لا تتوفر معلومات
وتفاصيل حول طبيعة تكوينها والدراسة التي تلقتها، وتكاد تكون لغزا من ألغاز وكالة
المخابرات المركزية (سي آي إيه).
يكاد مصطلح
"أيقونة التعذيب" أن يكون الأكثر تداولا حول سيرتها الذاتية منذ أن أعلن
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيينها في منصب مدير "سي آي إيه" بعد 30
عاما من عملها كضابطة في الاستخبارات، ومن ثم منحها ثقة "الكونغرس" قبل أيام.
لم تعرف الحياة
العلنية في حياتها فقد انضمت إلى "سي آي إيه" عام 1985 وأمضت معظم
حياتها المهنية بعيدة عن الأضواء، ما جعل من الصعب الحصول على صورة لها حتى عندما
تولت منصب نائب مدير "سي آي إيه" العام الماضي.
ارتبط اسم جينا تشيري
هاسبل، المولودة في عام 1956، بالسجون
السرية التي أدارتها "سي آي إيه" في مختلف أنحاء العالم، وتعرض فيها
المعتقلون لعمليات تعذيب، وأطلق على هذه السجون السرية اسم "الحفر السوداء".
وحين التحقت هاسبل
بـ"سي آي إيه" غادرت في بادئ الأمر إلى أفريقيا بصفة ضابط عمليات مكلفة
بتجنيد عملاء وتولي إدارتهم، وقالت عن ذلك المنصب إنه "خارج مباشرة من روايات
التجسس، لم يكن من الممكن أن أحلم بأفضل من ذلك".
وأكدت هاسبل أنها
"برعت في الحصول على معلومات سرية يتم تسلمها باليد في مخابئ أو خلال لقاءات
في شوارع مظلمة في عواصم بلدان من العالم الثالث".
وبعدما تعلمت الروسية
والتركية، عينت في روسيا ثم في أوروبا الشرقية في التسعينيات، قبل أن تصبح رئيسة
مركز في أذربيجان.
قادت عملية مطاردة
مقاتلين يشتبه بأنهما "جهاديان" والقبض عليهما. وإن بقيت هذه العملية طي
السرية، إلا أن فترتها تطابق وقوع الهجومين على السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا
وكينيا عام 1998.
أشرفت هاسبل في
عام 2002 على سجن سري في تايلاند جرت فيه
عمليات استجواب عنيفة لعبد الرحمن النشيري و"أبي زبيدة" الذي ووصف
أمريكيّا بأنه الرجل الثالث في تنظيم "القاعدة" وقت اعتقاله عام 2002 على
خلفية هجمات 11 سبتمبر 2001.
"أبو زبيدة" عذب بشكل وحشي للغاية على
نحو متكرر أثناء استجوابه، لدرجة أنه في مرحلة معينة ظن المستجوبون أنه لفظ أنفاسه
الأخيرة، بحسب صحيفة "نيويوركر" الأمريكية.
وقالت الصحيفة إن
عملاء "سي آي إيه" قاموا باستخدام أسلوب "الإيهام بالغرق" ضد "أبي زبيدة" 83 مرة، وهو أسلوب تعذيب يحاكي عملية الغرق الحقيقية، وقاموا بإلقائه
على جدران الزنزانة المحتجز فيها عدة مرات.
وأجبر "أبو
زبيدة"، وهو مكبل اليدين والرجلين، على الجلوس في غرفة مضاءة ومطلية جدرانها
باللون الأبيض، وتم إطلاق موسيقى الروك داخل الغرفة بشكل عالي.
جلس"أبو
زبيدة" في السجن الانفرادي لعدة أسابيع داخل هذه الغرفة، وتعرض خلال هذه
المدة عدة مرات للضرب، وتم وضعه داخل صناديق مغلقة كالتوابيت.
وبعد مسلسل التعذيب
الطويل، أقرت وزارة العدل الأمريكية في عام 2009 بأن الرجل لم يكن له "أي دور
مباشر أو معرفة مسبقة" بالهجمات التي اعتقل على خلفيتها، ولم توجه له أي تهمة
رسميا.
وكان الرئيس الأمريكي
السابق باراك أوباما أوقف برنامج التعذيب المثير للجدل. ولا تزال تحقيقات المدعي
العام الاتحادي الألماني حول ضلوع هاسبل
في تعذيب معتقلين في سجن سري في تايلاند، مستمرة حتى الآن.
