هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يرى مراقبون بعد مراجعة سريعة لأهم ما نفذته المقاومة الفلسطينية من هجمات مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، جنوده ومستوطنيه، أنهم نفذوها تحت ظروف قاسية، وأدركوا مسبقا إمكانيات وقدرات المحتل، لكن استعداداتهم لاقتحام الصعوبات ومواجهة الجيش الإسرائيلي كانت كبيرة، ما يدل على الحالة المعنوية المرتفعة التي تمتعوا بها.
ودفعت هذه الميزة عددا من الخبراء العسكريين والمسؤولين الإسرائيليين للاعتراف بهذه الميزة، ومن هؤلاء "ران أدلست" الذي قال: "إن المسلحين الفلسطينيين ليس لديهم طائرات هليوكبتر، ولا دبابات، ولا سلطة لتطوير السلاح، كما عندنا، ولكن يوجد عندهم قدرة تحمل، واستيعاب الضربات، ووقت، كما ليس عندنا"!
ولعل ما عبر عنه الوزير السابق "داني نافيه" يشير إلى حقيقة الروح القتالية لدى المقاومين، حين قال "إن الفلسطينيين الذين يملكون إمكانيات بسيطة يرفعون رؤوسهم مفاخرين بما حققوا، بينما تطأطئ دولة بأكملها الرأس خجلا".
أما أكثر ما لفت نظر قادة الجيش والمعلقين، فهو ما وصفوه بـ"الجرأة الأسطورية" للمقاومين، كما أسماها الجنرال "بنيامين شلومي"، القائد السابق لقوات الجيش في غزة، ودفعت أحد قادة لواء "جفعاتي" للقول إنه "كان بإمكان الفلسطينيين أن يتركونا ننسحب متذرعين بتفوقنا التقني الهائل عليهم، لكنهم تحدونا، وتجاهلوا مظاهر تفوقنا، إن مقاوميهم لا يهابون أي شيء".
فيما حذر قائد المنطقة الجنوبية الجنرال" دان هريئيل" الساسة الإسرائيليين الذين حاولوا نهش لحمه وتحميله مسؤولية الفشل الكبير في غزة، بقوله: "عليكم أن تكونوا واقعيين في انتقاداتكم، المشكلة التي تواجهنا أن كل ما نقوم به من إجراءات لردع المسلحين الفلسطينيين لا تؤثر فيهم، إنهم يحتملون سقوط الضحايا، ويتعالون على آلامهم، وكأن شيئا لم يكن"!
ورفض الصحفي المتخصص بالشؤون العربية "روني شكيد" ما وصفها "حالة الاستهتار من قبل بعض الإسرائيليين بقلة السلاح بأيدي الفلسطينيين، لأن خلف هذا السلاح القليل يوجد الكثير من الإرادة والجاهزية التي تتغذى مما وصفه بالكراهية والرغبة بالانتقام".
وتابع قائلا: يريد الفلسطينيون خلال حرب الاستنزاف هذه خلق ميزان رعب، هم يريدون تحقيق "ميزان دم"، لكي يقتلوا أكبر قدر من الإسرائيليين، ويقلصوا الفجوة بين عدد القتلى الإسرائيليين والفلسطينيين".
وللدلالة على روح التضحية والمثابرة على مواصلة خيار المقاومة، قال الجنرال احتياط يوحنان تسوريف: "هاكم على سبيل المثال حركة حماس، فلو تتبعنا تصريحات وتطمينات قادة جيشنا، فإن هذه الحركة من المفترض أن تكون قد غابت عن الوجود؛ لأن الجيش لم يترك أي عنصر من حماس إلا واعتقله، ومن استطاع أن يغتاله لم يقصر في ذلك، لكننا نفاجأ بأن حماس فاجأت الجميع بقدراتها على مواصلة طريقها بشكل يثير الإعجاب!
لكن التعليق الأكثر غرابة جاء على لسان المعلق السياسي "عوزي بنزيمان"، حين قال إنه "حين توجه موشيه ديان وزير الحرب الأسبق إلى أدغال فيتنام كمراسل صحفي أجنبي للاطلاع على مجريات الحرب عن كثب، عاد من هناك متوقعا خسارة الولايات المتحدة في الحرب، واستنتج ذلك عندما شاهد روح التضحية لدي الفيتناميين، وإصرارهم الميداني الذي استطاع مواجهة التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتطورة بوسائل بسيطة!
