هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة
"فيلت" الألمانية تقريرا تحدثت فيه عن مرض التوحد لدى الأطفال، الذي
أصبح منتشرا خلال السنوات الأخيرة. ويعتقد الخبراء أن السبب يعود ربما لتقدم
الآباء في السن أو لتلوث الهواء.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مرض التوحد هو اضطراب في النمو العصبي
والذهني لدماغ الطفل، يمكن ملاحظته منذ مراحل مبكرة. ولكن هناك العديد من
الاختلافات حول كيفية تعامل الأطفال مع هذا المرض؛ فبعضهم يتمكنون من العيش بشكل
طبيعي، بينما يواصل البعض الآخر الاعتماد على مساعدة الغير طيلة حياتهم.
وأكدت الصحيفة أن بعض
الأفلام مثل "الحياة مفعمة بالحيوية"، والتقارير الإعلامية، ساهمت في
تسليط الضوء على ظاهرة التوحد ورفع الوعي الاجتماعي بها خلال السنوات الأخيرة.
ولكن ذلك لم يمنع ارتفاع عدد حالات تشخيص الإصابة بالتوحد بسرعة في شتى أنحاء
العالم.
وأشارت الصحيفة إلى
أنه سنة 1966، أظهرت دراسة بريطانية أن 4.5 من كل 10 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين
8 و10 سنوات، مصابون بأعراض التوحد، وقد ارتفعت هذه الأرقام بشكل مهول لتبلغ سنة
2006 لتصبح أكثر من 90 طفلا مصابا من بين كل 10 آلاف. وتشير أرقام المركز الأمريكي للسيطرة
على الأمراض والوقاية منها في أتلانتا إلى أنه خلال سنة 2014، تم تشخيص إصابة 168
طفلا من بين كل 10 آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و10 سنوات بهذا الاختلال.
وأضافت الصحيفة أن
مشكلة مرض التوحد في تفاقم، ولكن يرى العديد من الخبراء أنه يجب طرح تساؤلات جدية،
حول ما إذا كان تزايد تشخيص حالات الإصابة بالتوحد يعني فعلا مزيد انتشار هذا
المرض، أم أن الأمر مرتبط فقط بتغير النظرة والمعايير التي تجعل الناس يعتقدون
بإصابة الطفل به.
وأوضحت الصحيفة أن
عالمة النفس إينجي كامب إيكر من قسم علم نفس الطفل والمراهقة في جامعة ماريبورغ،
نوهت بأن الأرقام المفزعة التي نشرتها مراكز البحث يجب أن تخضع هي بدورها للتدقيق
والمراجعة نظرا لأن هذه التقديرات كانت مبنية على الملفات الشخصية، التي أنشأها
المدرسون حول الأطفال في المدارس والحضانات. كما أفادت كامب إيكر بأن "هذا
يعني أن هؤلاء الأطفال لم يتم فحصهم بشكل فعلي. ومن المؤكد طبعا أنهم يحملون بعض
علامات التوحد، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يعانون من خلل عميق في نمو قدراتهم
العقلية".
وأفادت الصحيفة بأن
الأعراض الأساسية، التي يعاني منها الأطفال المصابون بمرض التوحد، تتمثل في العجز
عن التواصل ومواجهة مشاكل في التخاطب مع الآخرين وعدم تحمل التعرض للعديد من
المحفزات الخارجية. وغالبا ما يعجز الطفل المصاب بالتوحد في التعامل مع المؤثرات
المحيطة به، ولا يمكنه تحملها.
وأوردت الصحيفة أن
الناس أصبحوا أكثر وعيا بشأن أعراض التوحد، وأكثر استعدادا وتقبلا لفكرة التوجه
بالأطفال إلى الطبيب، من أجل الحصول على تشخيص علمي. ولكن يتناسى الكثيرون أن 45
في المائة من المصابين بالتوحد يعانون فعليا من قصور عقلي واختلالات، تؤدي إلى
عجزهم عن عيش حياتهم اليومية بشكل عادي.
وبينت الصحيفة أن بعض
العوامل والتأثيرات البيئية، يمكن أن تكون هي السبب الأقوى وراء ارتفاع معدلات
الإصابة بالتوحد. وفي حين أن البيانات الرسمية لا تزال غير دقيقة في هذا الشأن،
يشير الدكتور ستيفان روبكي إلى وجود أدلة على أن إصابة الأم بنوع من العدوى أو
الالتهابات في فترة الحمل يزيد من احتمالات الإصابة بالتوحد، إلى جانب دور مشكلة
نقص الفيتامين "دي" والأحماض الدهنية "أوميغا3".
وتابعت الصحيفة أن
تلوث البيئة وتلوث الهواء بمواد مثل المبيدات الحشرية والمعادن الثقيلة، كلها
عوامل إذا تعرضت لها الأم في مرحلة الحمل أو تعرض لها الطفل إثر الولادة، تزيد من
خطر الإصابة بالتوحد. ومن جانب آخر، هناك أيضا أدلة موثقة حول التأثير المباشر
لعمر الوالدين على احتمالات إصابة الطفل بالتوحد.
وأبرزت الصحيفة أن
الإحصاءات التي أجريت على المولودين من آباء كبار في السن، بينت أن واحدا من بين
كل 300 طفل يصاب بالمرض. وفي الواقع، إن عمر الوالدين، وزيادة معدلات تلوث الهواء،
هي العوامل التي ازداد حضورها بشكل قوي في العقود الأخيرة، وبالتالي يمكن أن تفسر
الطفرة في انتشار المرض. كما يقول الدكتور روبكي إنه في المجتمعات الصناعية، ارتفع
سن الزواج وإنجاب الأطفال، وانتشر تلوث الهواء بسبب الأنشطة الصناعية والازدحام
الحضري.
ومثلما هو الحال مع كل
الأمراض العقلية، تعزز العوامل البيئية الاستعداد الجيني الموجود أصلا لدى الطفل
للإصابة بالمرض. كما بين الدكتور روبكي: "بالتأكيد لن تجد جينا واحدا يسبب
الاختلالات العقلية، بل هناك المئات وربما الآلاف من الجينات التي يجب أن تجتمع
كلها لتسبب التوحد، وهذا الأمر يمكن أن يبدأ منذ لحظة اندماج البويضة مع الحيوان
المنوي".
وفي الختام، أشارت
الصحيفة إلى أن بعض الأطفال المصابين بمرض التوحد يصرون على مواجهة مشاكلهم. ورغم
الصعوبات، تطورت قدراتهم ليصبحوا شبانا ناضجين ويتمكنوا من إيجاد مكان لهم في
الحياة.