وكانت "سي آي
إيه" تقوم بتصوير تلك الممارسات، واحتفظت بـ92 شريط فيديو لتلك الوقائع حتى
عام 2005.
ولاحقا ورد اسم هاسبل،
في برقية أصدرتها "سي آي إيه"، وطلبت فيها إتلاف التسجيلات المصورة
لعمليات الاستجواب التي جرت في تايلاند.
ويتهمها البعض بالمسؤولية
عن إدارة برنامج الاستجواب المكثف للمتهمين بـ"الارهاب" وهو ما يرقى إلى
درجة التعذيب حسب تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وفي عام 2013، عين
مدير "سي آي إيه" في ذلك الوقت، هاسبل، في منصب القائمة بأعمال مدير
الخدمة السرية الوطنية، التي تنفذ عمليات سرية حول العالم، لكن تم تجريدها من ذلك
المنصب؛ بسبب ضلوعها في برنامج "الترحيل والاحتجاز والاستجواب" المثير
للجدل.
وكانت هذه الممارسات
موضوع تقرير من ستة آلاف صفحة، قدمه أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي، اتهموا فيه
"سي آي إيه" باستخدام أساليب تعذيب بشعة.
وأبرز تقرير
"الكونغرس" بشأن التعذيب الذي نشر في كانون الأول/ ديسمبر عام 2014 أن الأساليب التي انتهجتها "سي آي إيه" كانت أكثر قسوة ولم تسمح بها وزارة العدل أو مديرو الوكالة.
من المؤكد أن هاسبل
قضت معظم حياتها المهنية السرية ولعبت دورا مباشرا في "برنامج التسليم
الاستثنائي" الذي وضعته "سي آي إيه"، والذي تم بموجبه تسليم
المسلحين الأسرى إلى الحكومات الأجنبية واحتجازهم في مرافق سرية، حيث تم تعذيبهم
من قبل موظفي "سي آي إيه".
بقيت هاسبل تثير
الغبار حولها، غير أنها في الوقت نفسه كانت تقابل بالمديح من قبل الإدارة الأمريكية،
كما أنها حظيت بـ"احترام كبير" داخل "سي آي إيه" وأشاد بها العديد
من زملائها في الاستخبارات.
وحسب الموقع الرسمي
لوكالة "سي آي إيه"، فإن سجل "ضابطة الاستخبارات المخضرمة يحفل بالميداليات والجوائز، منها جائزة الرئيس جورج بوش الأب للامتياز في مكافحة الإرهاب
وميدالية الاستحقاق لاستخباراتية".
وكان جيمس كلابر، المدير السابق للمخابرات الوطنية في عهد الرئيس باراك
أوباما، قد قال في عام 2017 إنه "مسرور للغاية" من اختيار جينا هاسبل
لتكون نائبة له، وإنها "تحظى باحترام واسع من قبل القوى العاملة".
ووصفها مدير "سي آي إيه" السابق مايكل هايدن بأنها كانت خيارا
"رائعا" للمنصب وأثنى على "كرامتها ومهنيتها".
الرئيس الأسبق لوكالة
الاستخبارات المركزية "سي آي إيه"، مايكل هايدن، يدافع عن جينا هاسبل بقوله: "نعم لا بد لمجلس النواب من
التدقيق، نحن جميعا لدينا تاريخ، وعندما تكون أمام مجلس النواب للمواجهة فإنهم
يريدون معرفة أمور عن تاريخك، وتاريخ جينا سيكشف أنها قامت بعملها ولم تتطوع من
تلقاء نفسها للمشاركة بذلك والقيام به، وأنها قامت بذلك من دافع المسؤولية الملقاة
على عاتقها ووجهت للقيام بذلك وأخبرت من قبل وزارة العدل حينها بأن ما تقوم به متوافق
مع القانون".
وأشاد مدير"سي آي إيه" السابق بهاسبل في بيان قال فيه
إن "جينا ضابطة مخابرات مثالية ووطنية كرست نفسها (لخدمة الولايات المتحدة)
وفي رصيدها ثلاثون عاما من الخبرة، إنها قائدة جديرة لديها قدرة رائعة على إنجاز
المهمات وإلهام الآخرين من حولها".
