منذ نحو شهرين، تتحدث الأوساط السياسية والعسكرية
الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية عن تقديرات ترجح قيام
إيران برد عسكري ضد هجوم 10 شباط/ فبراير الماضي.
وازدادت التقديرات بعيد الهجوم الإسرائيلي على مطار T4 في ريف حمص الشرقي في 9 نيسان/ إبريل الماضي، ثم هجمات 29 نيسان/ إبريل في حماة وحلب، ليصل الأمر إلى نشر وسائل الإعلام العبرية مؤخرا معلومات منقولة عن مصادر أمنية عسكرية إسرائيلية تفيد باستعداد إيران لإطلاق صواريخ من داخل الأراضي السورية.
من الواضح أن التصريحات هدفت إلى إيقاع إيران في الفخ الإسرائيلي، وجرها إلى القيام برد عسكري يسمح لإسرائيل بتوسيع مجال هجماتها العسكرية، ذلك أن الهجمات الإسرائيلية قبيل الرد العسكري الإيراني ستظل محدودة رغم شدتها في بعض الأحيان، لكن الأمر يختلف عقب الرد الإيراني.
الإيرانيون يدركون جيدا أن تغيير إسرائيل لقواعد الاشتباك من جهة ورفع منسوب التصريحات السياسية والعسكرية من جهة ثانية، استدراج لهم ومحاولة لإيقاعهم في الفخ.
إيران غير مضطرة إلى الرد، وخسارة ما أنجزته عسكريا وسياسيا في سورية، وهي مستعدة لتحمل ضربات إسرائيلية طالما أن مشروعها العابر للحدود يسير إلى الأمام ويتعزز في
سوريا.
ومع ذلك، فإن التقديرات الإسرائيلية كانت في محلها، فإيران لا يمكن أن تبقى صامتة على الضربات الإسرائيلية إلى ما لانهاية، لأن شرعيتها الأيديولوجية قائمة بالأساس على مبدأ مواجهة إسرائيل، خصوصا بعد انتقال الهجمات الإسرائيلية من مرحلة ضرب الحلفاء إلى مرحلة ضرب القوات الإيرانية مباشرة في سوريا.
والأهم من ذلك، أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي جاء في توقيت إقليمي حرج بالنسبة لإيران، وإذا لم تقم طهران بالرد الآن، فإن مكانتها الاستراتيجية ستبدو مخلخلة، وليس صدفة أن ينشر الاحتلال الإسرائيلي قوات له في الجولان المحتل، وتفعيل القبة الحديدية بعد ساعات من الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي.
الهجمات الإيرانية على الأراضي المحتلة ليس لها قيمة من الناحية العسكرية، على الرغم من محاولة وسائل إعلام "محور المقاومة والممانعة" الحديث عن أهداف عسكرية إسرائيلية مهمة، والسبب في ذلك هو أن إيران لا تمتلك مقومات الحرب على إسرائيل ولا مقومات توجيه ضربات قوية لها من داخل الأراضي السورية، ولذلك انطلقت الصواريخ الإيرانية من مواقع قريبة من الجولان، لأنها صواريخ غير متطورة ولا تشكل خطرا.
الرسالة الإيرانية هي رسالة سياسية في المقام الأول، وليست رسالة عسكرية، لكنها كانت ضرورية لطهران للقول إنها قادرة على توتير المنطقة بالكامل، وأنها تمتلك الأدوات اللازمة.
ومع ذلك، فإن الرد العسكري الإيراني كشف محدودية القدرات الإيرانية في سورية، وكشف أيضا أن صناع القرار في طهران لا يرغبون بالتصعيد، وهم مستعدون لتحمل الضربات الإسرائيلية لأسباب عدة، أهمها:
1ـ اختلال موازين القوى بين الطرفين لصالح إسرائيل، فالأمر لا يتعلق بعدد الصواريخ أو الطائرات، وإنما بالسيطرة على الفضاء عبر التكنولوجيا المتطورة.
2ـ طبيعة الإدارة الأمريكية الحالية التي تقف موقف العداء من إيران، ويمكن أن ترتكب حماقات لا يستطيع أحد التكهن بها إن وسعت إيران مستوى الرد.
3ـ الموقف الروسي المحرج لإيران، وقد شهدنا نوعين من المواقف الروسية، الأول حاد تجاه إسرائيل والولايات المتحدة حين يتم ضرب النظام السوري، والثاني رخو وفضفاض حين يكون الهجوم ضد القوات الإيرانية، وتصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في 10 نيسان/ إبريل الجاري كان واضحا "كل هذا مخيف جدا ويبعث على القلق.. يجب العمل على وقف تصعيد التوترات، ونسعى للحصول على إيضاحات بهذا الشأن".
4ـ عدم رغبة النظام السوري في افتعال حرب مع إسرائيل، ودفعها للانخراط في المشهد السوري، لا سيما أن الضربات العسكرية الموجعة التي يتلاقها النظام تأتي من البوابة الإسرائيلية لا من البوابة الأمريكية.
5ـ الواقع الاقتصادي المضطرب لإيران الذي لا يتحمل أعباء حرب واسعة ومفتوحة، ولذلك يجد أصحاب العمائم أنفسهم بين سندان المطالب الداخلية ومطرقة إكراهات وإحراجات الخارج.
أمام هذا الواقع، تبدو قواعد الاشتباك الجديدة التي فرضتها إسرائيل منذ 9 نيسان/ إبريل الماضي مستمرة، وهو واقع تتقبله جميع الأطراف بما فيها الروسية التي تخشى من انفلات الأمور وفقدانها القدرة على الإمساك بالتوازنات الصعبة القائمة.