هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
• المؤسسة العسكرية هي المتحكمة في الساحة السياسية منذ الاستقلال
• هناك نخبة جديدة داخل المؤسسة العسكرية ترفض التدخل في السياسة
• فزع البعض من دعوتي يرجع إلى خوفهم من اقتناع أطراف في المؤسسة العسكرية بما أطرحه
• لم أدع الجيش إلى الإشراف على عملية انتقال ديمقراطي بل إلى المساهمة في انتقال آمن للجزائر اقتصاديا وسياسيا
• المحيطون برئيس الجمهورية خافوا خوفا شديدا مما دعوت إليه ويريدون احتكار دعم الجيش
• التيار العلماني يدوس دائما على الديمقراطية ويسارع للتحالف مع الجيش لمنع وصول الإسلاميين للسلطة
أكد رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية "حمس"، عبد الرزاق مقري، أنه كان هناك تعمد لتحريف تصريحاته الأخيرة بشأن الدور المنوط بالمؤسسة العسكرية في التوافق الوطني.
وشدّد في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة مع "عربي21" على أنه لم يدع الجيش للإشراف على عملية انتقال ديمقراطي، بل إلى "المساهمة في انتقال آمن للجزائر اقتصاديا وسياسيا من خلال ضمان احترام التوافق إذا حصل بين السياسيين. وإن لم يحدث ذلك فإننا لا نأمن أن يحدث انقلاب على أي اتفاق من هذا الطرف أو ذاك".
وقال إن "الجميع يعلم أن المؤسسة العسكرية هي المتحكمة في الساحة السياسية منذ الاستقلال"، مستدركا بالقول: "لكن في السنوات الأخيرة توجد أمارات عديدة تساعد على التوجه الجديد بعدم تدخل الجيش في السياسية، منها وجود نخبة جديدة داخل المؤسسة العسكرية من جيل الاستقلال متعلمة ووطنية ومهنية، وهذا يساعد في ضبط علاقة عادية تكاملية دستورية بين العسكري والمدني".
وأوضح "مقري" أن "محيط رئيس الجمهورية المتحكم في أحزاب الموالاة خافوا خوفا شديدا حينما دعوت لتوافق وطني تكون بدايته الانتخابات الرئاسية سنة 2019، وحينما تحدثت عن مساهمة الجيش في ضمان التوافق إذا حصل بين مختلف الأطراف؛ فقد خافوا من أن يقنع هذا المشروع أطرافا في الجيش، وشكوا بأنه توجد اتصالات بيننا وبين المؤسسة العسكرية التي يريدون احتكار دعمها".
وأكد أنه لا يوجد أي شيء يضمن أن الجيش سيرفع يده عن العملية الانتخابية وأنه لن ينحاز للرئيس بوتفليقة أو غيره وسيترك حرية الانتخاب مكفولة للشعب، فـ"المؤسسة العسكرية كانت هي الطرف الأساسي في حسم العملية الانتخابية بأشكال عديدة. وإلى اليوم لا يزال النقاش محتدما عن صناديق الأسلاك النظامية التي تحسم النتيجة في العديد من الولايات".
ونوه إلى أن ما وصفه بالتيار العلماني المتشدد في الجزائر، والذي قال إنه يمثل أقلية صغيرة جدا في المستوى الشعبي، هو "دائما من يدوس على الديمقراطية، ويسارع إلى التحالف مع الجيش لمنع وصول الإسلاميين للسلطة، بل إنه كلما شعر بنوع من اقتراب الإسلاميين من السلطة يتحرك بكل الوسائل للتحريش وإفساد الأجواء".
وفي ما يأتي نص الحلقة الأولى من المقابلة:
كيف ترون تصريحات رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح التي شدّد فيها على ضرورة عدم إقحام الجيش في ما وصفه بالمتاهات الحزبية والسياسية؟
- تصريحات عادية بالنظر للغط الكبير الذي حدث عن دور الجيش في العمل السياسي.
