هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا يكاد الجدل ينتهي في تونس حول قضية المساواة بين المرأة والرجل والحريات الفردية، حتى يعود بشكل أكثر حدة، بعد انتهاء لجنة الحريات الفردية والمساواة من إعداد تقريرها الخاص بالإصلاحات التشريعية الكبرى، بهدف تدعيم مبدأ المساواة التامة بين الجنسين وتفعيل بعض من بنود الدستور التونسي بعد الثورة في ما يتعلق بتكريس مبدأ الحريات الفردية وفي مقدمتها حرية الضمير والمعتقد.
وفجّر التقرير النهائي الذي قدمته اللجنة لرئيس الجمهورية لغطا كبيرا لما تضمنه من مشاريع قوانين يرى كثيرون أنها تتعارض مع أحكام الشريعة والقرآن، فيما يرى آخرون أنها ثورة حقيقية في تكريس الحريات الفردية وتدعيم المساواة بين الجنسين.
وتضمن التقرير عدة فصول وتعديلات لقوانين أبرزها إقرار المساواة التامة في الميراث، وإلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء تجريم المثلية الجنسية وحق ممارسة الشعائر الدينية وإلغاء مهر الزواج وغيرها من الفصول المثيرة للجدل.
وكان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي قد أمر بتشكيل هذه اللجنة في 13 آب/ أغسطس 2017، وأوكل لها مهمة إعداد تصورات قانونية متعلقة بالحريات الفردية و المساواة وفقا لدستور 2014 والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار اعتبر الناشط السياسي وأحد أعضاء اللجنة صلاح الدين الجورشي في تصريح لـ"عربي21" أن الجدل الذي أثاره التقرير كان منتظرا، لكنه في المقابل عبر عن ارتياحه لحجم الإشادة بمضمون التقرير من الأوساط الحقوقية والنخب السياسية والإعلامية مقارنة بعدد الرافضين له.
وأضاف: "استبقنا الجدل الذي سيثيره التقرير النهائي وذلك بوضع مقاربة في مقدمة التقرير تأخذ بعين الاعتبار البعد الديني في إطار محاولة لفهمنا للقرآن والشريعة وبعدم تضاربه مع ممارسة الحريات والمساواة بين الجنسين كما هيأنا أنفسنا لإدارة نقاش وطني حول هذه المواضيع".
وشدد الجورشي على أن التقرير تضمن أكثر من توصية ومقترح تشريعي حول ذات المواضيع في إطار إيجاد إمكانية تدفع باتجاه نوع من التوافق بين جميع الأطراف الاجتماعية والسياسية بهدف الدفع نحو المصادقة عليه في البرلمان.
وحول إعلان بعض القيادات في حركة النهضة عن رفضها التام لما تضمنه التقرير لاسيما الفصول المتعلقة بالمساواة في الميراث، قلل الجورشي من أهمية الأمر معتبرا أن "جزءا كبيرا من قيادات النهضة عبرت عن مواقف إيجابية من التقرير، ما سيساهم في خلق حالة من الحوار داخل النهضة من أجل التوصل إلى إجماع".
وختم بالقول: "لا يجب أن ننسى أن النهضة وافقت على قانون مناهضة التمييز ضد النساء الفريد من نوعه في المنطقة العربية، كما أنها وافقت على توصية في البرلمان في إطار دعم الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان الذي يتضمن نقطة تتعلق بالمساواة في الإرث".
مقابل ذلك، اعتبر القيادي وعضو مجلس شورى النهضة زبير الشهودي في حديثه لـ"عربي21" أن التقرير يتضمن إسقاطا لقضايا لا تشغل بال التونسيين في الوقت الحالي، وقال إن "هذا جدل نخبوي فيه نوع من السطو على هموم الناس وأولوياتهم ما يؤشر على تقلب مجتمعي ويهدد السلم المجتمعي وتجانس المجتمع بما أنه يمس نصوصا دينية وعقيدة التونسيين، ومن واجبي أن أرفض هذه الإسقاطات النخبوية رغم إقراري بحق الجميع في التفكير والاجتهاد".
وشدد القيادي في الحركة على أن مجلس شورى حركة النهضة قد عبر بوضوح في وقت سابق عن أن القضايا الكبرى التي تمس هوية التونسيين وتتعارض مع الدين والنصوص القطعية لا مجال للمصادقة عليها في إطار مرجعية الحركة الدينية الإسلامية التي لا تخفيها".
من جهة أخرى، أشاد الكاتب والإعلامي هادي يحمد بما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة مؤكدا لـ"عربي21" أن "بلاده تخطو خطوة جديدة في إقامة دولة المواطنة والحقوق والحريات".
وأضاف: "هذا التقرير جاء ليجسم بنود دستور الثورة، ويؤكد على ضرورة المساواة التامة بين الذكور والإناث في تونس وليقطع مع القوانين المستمدة من القراءات الرجعية للنص القرآني".
وتابع: "جاء الإسلام بشكل تدريجي ليعطي حقوقا كاملة للنساء، غير أن الممارسات الفقهية المتخلفة كرست المكانة الدونية للمرأة باعتبارها عورة، وغير جديرة بالمساواة مع شقيقها الرجل".
وكانت الناطقة باسم الرئاسة سعيدة قراش قد أكدت في تصريحات محلية اليوم أن الرئاسة تنكب على دراسة التقرير الخاص بالحريات الفردية والمساواة وسيتولى رئيس الجمهورية اختيار صيغة مشاريع القوانين التي سيتم عرضها على البرلمان.