هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في كانون ثاني/ يناير الماضي، تطمينات أمريكية بالحفاظ على دور المملكة في الوصاية على المقدسات في القدس، عندما تعهد نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس في زيارته لعمان، بأن الولايات المتحدة "ملتزمة باحترام هذه الوصاية".
إلا أن تصريحات جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي قال فيها إن "إسرائيل هي صاحبة الوصاية على القدس وما فيها"، خلطت الأوراق الأردنية من جديد، وأثارت تساؤلات حول مصير الوصاية الهاشمية بعد الدعم الأمريكي، لإسرائيل، ورعايتها لاحتفال افتتاح سفارتها في القدس.
رد رسمي سريع
تصريحات تردد صداها سريعا في أروقة الحكومة الأردنية، التي سارعت، الاثنين، للتنديد بها، معتبرة ما جاء به كوشنر "مخالفة للقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، التي تؤكد أن القدس الشرقية أرض محتلة". كما جاء على لسان الناطق باسم الحكومة محمد المومني.
اقرأ أيضا: نائب في "الكنيست": المحتفلون بالسفارة ستغرقهم العاصفة
وقال المومني إن "هذه التصريحات تتنافى مع الموقف الرسمي الأمريكي الذي عبر عنه نائب الرئيس، ووزير الخارجية في زيارات سابقة لهما إلى المملكة".
وتتمسك المملكة بالدفاع عن حقها في الوصاية على المقدسات، انطلاقا من ركائز وشرعية دينية للهاشميين، عندما بويع الشريف حسين مطلق الثورة العربية الكبرى وصيا على القدس في عام 1924، لتبقى المملكة تصارع دولا إقليمية وعربية للحفاظ على هذا الحق وتثبته في اتفاقية وادي عربة 1994.
تقارب إسرائيلي-سعودي
الكاتب المقدسي، خليل العسلي، رأى في حديث لـ"عربي21" أن "تصريحات كوشنر بخصوص الوصاية على القدس، ليست ارتجالا إنما هي خطاب متفق عليه"، داعيا الحكومة الأردنية لضرورة التحرك سريعا "كي لا نستيقظ ذات صباح لنجد أن الأوقاف اختفت، وأصبحت جزءا من وزارة الداخلية الإسرائيلية".
على أرض الواقع، يقول العسلي، إن "إسرائيل هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الأقصى، بعد أن تمادت لأن الأردن لم يحرك ساكنا ما جعل إسرائيل تتوسع في سيطرتها الفعلية، إذ لم يبق إلا أن يعلن الاحتلال عن إخراج الأردن من الأقصى، ولهذا فالمملكة بحاجة إلى ورقة سياسية".
ويرى العسلي في "تركيا مخرجا، وأنها من الممكن أن تلعب دورا إيجابيا لصالح الأردن في الأقصى، خصوصا بعد بالتقارب السعودي الإسرائيلي، والدعوات الإسرائيلية لإيجاد دور سعودي كبديل عن الدور الأردني في الوصاية على المقدسات".
أردوغان يهاتف ملك الأردن
وشهدت العلاقات الأردنية التركية تحسنا في الأشهر الماضية، بعد وقوف تركيا إلى جانب المملكة في التصدّي لقرار ترامب، بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بإسرائيل عاصمة لها.
وتلقى الملك عبد الله الثاني، الثلاثاء، اتصالا هاتفيا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تم خلاله بحث التطورات التي تشهدها الساحة الفلسطينية على إثر نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وأكد الملك والرئيس التركي، خلال الاتصال، ضرورة تكثيف الجهود العربية والإسلامية لحماية حقوق الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، ووقف الاعتداءات والعنف الذي تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وجرى التأكيد على أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس سيكون له انعكاسات على جهود تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
الوزير والدبلوماسي الأردني الأسبق محمد داودية، طالب الإدارة السياسية في الأردن، باتخاذ موقف مشابه للموقف التركي، والطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة البلاد، احتجاجا على نقل السفارة، واصفا تصريحات كوشنر، بـ"الغريبة".
وأضاف داودية، لـ"عربي21" أن "التصريحات تخالف القانون الدولي الذي يعتبر القدس مدينة محتلة، فلا تملك الولايات المتحدة أو سلطات الاحتلال حق التصرف بها، هذه تصريحات مسؤول يهودي وليس أمريكيا، وهي عبث في الأمن الديني للناس، ونقل الوصاية من الحقبة الإسلامية التي بدأت منذ العهدة العمرية، ومحاولة إدخالها بالعهدة اليهودية، وهذا أمر لا يجوز السكوت عنه، وأعتقد أن الولايات المتحدة ستتراجع عن هذه تصريحات".
مطالب بطرد السفير
وارتفعت أصوات أردنية، تطالب الحكومة الأردنية، بموقف أكثر حزما، تجاه ما يجري في القدس وغزة، وطالب ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بطرد السفير الإسرائيلي في عمان، واستدعاء القائم بأعمال السفير الأمريكي، احتجاجا على تصريحات كوشنر.
ودعا مقرر لجنة فلسطين النيابية، النائب أحمد الرقب، الحكومة الأردنية، إلى "تصعيد الموقف الرسمي من خلال طرد السفير الإسرائيلي، أسوة بدول غير عربية، إضافة إلى استدعاء القائم بأعمال السفير الأمريكي في عمان".
وقال الرقب، لـ"عربي21"، إن تصريحات كوشنر لا قيمة لها أمام الواقع التاريخي والديني والقانوني المتجذر للأردن في فلسطين، ولا يستطيع أحد تغيير هذا الواقع، إذ تأتي هذه التصريحات للاستهلاك وإرضاء اليمين الصهيوني في أمريكا.
اقرأ أيضا: مشعل: المواقف العربية لا زالت أقل مما ينبغي تجاه غزة والقدس
ودعا إلى إيجاد "حالة من التناغم بين الموقف الشعبي الأردني، والموقف الرسمي وتصدر المسؤولين الأردنيين الفعاليات الشعبية وتشكيل غرفة عمليات رسمية، لتشكل ورقة ضاغطة، على الكيان الصهيوأمريكي في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس".
ويتمتع الأردن بالوصاية على المقدسات بموجب اتفاقيات وتفاهمات مع "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، على رأسها اتفاقية وادي عربة، والاتفاقية الموقعة بين الملك عبد الله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالإضافة لإعلان واشنطن الذي أكد على هذا الحق.
ويؤكد ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، خصوصا قرار مجلس الأمن 478، جميعها أنّ القدس الشرقية أرض محتلة وأنّ قضية القدس من قضايا الوضع النهائي، يجب أن يحسَمَ مصيرها عبر التفاوض المباشر على أساس قرارات الشرعية الدولية.