هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، الأسبوع الماضي، افتتاح المئات من "مدرسة المسجد الجامع" لتعليم القرآن الكريم بجميع محافظات البلاد.
وكانت الأوقاف بدأت التجربة العام الماضي بمحافظة الإسكندرية، حيث افتتحت عشرات المدراس لتحل محل "الكتاتيب" التي كانت تنتشر في ربوع مصر، خاصة في المناطق الريفية، وخرّجت الآلاف من حفظة القرآن الكريم وطلبة العلوم الشرعية.
وقالت الوزارة، في بيان لها، إن هذه الخطوة تهدف في الأساس إلى محاربة ما أسمته "التطرف والأفكار المتشددة في المجتمع"، التي انتشرت خلال السنوات الأخيرة على أيدي عناصر الدعوة السلفية وجماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي أثار تساؤلات حول قدرة النظام على سحب البساط من تحت الإخوان والسلفيين في هذا المجال.
المساجد أصبحت في أيدٍ أمينة
وكانت الأوقاف أوضحت، في بيان سابق لها، أن فعاليات النشاط الصيفي بـ"مدرسة المسجد الجامع" تتضمن حفظ القرآن الكريم وعلومه وتفسيره، وتعليم والفقه والسنة والسيرة، وتلقي الدروس الدعوية، على أيدى أئمة متميزين.
وقال مسئول المشروع بالأوقاف محمد العجمي، في تصريحات صحفية، إن الهدف منه هو نشر الفكر الوسطي بين فئات المجتمع، خاصة الأطفال، على أيدي قيادات الوزارة والأئمة المتميزين الذين يقومون بالتدريس في المدرسة.
من جانبه، أكد وزير الأوقاف، مختار جمعة، أن "الوزارة تعمل على منع الدخلاء من العبث بعقول الأطفال عن طريق مضاعفة عدد الكتاتيب، وإنشاء 630 مدرسة قرآنية، إلى جانب إدارة أكثر من 1100 مقرأة قائمة بالفعل، مضيفا أن المساجد أصبحت في أيد أمينة، وأن الوزارة تعي جيدا ما تخطط له الجماعات المتطرفة، التي تريد أن تضع موطئ قدم لها في المساجد مرة أخرى"، على حد قوله.
وأشار إلى أن الوزارة نجحت بالفعل في السيطرة على "مساجد التطرف" التابعة للجماعات الإرهابية، وأصبحت كل المساجد التابعة للجماعات والجمعيات التي كانت مجالا لنشر الفكر المتطرف تحت السيطرة الشاملة للأوقاف، كما قامت الوزارة بحملة موسعة لتطهير مكتبات المساجد من جميع الكتب التي تحمل فكرا متشددا، وتم منع غير المتخصصين من صعود المنابر، ما أغلق الباب أمام المتشددين من نشر أفكارهم أو توظيف المساجد لأغراضهم السياسية.
احتكار الدين
وتعليقا على هذه الخطة، قال محمد عبد الله (اسم غير حقيقي)، وهو أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتولى لسنوات طويلة إدارة إحدى مدارس القرآن التي كانت الجماعة تقيمها في كثير من المساجد بأنحاء الجمهورية، إن إقامة وزارة الأوقاف لهذه المدارس الآن يتزامن مع الحملة القمعية غير المسبوقة التي تطال جميع المتدينين في مصر، موضحا أن الإخوان ليسوا وحدهم من تستهدفهم الحكومة بهذه الخطوة؛ لأن الحملة الأمنية الشرسة أصبحت تهدد أي شخص ملتزم بتعاليم الدين أو يدعو إلى الله.
وأضاف عبد الله، في تصريحات لـ"عربي21"، أنه كان يتمنى أن تنفذ الحكومة هذا المشروع بجانب المدارس الأخرى القائمة بالفعل، والتي كانت الجمعيات الأهلية والجماعات المعتدلة تشرف عليها، بدلا من غلقها، لافتا إلى أن الأوقاف لن تتمكن من الوصول إلى القرى والنجوع والأحياء الشعبية التي كان الإخوان والسلفيون يصلون إليها طوال العقود الخمسة الماضية.
وأكد أن مدارس القرآن كانت بعيدة تماما عن أي عمل سياسي أو تنظيمي للجماعة، مشددا على أن الحكومة لا تسمح لأي شخص أو جماعة بممارسة العمل الدعوي؛ لأنها تريد احتكار الدين وتوجيهه لمصلحة النظام.
وحذر من أن المجتمع هو الخاسر الأكبر من التضييق على المتدينين وإغلاق آلاف الكتاتيب ومدارس القرآن التي خرجت للبلاد الآلاف من حفظة القرآن، وهذبت أخلاقهم وعدلت سلوكهم، مشيرا إلى أن الآثار السلبية لهذا التضييق بدأت في الظهور خلال السنوات الخمس الماضية على الأجيال الجديدة من الأطفال والشباب، الذين لا يكادون يعرفون شيئا عن دينهم.
تجربة قصيرة
من جانبه، روى إسلام حسين، وهو مهندس شاب كان مديرا لمشروع مماثل تابع للدعوة السلفية في محافظة القاهرة، تجربته مع "مدارس الجيل المسلم" التي كانت مقامة في عدد من المساجد.
وأوضح حسين، لـ"عربي21"، أن هذه المدارس كانت تحت إشراف الدعوة السلفية، وتقوم بتحفيظ القرآن الكريم، وتدريس العلوم الشرعية، بجانب المناهج الدراسية العادية التي يدرسها الأطفال في المدارس الحكومية، مضيفا أن هذه التجربة بدأت عام 2013، واستمرت لمدة عامين فقط، قبل أن تقوم الحكومة بغلقها وتهدد القائمين عليها بالاعتقال، على الرغم من أن الدعوة السلفية معروف عنها منذ نشأتها بعدها تماما عن السياسة أو العمل التنظيمي الذي أقلق الحكومة.
وتساءل إسلام حسين: لماذا تحارب الدولة الدعوة السلفية الآن، وتضيق على أنشطتها الدعوية، وتتهمها بالمسؤولية عن نشر التطرف والفكر المتشدد، على الرغم من أنها داعمة للدولة؟ كما أن حزب النور كان وما زال مؤيدا للنظام الحاكم؟