في المقابل فإن ثمة
أصوات تنظر بعين الشك والريبة حول قدرة هاسبل في منصبها الجديد.
السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين علق في تغريدة على "تويتر"
قائلا: "إن تعذيب محتجزين بعهدة الولايات المتحدة خلال العقد الماضي كان
يعتبر أكثر المراحل ظلمة بالتاريخ الأمريكي، وعلى مجلس النواب التدقيق في سجلات
انخراط جينا هاسبل في هذا البرنامج المشين".
وفي العام الماضي، دعا العديد من أعضاء لجنة
الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي ترامب إلى إعادة النظر في تعيين هاسبل نائبة
لمدير الوكالة.
ووفقا لصحيفة
"واشنطن بوست"، فإن الإعلان عن تعيين هاسبل مديرة لـ"سي آي إيه"
لاقى معارضة على الفور من جانب عدد من المشرعين الأمريكيين وجماعات حقوقية؛ بسبب
دورها البارز في ممارسات التعذيب المنسوبة للوكالة.
وتحدثت "واشنطن
بوست" أيضا عن تورط هاسبل في إتلاف الشرطة فيديوات سجلت فيها جلسات مع عدد من
المعتقلين في تايلاند استخدمت فيها أساليب تعذيب بشعة، وكان محامو المشتبه
بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة ينوون استخدامها أدلة في المحاكم.
وانتقدت تقارير صحفية
"سي آي إيه" لأنها لم تحاسب موظفيها المسؤولين عن انتهاكات خطيرة ومهمة،
وتجاهلت انتقادات عدة داخلية واعتراضات بخصوص تطبيق وإدارة برنامجها للاعتقال
والاستجواب.
ورغم هذا المسار
الملطخ بانتهاكات حقوق الإنسان، عين ترامب في شباط/ فبراير العام الماضي هاسبل
نائبة لمدير وكالة الاستخبارات المركزية وسط مخاوف من عودة استخدام ممارسات
"الوكالة" القاسية.
ليعود ترامب بعد فترة
قصيرة ويعين هاسبل في منصب مدير "سي
آي إيه" خلفا لمايك بامبيو الذي عين
وزيرا للخارجية بدلا من ريكس تيلرسون .
وتصاعدت تخوفات من
عودة أجهزة الاستخبارات الأمريكية في عهد ترامب إلى الأساليب القاسية والمخالفة
أحيانا للقانون من الاعتقالات السرية والتعذيب، وعبر أعضاء في مجلس الشيوخ
الأمريكي في رسالة لترامب عن قلقهم من تعيين هاسبل بسبب "ماضيها المهني".
ويقول ويلز ديكسون،
العضو في "مركز الحقوق الدستورية"، إن مكان هاسبل الطبيعي هو
"السجن وليس إدارة الاستخبارات المركزية بسبب الخزي الذى ألحقته بدولتنا خلال
مسيرتها المهنية الحافلة بالمشاركة في برنامج التعذيب وطمس الأدلة التي تدين المتورطين في التعذيب".
لكن على ما يبدو فإن
كل الكلام السيئ الذي قيل عنها لم يكن له تأثير حاسم بعد أن منحها مجلس الشيوخ الأمريكي، الثقة لتولي إدارة وكالة الاستخبارات المركزية، لتكون أول سيدة تتولى المنصب في تاريخ
البلاد بواقع 54 صوتا في مجلس الشيوخ،
مقابل رفض 45 آخرين.
وعلى الرغم من موجة
الاعتراضات والشكوك والانتقادات فقد أدت هاسبل اليمين الدستورية قائلة:
"سأقوم بكل ما بوسعي لأكون في حجم ثقة الرئيس ترامب والشعب الأمريكي".
وكان ترامب أثنى على
مرشحته لقيادة الوكالة، وقال إنها "الأكفأ لقيادة سي آي إيه في الولايات
المتحدة.. لقد كانت قاسية على الإرهابيين، ونحن نعرفها".
وسيكون تعهد هاسبل،
خلال جلسة مجلس الشيوخ، بعدم العمل في أي
برنامج للتعذيب تحت أي ظرف، وعدا غير ملزم في ظل رئيس يتقن فتح الجبهات وصنع
العداوات، ولا يمانع في "القسوة مع الإرهابيين".