ضحايا أزمة الاخوان المسلمين

في بداية الالفية الحالية شهدت الحركة الإسلامية في مصر وفي مركزها جماعة الاخوان المسلمين، نقلة نوعية في العمل الشبابي. وكانت الجامعات هي معقل العمل الكبير للشباب الإسلامي.

وفي عام 2005 مع الانفتاح السياسي الكبير في مصر وقتها، بلغت الحركة الشبابية في الجامعات ذروتها، ولعبت دورا كبيرا في انتخابات البرلمان يومها. وليس خافيا على احد انه في الفترة الجامعية يتشكل التوجه الفكري عند الشاب بشكل كبير.

وللحقيقة فقد لمستُ عندما كنت أدرس في جامعة الإسكندرية، احد اكبر معاقل العمل الجامعي في مصر، انفتاحا كبيرا من قيادات الجماعة على الشباب وافساح مساحة كبيرة لهم في العمل الطلابي ووضع الخطط واتخاذ القرارات (طبعا بما يخص العمل الطلابي). واكاد اجزم ان هذا الجيل اخذ قدرا كبيرا من الخبرة في فترة شهدت زخما سياسيا كبيرا داخل مصر وخارجها. 

بعد انتهاء الجامعة تعود هذه الكوادر الشابة المدربة الى مناطقها تحمل خبرات كبيرة، ومما لا شك فيه تعطي وتضيف للعمل الإسلامي في المحافظات. إلا أن استيعاب مكاتب المحافظات لهذا الشباب المليء بالطاقة والحماس لم يكن بالقدر المطلوب في أغلب الأحيان، فغالبا ما يصطدم الشاب بالأسلوب البطئ للعمل داخل "الشُعب" وهو أمر يختلف عما اعتاد عليه في الجامعة حيث ذروة النشاط.

ومع اندفاع الشاب ورغبته في التغيير يشعر في اغلب الأحيان بإحباط وتثبيط لهمته العالية بدلا من استيعابه وتوجيه هذه الطاقة المتفجرة في الوجهة الصحيحة. 

لكن على الرغم من ذلك بعد ثورة يناير كان هذا الجيل من الشباب عماد فترة ما بعد الثورة حيث لعب دورا كبيرا في تشكيل الحزب والحشد الجماهيري والتنظيمي للفعاليات المليونية والاستحقاقات الانتخابية التي جرت في هذه الفترة. إلا أن اللافت هنا انه في كل احداث ما بعد الثورة تم إبعاد الشباب الذين كانوا العنصر الفاعل على الأرض عن دوائر صنع القرار ولم يشاركوا فيها، لا بالرأي ولا بالمشورة واقتصر دورهم على التنفيذ. في الحقيقة كانت الغالبية العامة للحركة الشبابية في هذا الوقت تتبع القيادة بدون كثير من الاعتراضات ايمانا منهم بأننا نسير خلف قيادة تعرف فعلا ما تفعل، واننا سمعنا كثيرا منهم طوال السنيين الماضية عن أحلام الحركة الإسلامية بالنهوض بالوطن، وكم تطلعنا لان نرى فعلا تجربة حقيقة على ارض الواقع. 

وجاءت اللحظة التاريخية التي سنرى فيها تحولا كبيرا ينتظره العالم، لكن للأسف حدثت الكارثة ووقع الانقلاب، انقلاب عسكري على الثورة، الحلم الذي طالما حلمنا به يضيع من بين أيدينا، مصر التي اسقط جموع الشعب نظامها لم يستطع الاخوان وهم في الحكم الحفاظ عليها، وليس هذا وحسب، بل أريقت دماء كثيرة من خيرة شباب الجماعة، كما طالت الاعتقالات كل صفوف الجامعة، ليتم تسجيل أكبر كارثة في التاريخ المصري الحديث، واكبر فشل تمر به الجماعة بالفعل. فشل او افشال لا يهم فالنتيجة في النهاية واحدة وهي اننا نواجه ازمة هي الأكبر في تاريحنا. 

وفي الواقع استقالة من تسبب في هذه الكارثة هي من بديهيات العمل السياسي، ولا يوجد مبرر أيا كان لبقاء من تسبب فيها في مناصبهم, صدمة الاحداث توقف العقل عن التفكير وتبطئ سرعة التعاطي مع الاحداث الكبيرة. ولهذا تجديد الدماء امر حتمي لابد منه. مع إصرار قيادة الجماعة على بقائها واستمرار الفشل على كل الأصعدة في التعامل مع الانقلاب حدث ما كان منتظرا وانقسمت الجماعة. للأسف هذا الانقسام ليس خطرا على الجماعة بقدر ماهو خطر على شبابها. اليوم شباب الحركة الإسلامية في موقف هو الأصعب، هذه هي  الازمة الحقيقة والخسارة الأكبر التي تعرضنا لها منذ الانقلاب العسكري.

أين شباب الحركة الإسلامية اليوم؟ اما في سجون العسكر بين الإعدام والتصفية والحبس والحرمان من الدراسة، او في المهجر يتحسسون خطواتهم الاولى  وصياغة مستقبلهم من جديد. الكارثة هنا ان من لايزال مصمما على القيادة لم يقدم شيئا لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء. فالشباب في الداخل لازالت دمائهم الذكية تسيل وراحو ضحية لصراع القيادة وتقطعت بهم السبل واستفرد بهم السيسي يقتل ويأسر. 

وربما يقول قائل ان الوضع في مصر اكبر من الجميع. لكن تمهل فما يعاني منه شباب المهجر هو برأيي اكبر واشد. الانقسام في الخارج اعمق ولا يخلو من الألعاب القذرة وعامل المال، نعم اؤكد لكم هنا انه تم في حالات كثيرة استغلال الوضع المادي الصعب للشباب في المهجر والضغط عليهم من كلا طرفي الازمة. الواقع يا سادة هنا يقول ان الشباب كفر بالطرفين وهو الان ابعد ما يكون عن الجماعة، بل بات الكثير منهم يكفر بالفكرة نفسها، هذه في الواقع هي الخسارة الكبيرة. الان اصبح عاديا ان تسمع عن هذا الشاب الذي ألحد او تلك الفتاة التي خلعت حجابها. 

هذا الحجم الكبير من فشل قيادة الجماعة يجعل هذا الشباب الذي دفع ثمنا غاليا ان يكفر بالفكرة كلها التي طالما حلم بها وضحى من اجلها، والذي اثبتت له  الازمة الأخيرة اننا كجماعة كنا نعيش خارج التاريخ والجغرافيا، واننا كنا نسوق الوهم ونسير خلفه. ليس وهم الفكرة ولكن وهم تنفيذها.

للأسف الشديد كل القيم والمعاني التي تربينا عليها من الايثار والتضحية والاخذ بالاسباب وعدم السعي خلف المناصب وانكار الذات كلها تبخرت مع  اول تجربة حقيقية على المحك. 

الان يا سادة أزمتنا ليست ازمة شرعية ولا انقلاب، ازمتنا ازمة وجود ازمتنا ازمة جيل كامل من الشباب يتساقط في مهب رياح الحياة. 

أوجه نداءً أخيراً لقيادة جماعة الاخوان المسلمين بشقيها: الان هو وقت تحكيم العقل وانهاء هذا الانقسام الذي لم يقض على مؤامرة كما يزعم البعض وأيضا لم يضف جديدا إلى سياق الازمة الراهنة كما كان يأمل اخرون، الان وقت التنازل يا قيادتنا الفاضلة، التنازل عن كل شيء، والعودة للخلف خطوات كثيرة، فلا يوجد ما نخسره، فقد خسرنا كل شيء.