هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحزم شهر رمضان المعظم أمتعته ليرحل، ويأتي بعده العيد، ولا يمر هذا الشهر الكريم دون الوقوف على مظاهر للأسف تتكرر في كل عام، وفي كل هلال رمضان والعيد، وبخاصة المعارك الفقهية السنوية التي تطرح في كل عام، ويتجدد الحديث عنها، ولا أدري من يضغط على زر الخلاف والنقاش الفقهي، ويصل به لهذه الدرجة من الحدة، وأحيانا تشتيت الناس، بدل أن يشغل الناس بروحانياتهم وعبادتهم وفرحهم بالشهر الكريم، والعيد، وكلاهما عبر الإسلام عن الفرحة بهما، فقال صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، والصوم والعيد عبادة من فضل الله على المسلم يفرح بهما، يقول تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، ولكن هذه الفرحة البهجية، تحول بينها إقحام الناس في نقاشات فقهية متكررة بتكرر المواسم الدينية.
ففي أول رمضان، وفي العيد، تستعر نار الخلاف والنقاش، حول الهلال، ومن الصواب ومن الخطأ، وعلى أي رؤية للهلال نصوم؟ وهل نعتمد الحساب الفلكي أم الرؤية؟ رغم تطور علم الفلك في الحساب، وأصبح من الدقة الشديدة ما تطمئن نفوس كثيرين من الفقهاء للفتوى بالأخذ به، ولكن للأسف يدخل في النقاش عوام الناس، وبدخولهم تزداد البلبلة، وتزداد أكثر بدخول من لم يتعمق في الفقه الإسلامي ودراسته، بل كل من له صفحة فيس بوك، أو وسيلة تواصل اجتماعي، نصب نفسه فقهيا كبيرا، بل مجمعا فقهيا يفتي الناس، وبخاصة في بلاد الغرب، تجد المسلمين يتنازعون فيها، والعجيب أن تجد كل مسلم وافد من بلد عربي يريد أن يصوم على رؤية بلده، وهو كلام بعيد كل البعد عن صحيح الدين، فمن يريد أن يصوم على رؤية مصر، هل تتقاضى عملك وساعات عملك بساعات العمل المصري والجنيه المصري؟! يقينا لا، لكن الكثيرين يأتون إلى بلاد الغرب ويحملون معهم مشاكل بلادهم، ومشاكل بيئتهم، في بيئات مختلفة لها فقه مختلف، ورؤية مختلفة، كي يكونوا مواطنين صالحين في هذه البلاد، معبرين تعبيرا لائقا ومحببا لغير المسلمين في الإسلام.
ثم يأتي العيد، ويريد كل شخص أن يكون هلال العيد عنده كهلال بلده، ويذهب ليطلب إجازة العيد في البلد الأوربي المقيم فيه، فيكون رد بعض هذه البلاد: نعطيك إجازة على أي بلد؟ مصر أم تركيا أم الهند أم ماذا؟ وقد كان هناك تقليعة يقوم بها القذافي رئيس ليبيا الأسبق فيختار يوما بعد كل الدول ليكون رمضان، ثم العيد، ويكون شكل المسلم أمام دوائر عمله في أوربا في موقف حرج، بلا أي داعي.
وإذا خرجنا من معركة الهلال في رمضان والعيد، وجدنا من يثير معركة كل سنة أيضا، في زكاة الفطر، سواء في بلاد الغرب أو الإسلام، هل تدفع مالا أم حبوبا؟ وهي أيضا مسألة قتلها الفقهاء بحثا، ورأينا من يجيز الحبوب ومن يجيز القيمة مالا، والغريب في الأمر المعركة التي تثار، وينال كل صاحب رأي من الآخر، ويسفه منه، ويتهمه إما بالتشدد، وإما بفساد عبادته، وعدم صحة الزكاة، وكلاهما ينسى مبدأ مهما نص عليه الفقهاء: أنه لا إنكار في مسائل الاجتهاد، فمن تبنى رأيا فليس على صاحب الرأي الآخر الإنكار عليه، ولا أن ينكر على مخالفه.
هذه نماذج بسيطة من معارك سنوية، للأسف تخرج بالمسلم من نورانية وروحانية العبادة إلى ساحة خلاف وشقاق لا طائل من ورائها، وهنا يأتي دور المؤسسات الدينية الكبرى التي عليها أن توحد المسلمين وتقوم بدور مهم في توعيتهم، ففي أوربا، يوجد المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث، ويسع المسلمين في هذه البلدان النزول على فتواه في القضايا المذكورة، وبخاصة أنه يجمع ثلة من علماء الأمة الموثوق فيهم في دينهم وعلمهم، وخبرتهم بواقع الحياة الأوربية، ونرجو أن يعيد المسلمون الذين يقيمون في الغرب التفكير في إعطاء صورة موحدة وحضارية للمسلمين في هذا الشهر الكريم، وفي أعيادهم، وهو مقصد كبير من مقاصد الصوم والعيد، والذي يستهدف منه الإسلام توحيد القلوب على الإخاء والمحبة، بعد توحيد الله تعالى وعبادته. وكل عام وأنت بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
[email protected]