هل هذا التصريح يُعد بمنزلة مناورة وتكتيك من "قايد صالح" أم تعتقد أنه يُعد قناعة حقيقية وراسخة تولدت لدى المؤسسة العسكرية باعتبارها مؤسسة مهنية بحتة؟
- ليست هذه المرة الأولى التي يصرح فيها قائد الأركان بهذا التصريح. الجديد أن الرد جاء هذه المرة بعد نقاش واسع جدا في الموضوع. الجميع يعلم أن المؤسسة العسكرية هي المتحكمة في الساحة السياسية منذ الاستقلال، ولكن في السنوات الأخيرة اشتد النقاش حول ضرورة عدم تدخل الجيش في الساحة السياسية، وتوجد أمارات عديدة تساعد على هذا التوجه الجديد، منها وجود نخبة جديدة داخل المؤسسة العسكرية من جيل الاستقلال متعلمة ووطنية ومهنية، وهذا يساعد على ضبط علاقة عادية تكاملية دستورية بين العسكري والمدني كما هو موجود في الدول الديمقراطية، وهذه من عناصر فلسفة مشروع التوافق الوطني.
هل تصريحات "قايد صالح" جاءت ردا على دعوتك للجيش للإشراف على عملية انتقال ديمقراطي للسلطة أم ردا على آخرين أيضا؟
- هو رد على أطراف عديدة، وهذا الذي فهمه كثير من المحللين السياسيين.
هل ترى أن البعض أساء فهم دعوتك الموجهة للجيش الجزائري؟ ولماذا حدث كل هذا اللغط والجدل بشأنها رغم أنها ليست الأولى من نوعها؟
- لا. لا يوجد سوء فهم، هناك تعمد لتحريف الموقف والتصريح، حتى إن بعض النشطاء من خارج الوطن، خاصة بعض الإعلاميين العرب وخصوصا المصريين، سقطوا في الفخ ورددوا ما تناقلته وسائل إعلام جزائرية يتحكم فيها الذين أفزعهم تصريحي. وهؤلاء الذين أفزعهم تصريحي هم:
أولا: محيط رئيس الجمهورية المتحكم في أحزاب الموالاة الذين لا وجود لهم في صدارة المشهد إلا بانحياز الإدارة لصالحهم، وبدعم قوى من المؤسسة العسكرية في انتخابات عديدة كما هو معلوم لدى كل الجزائريين. هؤلاء يريدون تمرير العهدة الخامسة رغم عدم عقلانيتها ومنطقيتها؛ فحينما دعوت إلى توافق وطني تكون بدايته الانتخابات الرئاسية سنة 2019، وحينما تحدثت عن مساهمة الجيش في ضمان التوافق إذا حصل بين مختلف الأطراف خافوا من أن يقنع هذا المشروع أطرافا في المؤسسة العسكرية بالنظر للمأزق الذي فيه الجميع بسبب مرض الرئيس وإمكانية تعمق الأزمة إذا ذهب إلى عهدة خامسة، وشكوا بأنه توجد اتصالات بيننا وبين المؤسسة العسكرية التي يريدون احتكار دعمها، فخافوا خوفا شديدا ودخلوا في مزايدات لا علاقة لها بما صرحت به في هذا الخصوص.
ثانيا: التيار العلماني المتشدد الموجود داخل مؤسسات الدولة وفي الإعلام والأحزاب والمجتمع المدني -بالرغم من أنه يمثل أقلية صغيرة جدا في المستوى الشعبي- خاف هو الآخر من أن تهتم المؤسسة العسكرية بهذه المبادرة فيكتب لها النجاح وتكون هناك حكومة توافقية يشارك فيها الإسلاميون كشركاء وليس في الواجهة فقط كما كان الحال في مراحل سابقة.
والمعروف أن التيار العلماني في الجزائر هو الذي يدوس دائما على الديمقراطية ويسارع إلى التحالف مع الجيش لمنع وصول الإسلاميين للسلطة، بل إنه كلما شعر بنوع من اقتراب الإسلاميين من السلطة يتحرك بكل الوسائل للتحريش وإفساد الأجواء.
وأما لماذا حدث هذا اللغط بالرغم من أن الحديث عن الموضوع ليس للمرة الأولى، فمرد ذلك هو إلى أهمية الحركة وثقلها وترقب الأطراف لموقفها واتجاهاتها وتحالفاتها.
