هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال آيال ليفي، الكاتب العسكري الإسرائيلي في صحيفة معاريف، إن "التورط الإسرائيلي في قطاع غزة يعود إلى عقود طويلة مضت، وجولة تاريخية سريعة تكشف الكثير من المشاكل التي جلبتها إسرائيل على نفسها من غزة، بعد أن أضاعت على نفسها فرصا لا تعوض، مثل عدم إلقاء هذه الكرة الملتهبة في حضن المصريين".
وأضاف ليفي في تحقيق استقصائي مطول ترجمته "عربي21" أن "غزة التي نعاني منها بين مرحلة وأخرى، سواء بالقذائف الصاروخية أو الطائرات الورقية، رأت فيها جميع الحكومات الإسرائيلية من اليمين واليسار على أنها جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ويمكن الحديث عن ذلك بين 1949-1992، قبل توقيع اتفاق أوسلو".
الترانسفير القسري
ونقل عن الجنرال شاؤول أريئيلي، قائد الكتيبة الشمالية في قطاع غزة، أنه "خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في 1949 ضمن مؤتمر لوزان تلقت إسرائيل عرضا أمريكيا دوليا لضم قطاع غزة، ومنح جنسيتها لمواطنيه، لكنها وافقت على استيعاب بعض اللاجئين، وإعادتهم لأراضيهم، وتعويض المصريين عن المساحات الجغرافية المساوية لمساحة النقب الجنوبي، لكن المصريين رفضوا الاقتراح".
وأضاف أنه "في عام 1956 بعد عملية كاديش، حاولت إسرائيل التمسك بقطاع غزة مجددا داخل حدودها، وأجرت مفاوضات مع الأمريكان بهذا الخصوص، وبعد حرب الأيام الستة 1967 كان القرار الإسرائيلي جاهزا بضم قطاع غزة".
البروفيسور آرييه ناؤور، سكرتير الحكومة الإسرائيلية، خلال توقيع اتفاق السلام مع مصر عام 1979، "عرض العودة للوراء قليلا، لأن العلاقة الغرامية بين إسرائيل وغزة لم تبدأ مع رئيس الحكومة الليكودي مناحيم بيغن، وإنما منذ إقامة الدولة مع حكومات اليسار التي حكمتها حتى أواخر السبعينات".
وأضاف أن "أفكارا عديدة تم طرحها في أروقة الحكومة بعد عام 1967، من بينها نقل اللاجئين الفلسطينيين في غزة للضفة الغربية، لكن ذلك كان يخالف القانون الدولي؛ لأنه سيظهر ترانسفير قسري، رغم أن رئيس الحكومة آنذاك ليفي أشكول قال: أريد غزة، دون أن أدفع تبعات التحكم فيها، في إشارة لمشكلة اللاجئين".
وأوضح أنه "بعد انتهاء حرب 67، وجدت إسرائيل أمام نفسها مشكلة متضخمة اسمها اللاجئون في غزة، وبحاجة لحل فوري، وقد طلب المجتمع الدولي من إسرائيل إجابات واضحة حول تعاملها معهم، من حينها بدأت تطرح خيارات الحكم الذاتي لغزة، لتصبح غزة كانتونا مستقلا بذاته، وعرض آخرون نقل اللاجئين للضفة الغربية، فيما أعرب وزراء إسرائيليون عن مخاوفهم من نشوء دولة ثنائية القومية في حال تم نقلهم للضفة".
الحكم الذاتي
يتحدث الكاتب أن "أشكول ذكر بعض الحلول الوسط لمشكلة اللاجئين، بنقل 200 ألف منهم لشبه جزيرة سيناء والضفة الغربية، في ظل وجود مطالب وزارية إسرائيلية للاحتفاظ بغزة، ليس كمنطقة محتلة، وإنما باعتبارها جزءا من إسرائيل، لكن خلافات نشبت بين الوزراء حول تبعية غزة لإسرائيل بموجب الحدود الانتدابية البريطانية، فيما طالب آخرون بعدم التطرق لهذه الحقبة التاريخية، مع أنه بموجب خط الحدود الدولية الذي أقر عام 1919 فإن غزة تصبح ضمن إسرائيل، فيما قال آخرون إن غزة تابعة لإسرائيل من أيام عهد شمشون".