ومن أروع صور السرية التي تمتعت بها المقاومة، إجراءات التخفي والتمويه التي يقوم بها رموز المقاومة المطلوبون لسلطات الاحتلال وأجهزته الأمنية، ومنهم من مضى على مطاردته أكثر من عشرين عاما داخل قطاع غزة، الذي لا يتجاوز طوله 40 كم، لكنهم أتقنوا فنون التمويه والسرية لدرجة أربكوا فيها إسرائيل وعملاءها، فتارة تراهم على شكل رجل طاعن في السن يتكئ على عكازه، وتارة على شكل فلاح، وأخرى على شكل مهندس أو طبيب أو موظف!
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن العديد من عمليات المقاومة تستغرق الإعداد لها أسابيع وشهورا، ما يشير إلى الفشل الاستخباري، وإن الحديث يدور بين ضباط الجيش الميدانيين حول التخطيط الجيد للعمليات ذات المستوى العالي، ما يدل على حجم السرية وعمليات التمويه واستخدام الوسائل المتعددة لاختراق الدوائر والخطوط الدفاعية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي حول المستوطنات ومواقعه العسكرية المحصنة.
وفيما سعت المقاومة لتوسيع قاعدة المشاركة في عملياتها من خلال القائمة الطويلة من العمليات المشتركة بين مختلف قوى المقاومة وأجنحتها العسكرية، فإن المصادر العسكرية الإسرائيلية أعلنت في العديد من العمليات المشتركة أن إشراك بعض من الأجنحة العسكرية في عمليات كبيرة ونوعية، تأتي لرغبة القوى الرئيسة، خاصة حماس، لجعل مقاومة المحتل ثقافة يومية شعبية لدى جميع الفلسطينيين.
وأظهرت الأجهزة الأمنية اهتماما كبيرا بظاهرة العمليات الفدائية المشتركة التي تقوم بها حركات المقاومة ضد الأهداف الإسرائيلية، حيث يشارك المقاومون من أكثر من فصيل في تنفيذ عملية واحدة.
وأفاد تقرير صادر عن الشاباك بأن ظاهرة التعاون وتنسيق النشاطات العسكرية وصلت مستويات قياسية في أوج الانتفاضة، حيث نما هذا التنسيق والتعاون في الضفة الغربية على أساس العلاقات الشخصية المحلية بين نشطاء المنظمات المختلفة. أما في قطاع غزة، فقد نشأ هذا التنسيق نتيجة العلاقات على المستوى التنفيذي القيادي، وقادة التنظيمات من جانبهم نسقوا مواقفهم نتيجة للواقع الذي فرضه الناشطون على الأرض؛ من خلال إدراكهم أن العمليات المشتركة تؤدي إلى مضاعفة القوة التنفيذية، وتعبر عن وحدة الصفوف ضد إسرائيل.
وأجمع عدد من الجنرالات والباحثين على أن العمليات المشتركة تعكس التفاف الجمهور الفلسطيني خلف خيار المقاومة، وحسب الجنرال "عوزي أراد"، مدير قسم الأبحاث في جهاز الموساد سابقا، فإن "ظاهرة العمليات المشتركة تثبت أيضا فشلا استخباريا كبيرا، إذ إن هناك افتراضا يقول إنه كلما توسعت دائرة العمل المقاوم، سهل ذلك على المخابرات تتبعها وإحباطها، وإنه لأمر يثير الاستغراب أن تنجح عدة فصائل مقاومة على تنفيذ عمليات مشتركة ولا تنجح المخابرات حتى في توقع حدوثها، فضلا عن إحباطها".
فيما اعتبر المستشرق "يهوشاع روزين" أن "ظاهرة العمليات المشتركة تأكيد لنجاح الخط الأيديولوجي لحماس، ولا يساوره شك أن الحركة دفعت نحو تنفيذ هذا النوع من العمليات المشتركة، ونجاحها في ذلك يجب أن يشعل الأضواء الحمراء في دوائر صنع القرار في إسرائيل، ويمثل نقطة تحول في التقييمات الإسرائيلية المتسرعة حول ما حققته في مواجهة الانتفاضة.
ولعل ذلك ما دفع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أهارون زئيفي فركش" للقول إن "حماس خلقت جوا تنافسيا بين القوى المسلحة، يقوم على مدى مساهمتها في العمليات".
فيما أعلن جهاز الشاباك أن "حماس تقوم بتوزيع الأدوار في العمليات المشتركة، بحيث تتخصص في التخطيط للعمليات وتزويد الوسائل القتالية، فيما تتركز أدوار التنظيمات الأخرى في الإمداد بالعناصر المنفذة".