هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
غابت مصر بشكل مفاجئ عن مشهدي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق مسيرات العودة في قطاع غزة، رسميا وشعبيا، وعلى المستويين السياسي والإنساني، واكتفت ببيانات التنديد المعتادة.
وفند سياسيون ومراقبون موقف مصر المتواضع من الحدثين الكبيرين الجليلين، واعتبروه خروجا كما يبدو من المشهد سياسيا وإنسانيا، بالتزامن مع غياب أي فعاليات شعبية أو حزبية وسياسية، حيث خلت مصر من أي وقفات أو مسيرات احتجاجية، أو حتى قوافل إنسانية أو مساعدات طبية، كما جرت العادة في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي السابقة على الفلسطينيين في قطاع غزة، وكأنه إيذانا بما هو أسوأ.
أقوال لا أفعال
يقول السياسي المصري، النائب السابق محمد محيي الدين، إن "مصر في الحالتين نددت بأقصى العبارات بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وبقتل جيش الاحتلال للشعب الفلسطيني في مسيرات العودة".
لكنه استدرك بالقول: "لكن الواقع أنها بيانات كتبت لتسجيل موقف... لا لأخذ موقف.. ومن ثم كانت هي رد فعل الدولة الوحيد ضد كل انتهاك...."
وكشف أن "الأمر يرتبط بثلاثة محاور... أولا، وضع مصر في الإقليم، وهو مرتبط بوضع القيادة السياسية داخل مصر. ثانيا، تولي دول أخرى أصغر حجما وسكانا وتاريخا دفة قيادة الإقليم، وإعادة تشكيله طبقا لمصالحها الذاتية. ثالثا، وجود ترامب بماله من شخصية انتهازية وقحة على رأس أكبر دولة في العالم".
لافتا إلى أن "كل هذه العوامل شكلت توجه الدولة المصرية الباهت، وكذا باقي العرب".
خواء رسمي وسياسي
بدورها، حذرت أستاذة العلوم السياسية، سارة العطيفي، من دلالات الموقف المصري الرسمي، واعتبرته إيذانا بانطلاق قطار صفقة القرن، قائلة: "لقد فقدت مصر مكانتها بعد الانقلاب العسكري الذي حدث بمساعدة إسرائيل وأمريكا، واستطيع أن أجزم أن ما فعله ترامب لم يفعله قبل حصوله على موافقة ملوك وحكام المنطقة بنقل السفارة واعترافه بالقدس العربية المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني المحتل، وهي بداية ما يعرف بصفقة القرن".
وأضافت لـ"عربي21": أن "غياب مصر في هذه الحقبة من السقوط العربي والإسلامي نتيجة سقوط مصر في براثن الصهيونية الأمريكية"، متسائلة: "ألم يعلن قائد الانقلاب في الأمم المتحدة أنه جاء لحماية الكيان الصهيوني، وأمن المواطن الإسرائيلي، فماذا ننتظر من سلطة عسكرية مغتصبة تقتل شبابها وتعتقل نسائها؟"، معقبة بأن "فاقد الشيء لا يعطيه".
وعرجت إلى احتفال السفارة الإسرائيلية بالقاهرة بما يسمى "عيد الاستقلال"، قائلة: "عندما يحتفل العدو المحتل الصهيوني بذكرى احتلاله فلسطين في قلب القاهرة، فهذه رسالة بأن مصر أصبحت جزءا أساسي من صفقة القرن ".
وفيما يتعلق بمواقف القوى السياسية في مصر، قالت: "كنّا ننتظر من متشدقي القومية والناصرية عمل شيء ما، ولكن ظهروا على حقيقتهم بأنهم أبواق خاوية. أما الشعب والجامعات، فلا حول ولا قوة لهم تحت آلة القمع، الرسالة واضحة لنا جميعا، فإن لم نثر ونحرر القاهرة فسوف تحتل مدن أخرى الواحدة تلو الأخرى".
الموات السياسي المصري
الأكاديمي المصري، محمد الزواوي، فسر الموقف المصري بأنه "إحدى تجليات الموات السياسي الذي تشهده مصر، التي تراجع الحراك السياسي فيها بعد انقلاب الثالث من يوليو؛ حيث ساد التفزيع، وأعاد النظام بناء جمهورية الخوف مرة ثانية، كما نجح في إشغال المواطن بلقمة العيش في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات".
وأضاف لـ"عربي21": "ومن ناحية أخرى، فإن قرار نقل السفارة الأمريكية هو قرار رمزي، بالرغم من خطورته وخبث توقيته ودلالاته الدينية، إلا أن نقل سفارة لن يغير من الوضع الأمريكي كثيرا، حيث إن قرارات الفيتو التي تتخذها ضد القضية الفلسطينية منذ عشرات السنوات هي أخطر بكثير".
مشيرا إلى أن "إدارة ترامب الجمهورية فيما يبدو عازمة على مساندة إسرائيل بتلك الصورة الفجة، كما أنه تخطط كذلك إلى إعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط وفقا لمصالح إسرائيل، كما أن الأسوأ هو المواقف العربية المساندة لإسرائيل، والتي لم تعد تتم في السر بعد الآن".