هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للصحافي روبرت فيسك، يقول فيه إن هناك أوجه شبه مؤلمة بين القانون الإسرائيلي لأملاك الغائبين عام 1950، الذي سيطرت فيه إسرائيل على أملاك الفلسطينيين، الذين شردتهم عامي 1947- 1948، وبين قانون الإسكان الذي أعلنت عنه حكومة بشار الأسد، مشيرا إلى أنه محاولة خفية لتشريد عشرات الآلاف من السوريين، لكنه لن يساعده على الانتصار في الحرب.
ويبدأ فيسك مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول: "عندما تنتهي الحروب يعيد المنتصرون رسم الخرائط، وهذا فعلته بريطانيا وفرنسا للدولة العثمانية نهاية الحرب العالمية الأولى، وهو ما فعله هتلر في شرق أوروبا عندما اعتقد أنه ينتصر، وهو ما فعلته دول الحلفاء في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك فعل الإسرائيليون أثناء نكبة الفلسطينيين، وما فعله صدام عندما غزا الكويت، والآن بانحراف دقيق في سوريا، وقبل أن يربح الأسد سوريا كلها، فإنه يقوم بإعادة رسم المناطق الواقعة تحت سيطرته، ليس الحدود الوطنية، بل المدن".
ويقول الكاتب إن "قانون 10 يبدو كأنه عملية تهجير سكاني للمناطق التي انتفضت ضد الحكومة بعد عام 2011، وحتى داخل حدود المدن يقول الكثير من السوريين إنه سيتم تجريد عشرات الآلاف من بيوتهم، خاصة في المدن الكبرى التي دكت دكا، وتم تحويلها إلى صورة مصغرة عن ستالينغراد أو درسدن؛ بسبب سنوات القتال، ولن ينتفع من القانون إلا النظام الذي أصدره، خاصة أن الممتلكات التي لن يتقدم أحد بإثبات الملكية لها ستحول إلى ملكية الدولة".
ويتساءل فيسك عما إذا كانت هذه هي الطريقة لتحقيق "المصالحة" التي يتحدث الروس، وحتى الدولة وداعموها، عنها، ويذكر بما قاله بشار الأسد العام الماضي: "صحيح أن سوريا خسرت شبابها وبنيتها التحتية.. لكنها حصلت على مجتمع صحي ومتجانس".
ويتساءل الكاتب: "فهل هذا ما يريد قانون 10 تحقيقه؟ لأنه يقوم عمليا بحرمان كل شخص عارض النظام، أو فكر في معارضته، أو كان قريبا من الذين عارضوه، من استعادة ممتلكاتهم، فالنظام لعمل هذا وآلية تطبيق القانون يحملان لمسة شريرة".
ويشرح فيسك الطريقة التي يعمل فيها القانون الجديد: "فالمناطق المدمرة في سوريا سيتم الاعتراف بأنها مناطق لإعادة التطوير والإعمار، وحتى تثبت ملكيتك للعقار المدمر أو المصاب بأضرار فإن عليك المثول شخصيا بإثباتات الملكية، وخلال 30 يوما، وبالتأكيد فلا أحد من الذين يعيشون خارج البلد وعارضوا الحكومة يمكنهم الحضور، ولا أحد من عشرات الآلاف ممن يعيشون خارج مناطق النظام وهربوا من الخدمة العسكرية ويواجهون أوامر بالاعتقال".
ويقول الكاتب: "عندما طرحت الموضوع مع مسؤول بارز في غرفة التجارة السورية، أجاب: (لا مشكلة)، فيمكن لأصحاب الأملاك تفويض قريب أو محام لإثبات ملكيتهم، وهذا صحيح، فيمكن للقريب الرابع أو الخامس التقدم بإثبات الملكية، إلا أن التفويض بالوكالة يحتاج إلى إذن أمني، الذي لن يمنح لو كان الأقارب يمثلون أشخاصا على قائمة المطلوبين للدولة، وهذا كله قبل أن نواجه يأس ملايين السوريين الذين حرقت أوراق ملكيتهم في بيوتهم أو مؤسسات الحكومة أثناء القتال، فإن لم تكن معك أوراق فكيف ستثبت ملكيتك للأرض؟".
ويشير فيسك إلى أن "لبنان، الذي يدعم الكثير فيه النظام السوري، ومنهم الرئيس، انتقدوا قانون 10؛ لأن لدى لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري فروا مثل الفلسطينيين في عامي 1947 و1948، وربما لن يعودوا أبدا".
وتنقل الصحيفة عن وزير الصحة اللبناني ونائب رئيس الوزراء غسان حاصباني، قوله لقناة تلفزيونية سعودية إن الكثير من السوريين في لبنان فقدوا أوراقهم الثبوتية، وتم منع بعضهم من العودة إلى بلادهم؛ بسبب الخوف على حياتهم أو محاكمتهم، فيما تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن 11 مليون نسمة شردوا داخليا وفي الدول المضيفة أثناء الحرب.
ويورد الكاتب نقلا عن المجلس النرويجي للاجئين، قوله إن نسبة 70% من اللاجئين تنقصهم وثائق الهوية الأساسية، مشيرا إلى أن هناك موازنة مؤلمة هنا مع مأساة الفلسطنيين وعائلاتهم، الذين حرمتهم إسرائيل من العودة إلى بيوتهم؛ بسبب قانون أملاك الغائبين عام 1950، الذي يمنع بشكل عملي وفعلي أي فلسطيني من العودة إلى أرضه أو مزرعته، التي فر أو طرد منها بعد 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947.
