نشرت صحيفة
"
جورنال دو ديمونش" الفرنسية تقريرا، سلطت فيه الضوء على الاستعدادات
اللبنانية لإعادة إعمار
سوريا، فضلا عن نوايا الدول الغربية المشاركة في هذه
العملية.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "
عربي21" إنه، بعد سبع سنوات من الدمار، يستعد رجال
الأعمال اللبنانيون لإطلاق أشغال إعمار سوريا بعد الحرب.
وفي شمال لبنان، تحلم
طرابلس، ثاني أكبر مدينة في البلاد، بأن تكون مركز عملية إعادة الإعمار في سوريا،
إذ إن هذه المدينة كانت تنتظر، منذ عدة سنوات، الفرصة المناسبة للاستفادة من سوريا
ما بعد الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن
طرابلس اللبنانية قد وعدت بتوسيع مينائها وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة. وبعد انتهاء
هذا المشروع، الذي انطلقت أشغاله سنة 2016، تضاعفت طاقة استيعاب هذا الميناء ثلاث
مرات وتم تزويده بمعدات جديدة، على غرار الرافعتين العملاقتين صينيتي الصنع،
اللتين تسلمهما لبنان في شتاء سنة 2017.
فضلا عن ذلك، تم ردم
500 ألف متر مربع من مساحة أرصفة الميناء المطلة على البحر، لإنشاء منطقة اقتصادية
خاصة مستقبلا، وهي جزيرة استراتيجية صغيرة تسمح للشركات التي ستستقر فيها بالتمتع
بجملة من الإعفاءات الضريبية.
وأوضحت الصحيفة أن
الهدف من وراء هذه المجموعة من الإنجازات يتمثل في استقطاب أكبر عدد ممكن من
المستثمرين إلى هذه المنطقة، الأكثر تضررا من التداعيات الاقتصادية للصراع
المجاور. وفي هذا السياق، قالت رئيسة المنطقة الاقتصادية الخاصة، ريا الحسن:
"نحن نسابق الزمن لإتمام الأشغال، إذ إنه من المهم أن نكون مستعدين".
وفي حال تم التوصل إلى اتفاق سلام، فمن المتوقع أن يحصل ميناء طرابلس على حصة هامة
من التدفقات التجارية العابرة إلى بلد قدر البنك الدولي خسائره جراء الحرب بما لا
يقل عن 200 مليار يورو إلى حد الآن.
وأضافت الصحيفة أنه من
الممكن أن يتواصل تنفيذ مشاريع رئيسية أخرى، على غرار إعادة تأهيل مطار مهجور أو
إعادة إحياء خط السكة الحديدية الذي يربط طرابلس بحمص السورية، التي تبعد حوالي 20
كيلومتراً عن الحدود اللبنانية. وعلى خطى طرابلس ذات الأغلبية السنية، تسعى مناطق
أخرى، يُسيطر عليها حزب الله الشيعي، إلى تنفيذ مشاريع تحديثية. وعند سلسلة جبال
لبنان الشرقية، التي تعد بمثابة حدود طبيعية مع سوريا، سيتم تطوير منطقتين
صناعيتين في تربل وبعلبك.
وبينت الصحيفة أن
احتمال إعادة إعمار سوريا تغذيه طموحات أطراف عديدة، خاصة الصناعيين، وهم أول
المعنيين بهذا الأمر، الذين يقفون في حالة تأهب. ووفقًا للرئيس التنفيذي لشركة
الترابة الوطنية، بيار ضومط، ستحتاج عملية إعادة بناء سوريا إلى أكثر من 20 مليار
طن من الإسمنت، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الإنتاج السنوي اللبناني لهذه المادة.
وتطرقت الصحيفة إلى
أنه وفقا للمعطيات الاقتصادية التي نشرها موقع "التقرير السوري" الناطق
بالإنجليزية، في الخريف الماضي، تحصلت مجموعة فتوش، التي يملكها نائب لبناني مقرب
من النظام، على تراخيص من الوكالة السورية للاستثمار لاستخراج مواد البناء. وسيكون
هذا المشروع أكبر استثمار لبناني خاص يُنفذ في سوريا منذ سنوات.
الجدير بالذكر أن
لبنان ليس البلد الوحيد الذي ينتظر وبفارغ الصبر بوادر عودة الهدوء إلى سوريا. فقد
قال فؤاد زموكول، رئيس تجمع أصحاب المؤسسات اللبناني، إن "جميع السفارات ترغب
في أن تستثمر بلدانها في سوريا، وقد مر وقت طويل منذ بدأنا في عقد اجتماعات بخصوص
هذا الموضوع".
وأفادت الصحيفة بأنه خلال السنوات الأخيرة، ضاعفت بعثات رجال الأعمال
الأجانب من تنقلاتها إلى بيروت. وفي هذا الإطار، صرح روجيه خياط، المستشار في غرفة
التجارة في بيروت، أن "الفرنسيين والإسبان والإيطاليين هم الأكثر اهتماما
بمسألة الاستثمار في سوريا. لقد عقدنا الكثير من الاجتماعات الناجحة مع ممثلين عن
شركات البناء والأشغال العامة".
ونقلت الصحيفة عن
سوهام داغر، الذي يترأس شركة الخرسانة مسبقة الصنع، قوله إنه "في الوقت
الراهن، لا يتوفر الهدوء اللازم لبعث الاستثمارات، إذ لم تفرض الدولة بعد سيطرتها
على جميع أراضيها. ولا أحد يعلم ما إذا كان سيتم استئناف القتال أم لا"، حتى
في ظل الانتصارات التي حققها النظام في الأسابيع الأخيرة، وخاصة في منطقة دمشق
الكبرى.
وأوردت الصحيفة أن
جهاد يازجي، رئيس تحرير موقع "التقرير السوري" حذر من أنه في ظل غياب
اتفاق سلام، فلن يكون من الممكن تنفيذ خطة إعادة إعمار تشمل كامل الأراضي السورية.
ومن ضمن الدول التي بمقدورها تمويل بناء سوريا من جديد في مرحلة ما بعد الصراع،
نجد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، التي خسرت جميعها هذه الحرب.
ولكن، من المؤكد أنها لن تمول بلدا تسيطر عليه إيران. وفي الوقت ذاته، تُغري فكرة
دعم هذه المشاريع الأوروبيين، نظرا لمعاناتهم من ضغوط اللاجئين الذين يرغبون في
العودة إلى موطنهم.
وقالت الصحيفة إن
مسألة تمويل إعادة إعمار سوريا غير مطروحة تماما في الولايات المتحدة. ووفقا لجهاد
يازجي، "لا تُمثل سوريا، بالنسبة للأمريكيين سوى تفصيل في قضية أكبر وأشمل
وهي الحرب الإقليمية ضد إيران". من جهتها، دعت
روسيا يوم الأربعاء الماضي إلى
مشاركة "سريعة" من طرف المجتمع الدولي في إعادة إعمار الأراضي السورية.
وفي مقابل ذلك، يمكن لموسكو أن تضغط على حليفها السوري لتسريع مسار التغييرات
السياسية التي يطالب بها الغرب.