لم تكد حكومة الرزاز تحصل على ثقة البرلمان الأردني حتى توالت
الأزمات وتكاثرت كالفطر، بدءا بفضيحة مصانع الدخان، مرورا بأزمة نقابة
المهندسين، وليس انتهاء بأزمة بلدية الزرقاء ثاني أكبر المدن في المملكة الأردنية.
الأزمات
من حيث النوعية والحجم والتداعيات المتوقعة تعد كبيرة جدا، إذ إنها أزمات متدحرجة
تأخذ أبعادا سياسية وقانونية واقتصادية، وتمس مفهوم الدولة الريعية في الجوهر. فالأزمات
وضعت حكومة الرزاز أمام اختبار صعب يهدد برنامج حكومته المعلن في المئة يوم
القادمة، بل والعامين القادمين.
حكومة
الدكتور عمر الرزاز اشتبكت سريعا مع فضيحة التهرب الضريبي والمخالفات الجمركية،
والاعتداء على الملكية الفكرية لشركات كبرى عالمية يُعتقد أنها المحرك الفعلي
للقضية المعروفة بفضيحة مصانع الدخان.
اشتباك
حكومة الرزاز عكس استراتيجيته لاحتواء الأزمة والتخفيف من تداعياتها المحلية على
الأقل، واتخذ بعدا إعلاميا لافتا، غير أنه وبعد الانخراط الكبير لحكومة الرزاز
بملف القضية، وإعلان الناطق الرسمي جمانة غنيمات إلقاء القبض على عدد كبير من
المتورطين، وتصريح رئيس الحكومة بأنه "انتحاري" ولن يتوقف عن ملاحقة
المتورطين في القضية بغض النظر عن نفوذهم، حُوّلت القضية إلى محكمة أمن الدولة،
وهي محكمة عسكرية لا تحظى باعتراف الإنتربول وغيره من المؤسسات الدولية التي
تتعاون في ملف ملاحقة المتهمين خارج البلاد، وهي مسألة ستحد من فاعلية الحكومة
بملاحقة المتورطين في القضية على الأرجح.
مواجهة
تبعها هروب كبير أراد الرزاز من خلاله تجنب الانخراط في معركة كبرى تستنزف فترة
ولايته المتوقعة للعامين القادمين؛ فالملف أزيح عن كاهل حكومته باعتباره ملف منظور
به أمام القضاء؛ لتزيح عن كاهله معركة مكلفة تطال قوى اقتصادية ومجتمعية نافذة
ومؤثرة بحسب بعض المراقبين.
استراتيجية
المواجهة والهروب امتدت إلى ملف
نقابة المهندسين. فبعد
أن أصدرت محكمة التميز قرار بحبس عدد من المتهمين بإصدار شهادات عضوية مزورة
لمشتركين منتسبين لمكتب النقابة في القدس المحتلة؛ تداعت نذر أزمة جديدة تحمل
أبعادا اقتصادية وقانونية تمس أكثر من 19 الف من المنتسبين للنقابة يقطنون في
الضفة الغربية والأراضي المحتلة التي ارتبطت بوحدة سياسية في القرن الماضي مع
المملكة الأردنية؛ انتهت بفك الارتباط السياسي من العام 1988.
ورغم
قرار محكمة التمييز الذي اتخذ بعدا قانونيا مجردا، إلا أن للقرار تداعيات اقتصادية
وقانونية متدحرجة؛ حذّر منها نقيب المهندسين أحمد الزعبي، تتطلب إعادة مستحقات
المشتركين المالية في مكتب القدس على مدى سنوات وعقود؛ منذرة بأزمة مالية كبرى في
نقابة المهندسين قابلة للامتداد إلى سائر النقابات الأردنية المهنية، ما يضعف
مكانتها وحضورها كإحدى أهم مؤسسات المجتمع المدني في الأردن.
.. أزمة
لم ينخرط فيها رئيس الحكومة الرزاز بعد، على الرغم من إمكانية امتداد تداعياتها
لتشمل جوانب سياسية واقتصادية مهمة. إذ من الممكن أن تكون لها تداعيات سياسية
تنعكس على البيئة المتوترة الناجمة عن جدلية العلاقة بين الأردن وفلسطين، خصوصا
القدس المحتلة، في وقت بلغ الاشتباك ذروته بين الأردن والكيان الإسرائيلي حول
الولاية الهاشمية على المقدسات ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة؛ ما يخلق مناخا
مشحونا بالكثير من الهواجس الداخلية التي ستتدحرج ككرة الثلج. فالأزمة محرجة،
وتحمل أبعاد سياسية إلى جانب الأبعاد الاقتصادية والقانونية التي ستطال أكثر من 19
ألف مشترك.. فهي كرة ثلج متدحرجة.
القضية
الثالثة والأكثر تأزما تمثلت ببلدية الزرقاء، بعد حجز مؤسسة "الضمان
الاجتماعي" على أملاك البلدية لعدم دفعها اشتراكات العاملين وعلى مدى سنوات،
وهي أزمة تفاقمت بفعل وقف المساعدات والمنح والقروض المقدمة من وزارة البلديات
لبلدية الزرقاء، لتنفجر الأزمة وتتحول إلى قضية رأي عام اتخذت منحى سياسيا، خصوصا
وأن رئيس البلدية،، المعارض السياسي المعروف المهندس علي أبو السكر ومرشح جبهة
العمل الإسلامي، كان قد تولى رئاسة البلدية منذ ما يقارب العام. فالأزمة تتخذ منحى
سياسيا، وتقدم مؤشرا على العلاقات البينية بين مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني
عموما.
ختاما،
حكومة عمر الرزاز تركز على العناوين الكبرى وتشتبك إعلاميا كاستراتيجية مواجهة؛ لا
أنها تتبنى استراتيجية الهروب خشية الغرق في التفاصيل والعجز عن تطبيق وعودها في
العاميين القادمين، غير أن الأزمات المتفجرة وتداعياتها ستظل تلاحق رئيس الوزراء،
فاستراتيجية الهروب والاشتباك المحدود والسريع لن تنجح على المدى الطويل للحكومة،
والأزمات تنتشر كالفطر وتتراكم بشكل يعقد عمل الحكومة التي وضعت برنامج عمل لمئة
يوم.. جدول أعمال بات مهددا بجدول طويل من الأزمات والملفات الطارئة التي لا
يستطيع مواجهتها، كما لا يستطيع الهرب من تداعياتها لوقت طويل.