ويلفت فيسك إلى أن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل لم يتلق ردا على رسالته من نظيره السوري وليد المعلم، وإلى الأمين العام للأمم المتحدة، التي عبر فيها عن قلقه، وكتب فيها: "إن عدم قدرة النازحين على إثبات ملكيتهم في الفترة المحددة قد يؤدي إلى خسارتهمم ممتلكاتهم، والشعور بفقدان الإحساس بالهوية الوطنية، ما يحرمهم من أهم حوافز العودة إلى سوريا".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا لا يعني أن لبنان يريد الدفاع عن اللاجئين السوريين، بقدر ما يريد منهم مغادرة أراضيه، ويعد المسؤولون اللبنانيون قانون 10 بمثابة تثبيط لعزيمتهم؛ لأنه قد يجردهم من بيوتهم التي سيعودون إليها".
ويقول فيسك: "بالنسبة لحاصباني فإن الاعتراض واضح على تنفيذ القانون والإطار الزمني 30 يوما ليتقدم السوري بالأوراق الثبوتية، أما بالنسبة لمعارضي الأسد فإن الأمر بسيط، حيث يقوم النظام بتجريد معارضيه السنة من ممتلكاتهم بهدف إعادة بنائها وبيعها بأرباح مرتفعة، وهذا نوع من التطهير العرقي؛ لأن النظام سيسمح لحلفائه الشيعة، بمن فيهم أبناء الطائفة العلوية، بالعيش في المناطق التي سيعاد بناؤها".
وينوه الكاتب إلى أن قانون 66 في عام 2012 سمح للحكومة بتطوير المناطق العشوائية، وفي العام ذاته سمح قانون 63 لوزارة المالية بمصادرة أموال الأشخاص الذين ينطبق عليهم قانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2012، مستدركا بأن هذا القانون يتبنى ما يراه النظام إرهابا، الذي يشمل كل من ينتقد الحكومة أو يعارضها، أو المدني الذي حمل السلاح عندما تعرض بيته للهجوم.
ويفيد فيسك بأن "هناك زعما واسعا أن القانون يسمح للإيرانيين بالسيطرة على بيوت السوريين المنفيين وممتلكاتهم، وبحسب القانون فلا يحق لأي إيراني او أجنبي التملك، لكن يمكن للشركات الإيرانية التملك لو شاركت في عملية إعادة الإعمار، وكذلك الشركات الروسية، وهناك شائعات تتكرر عن قيام الشركات الإيرانية بشراء فنادق في دمشق القديمة، وشقق قرب مقام السيدة زينب، الذي يحج إليه الشيعة الإيرانيون والعراقيون".
ويعلق الكاتب قائلا إن "السوريين معنيون أكثر بالطموحات المالية الإيرانية في بلادهم، أكثر من هوس الإسرائيليين بالحرس الثوري، الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثة آلاف مقاتل".
ويقول فيسك إن "الدول كلها تقوم بتنظيف أنقاض الحرب، كما حدث في روتردام تحت الاحتلال الألماني، وفي سوريا هناك عشرات الآلاف من البيوت التي دمرت بشكل واسع، لدرجة أنه لا يمكن إصلاحها، ولم تعد معروفة لمالكيها الذين عادوا إليها، كما سمحت عمليات الجيش واستعادته للمدن بتدمير وتجريف البيوت العشوائية التي نشأت حول حمص وحلب ودمشق، أو الإسكانات غير القانونية التي أشار إليها قانون 66، وأقام هذه العشوائيات المهجرون من الأرياف قبل الأزمة، الذين تدفقوا باتجاه المدن بعد أزمة الجفاف في مناطقهم، الذين انضم عدد كبير منهم للمعارضة التي حاولت الإطاحة بالأسد".
ويبين الكاتب أن "القوانين الحكومية بشأن العشوائيات لم تتطرق للسبب الذي دعا هؤلاء الناس للسكن فيها، وكانت بسبب سياسات الحكومة الفاشلة قبل الأزمة، ولم تذكر الطريقة التي تم فيها بناؤها في المقام الأول، ويعرف السوريون أن رشاوى دفعت، لكن لمن؟ ولهذا السبب ترى أن القوانين لا تريد الذهاب عميقا في سبب نشوء هذه العشوائيات".
ويتساءل فيسك: "لماذا تتعجل الحكومة والحرب لم تنته بعد؟ فهل هناك داع لإصدار هذا القانون ضد الفقراء واللاجئين والنازحين؟".
ويوضح الكاتب أن "إعادة ترتيب للمخابرات ستتم بعد الحرب، وهناك من يقول إنها ستوضع تحت سيطرة وزارة الداخلية، التي ستحد من نشاطات أفرادها ووحشيتهم، ويعلم الأسد أن نظامه استمر بسبب تضحيات قواته، التي سقط منها 87 ألف جندي، وبمساعدة من الروس، ولهذا سيكون للجيش دور كبير في إعادة إعمار سوريا".
ويتساءل الكاتب عن سبب صدور قانون 10، قائلا: "شاهدنا مصادرة الأراضي في عهد الجمهورية العربية المتحدة، وتأميم 23 مصرفا خاصا، وفعل النظام البعثي في الفترة ما بين 1963- 1965 الأمر ذاته، وعلى نطاق أوسع، وانهارت معظم الشركات في تلك الفترة؛ بسبب الفساد وسوء الإدارة، وهذا كله يظل على نطاق أصغر من قانون 10، الذي يطرح أسئلة مهمة عن سوريا، التي يريد بشار الأسد رؤيتها بعد وقف سفح الدم، فهل هذا هو المجتمع الصحي الذي تحدث عن رغبته في إنشائه العام الماضي؟".
ويختم فيسك مقاله بالقول: "أعتقد أن الأمر يعود إلى معادلة بسيطة: القوانين السيئة لن تؤدي إلى المصالحة، وهذه القوانين لا تساعد على الانتصار في الحرب، بل تعمل على اندلاعها من جديد".