفرنسا حر في التعاون التجاري مع من يريد، وقال الدبلوماسي: "أدار ماكرون الحوار بشكل جيد، بحيث أدى إلى تراجع بن سلمان".
وتفيد المجلة بأن الخطة فشلت في النهاية، خاصة أن معظم المؤسسة اللبنانية احتجت على اعتقاله، وعاد الحريري بعد أسبوعين إلى لبنان بعد لقائه المسؤولين في باريس والقاهرة ومن ثم بيروت، حيث استقبل بحفاوة وتعاطف، وقال مسؤول في حزب الله: "اتحد لبنان كله حوله".
وتختم "نيويوركر" تقريرها بالإشارة إلى أنه بعد أيام من عودته ذهب الكاتب للقائه في حي بيت الوسط وفي داخل مجمعه السكني، ورغم الوسط المحيط به فإنه بدا أقل من بطل، بقدر ما هو سجين سابق، وقال: "لا أريد الحديث عما حدث"، مضيفا أن "محمد بن سلمان محق وما يريد عمله صحيح".