البروفيسور يوسي غولدشتاين من جامعة أريئيل والباحث في شؤون الصهيونية وكاتب السيرة الذاتية لـ"أشكول"، قال إنه "بعد أسبوع من حرب 1967، عقدت جلسة حكومية سرية، قررت إعادة المناطق المحتلة لمصر وسوريا، مع إبقاء قطاع غزة ضمن إسرائيل؛ لأنهم رأوا فيه جزءا من حدودها المقرة عام 1916، صحيح أن الوزراء فكروا في المشكلة الديموغرافية التي ستنشأ في غزة، لكنهم لم يتوقفوا كثيرا عند هذه المسألة".
المؤرخ الصهيوني غدعون بيغار قال إن "مصر التي سيطرت على قطاع غزة قرابة عشرين عاما بين 1948-1967، لم تقم بضمه إليها، وإنما فرضت عليه إدارة عسكرية، في حين أن العلاقة مع الضفة الغربية اختلفت عن قطاع غزة، حيث أعلنت الأردن ضم الضفة إليها".
يعود الكاتب بالحديث عن "بدء المفاوضات بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد، حيث ظهرت مسألة قطاع غزة، ففي حين لم تفكر مصر بأخذه من إسرائيل، فإن الأخيرة لم يخطر على بالها أن تسلمه لها".
ونقل عن موشيه آرنس، وزير الحرب الأسبق، قوله إن "بيغن لم يفكر بالتنازل عن سنتيمتر واحد من مساحة إسرائيل؛ لأنه وفق الحدود الانتدابية فإنها تشمل قطاع غزة، مع أني نظرت لغزة من ناحية إستراتيجية، ولم أجد صعوبة في تقديمها للمصريين بسبب كثرة مشاكلها، حتى أن خلافا أمريكيا إسرائيليا نشب حول طلب مصر نشر قوات عسكرية لها في غزة، ففي حين أيد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الطلب المصري، عارضه بيغن، وكاد الخلاف أن يؤدي لتفجر المفاوضات".
يؤكد التقرير الإسرائيلي أن "إسرائيل ضيعت فرصا تاريخية للتخلص من غزة، وبدلا من ذلك أعلن بيعن أمام الكنيست في 1977 أن سكان غزة سيكون بمقدورهم أن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية إن أرادوا بموجب قوانين الدولة".
الحكم المصري
أما الجنرال شلومو غازيت، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" خلال تلك الحقبة، ورئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية لاحقا، فقال إن "اتفاق السلام مع مصر ما زال قويا وقائما، لكن خطة الحكم الذاتي لقطاع غزة لم تخرج أبدا إلى حيز التطبيق، رغم أن غزة كانت عظمة في الحلق بالنسبة لإسرائيل، وشكلت موطئ قدم للمنظمات المسلحة والعمليات الدامية، غزة لم أكن سعيدا وأنا موجود فيها".
التحقيق الإسرائيلي يختتم بانطباع خرج به بعض الجنرالات والوزراء الإسرائيليين الذين كانوا يزورون غزة في عقود ماضية، ويذهبون لمخيمات اللاجئين في جباليا والشيخ رضوان، حين كان يقول لهم الفلسطينيون: "بيوتنا ليست هنا في غزة، وإنما في أسدود وعسقلان، واليوم فإن الفتيان والشبان الذين يقتربون من الجدار الحدودي بين غزة وإسرائيل ضمن مسيرات العودة، إنما يتوافدون وبأيديهم مفاتيح منازلهم هناك، وهم مقتنعون بأن يوما سيأتي ويعودون إلى أسدود وعسقلان".