مع وصول السباق الانتخابي البرلماني في
العراق إلى مرحلة العد
التنازلي، تتعالى هذه الأيام الأصوات المتخوفة من احتمالية
تزوير الانتخابات،
وتحديدا عبر بيع البطاقات الانتخابية، والتلاعب بأجهزة العد الإلكتروني.
قضية
تزوير الانتخابات ليست جديدة، لكن هذه المرة - ومع- الوعود الحكومية بعدم التزوير،
والضغوط الأمريكية، أو الإلحاح الأمريكي بضرورة أن تكون الانتخابات نزيهة، ربما
جعلت بعض السياسيين والمتابعين يتوقعون أن الانتخابات ستكون نزيهة، على خلاف
الانتخابات السابقة التي شهد القاصي والداني بتزويرها.
الأحزاب
الكبرى في العراق لا يمكن أن تترك الساحة السياسية لغيرها؛ لأنها تتصور أنها هي من
أحدثت التغيير في العراق. والواقع أن غالبية هذه الأحزاب جاءت ضمن القطار الأمريكي
الذي دمر البلاد العراقية، وما زالت آثاره قائمة حتى اليوم، ولهذا فغالبية هذه
الأحزاب حريصة على أن تتشبث بالحكم بشتى السبل المشروع وغير المشروعة.
الأصوات
المتخوفة من التزوير لم تكن عبثية في تصريحاتها، وهي تمثل - في الغالب- كبار رجال
العملية السياسية السابقين، وكأنهم يريدون أن يقولوا للعالم أن في العراق
ديمقراطية، وأن الصناديق غير مسيطر عليها من قبل الأحزاب المتنفذة، وهذا لعمري من
أكبر صور تزوير الواقع؛ لأن المتابعين للشأن العراقي متيقنون بأن الانتخابات
صورية، وأن صناديق الاقتراع، ونتائج التصويت مسيطر عليها، ويتم فلترتها وفقا
لمصالح القوى الداخلية والخارجية الحاكمة في المشهد العراقي.
آخر
المصرحين بالتخوف من التزوير هو نائب رئيس الجمهورية العراقية، إياد علاوي، الذي
أكد في الثامن والعشرين من نيسان/ أبريل بأنهم "متخوفون من الأجهزة المسرّعة
للنتائج؛ لأن هناك بعض الشكوك التي تثير الريبة بعد التعاقد مع شركة إماراتية
مقرها في دبي، وهذه الشركة هي مَن تعاقدت مع الشركة الكورية في توريد هذه الأجهزة
إلى مفوضية الانتخابات.. لا نعلم لماذا لم تذهب مفوضية الانتخابات للتعاقد مع
كوريا بشكل مباشر، ولماذا لجأت إلى شركة إمارتية كوسيط بينها وبين الشركة
الكورية.. وما يزيد من مخاوفنا هو عدم إجابة مفوضية الانتخابات بشكل شاف على
تساؤلاتنا بشأن سبب عدم ذهابها إلى كوريا الجنوبية من دون وسيط، فضلا عن وجود
مشاكل في عمليات تدريب موظفي الاقتراع. مؤخرا تبيّن أنّ قسما من هذه الأجهزة معطلة
بعدما أجرت مفوضية الاقتراع في أول عملية اختبار لها".
قضية
التزوير تتعلق بأجهزة العد الإلكترونية، وهي قرابة 58 ألف جهاز في عموم العراق،
وهذه الأجهزة، كما كشف عضو مجلس النواب جاسم محمد جعفر قبل أربعة أيام، برز فيها
"خلل جديد ظهر أثناء احتساب النتائج خلال الأقمار الصناعية، وتأخير أثناء
إعلان نتائج التصويت التجريبي، وهذا يعتبر خللا كبيرا؛ على المفوضية معالجته
بالوقت السريع؛ لأنه سيؤثر بشكل كبير على العملية الانتخابية".
وعلى
النقيض من ذلك، أشار حسين العادلي، المتحدث باسم ائتلاف النصر بزعامة حيدر
العبادي، أنه "بحسب المعطيات المتوفرة لدينا، لا توجد مؤشرات بشأن تزوير
الانتخابات، وأن العبادي حريص على أن يكون حازما بالتعاطي مع مجريات العملية
الانتخابية؛ لأن مسؤولياته توجب عليه ضمان انتخابات نزيهة".
وسبق
للعبادي أن حذر يوم الثلاثاء الماضي من التلاعب بالعملية الانتخابية، وأنه سيتم
اتخاذ جميع الإجراءات الرادعة وأقصى العقوبات بحق من يتلاعب بالانتخابات.
وبعيدا
عن التخوفات والتطمينات حول إمكانية التزوير، فإن الأيام القليلة القادمة هي
الفيصل، وكل ما في الأمر أنه خلال عشرة أيام فقط، ستظهر حقيقة الديمقراطية
العراقية، وسيظهر للعيان زيف المزاعم التي تتحدث عن إظهار النتائج خلال ساعات من
التصويت؛ لأن التجارب الماضية أثبتت أن صناديق الاقتراع تدخل لمختبرات خاصة، وربما
هذه المرة المختبرات ستكون عبر الأقمار الصناعية، لتحسم النتائج المخبرية، وليتم
بعدها إعلان الأطراف المرضي عنها من القوى الفاعلة في المشهد العراقي، سواء من قوى
الداخل أم الخارج!
الانتخابات
لا يمكن أن تكون نزيهة إلا حينما تكون الإدارة نزيهة ونقية، وهذا في تصوري غير
موجود في غالبية القوى المسيطرة على اللعبة الانتخابية في العراق اليوم، ولهذا فإن
التزوير سيكون بنسب كبيرة لا يمكن تحديدها بسهولة!
الدول
لا تُبنى بالتزوير والخداع، وإنما بالصدق والوضوح والعلم والعمل!