ما الذي كنت تقصده بدعوتك للجيش إلى الإشراف على عملية انتقال ديمقراطي للسلطة؟ وما أوجه الاختلاف بين تلك الدعوة وبين فكرة تدخل الجيش في العمل السياسي؟ وما هو المطلوب بشكل محدد من الجيش في هذه المرحلة؟
- حتى سؤالك يدل على مدى نجاح حملة التحريف التي وقعت. أنا لم أدع الجيش إلى الإشراف على عملية انتقال ديمقراطي. تصريحي المسجل والمنشور، والذي كان جوابا عن سؤال "ما هو دور الجيش في التوافق الوطني؟" هو كالآتي: المساهمة -أقول المساهمة- لانتقال آمن للجزائر اقتصاديا وسياسيا.
والمقصود بالمساهمة هو ضمان احترام التوافق إذا حصل بين السياسيين. فلا هو نقاش التوافق وصياغته، ولا هو الإشراف عليه، ولا هو تنفيذه. ولكن ضمان احترام ما يتفق عليه السياسيون. وبينت أن الضمان ليس دور الجيش وحده، ولكن حضور القوى السياسية في الميدان كذلك.
وتصريحنا هذا مبني على اطلاعنا على تجارب الدول التي نجحت في الانتقال الديمقراطي بمساهمة إيجابية من الجيش، ومن ذلك ما حدث في البرتغال وإسبانيا والمكسيك والتشيلي والأرجنتين وكوريا الجنوبية وغيرها. لكل تجربة خصوصيتها، ولكن فيها كلها كانت ثمة مساهمة إيجابية.
هل تواصلتم مع المؤسسة العسكرية لإيصال وإيضاح دعوتكم تلك بشكل رسمي قبل طرحها على الرأي العام وفي مختلف وسائل الإعلام؟
- لا أبدا، فنحن لا نؤمن بتدخل الجيش في المبادرات السياسية، ولكن إذا نجحت المبادرة هذه أو تلك فسيطلعون عليها من خلال الأدوات الدستورية. وإذا أرادت قيادة المؤسسة العسكرية أن تطلع على فحوى المبادرة فلها ألف وسيلة.
وهذا لا يعني أنه ليس لدينا الاستعداد للحديث مع المسؤولين في المؤسسة العسكرية. أنا رئيس حزب ومن حقي أن أتواصل مع كل المسؤولين في مؤسسات الدولة بكل مسؤولية إذا اقتضى الحال وكان ذلك نافعا وخادما للصالح العام في إطار قوانين الجمهورية كما يفعل السياسيون في الدنيا. وفي ما يتعلق بهذه المبادرة لم أتصل بأحد ولم يتصل بي أحد.
ألا تزال متمسكا ومُصرّا على دعوتك للجيش إلى المساهمة في انتقال آمن للجزائر اقتصاديا وسياسيا أم إنك تجاوزت هذه الدعوة بعد تصريحات "قايد صالح"؟
- أنا متمسك بأن هذه المبادرة أو أي مبادرة أخرى لا يكتب لها النجاح إلا إذا حققت التوافق بين الجميع من حيث القبول، ولا يتصور أن هذه المبادرة أو تلك يكون لها حظ إذا كانت المؤسسة العسكرية ضدها. لا يهمنا كيف يعبر الجيش عن موقفه الأول من المبادرة، ولكن الذي يهمنا أن يكون طرفا رئيسيا في ضمان ما يتفق عليه السياسيون. إن لم يحدث ذلك فإننا لا نأمن أن يحدث انقلاب على أي اتفاق من هذا الطرف أو ذاك.
ودعني أقول بالمناسبة بأن الفكر السياسي في العالم العربي متخلف عموما وغير متابع لتجارب البشرية بسبب قلة الدراسة والمطالعة، والمجتمع العربي عاطفي ينزع للانفعال السريع والصراعات على أساس المزاج والتأثر العميق بالأحوال الخاصة، والعسر الشديد في الخروج من الأزمات حين يقع فيها.
ولذلك، فإننا حين نتحدث عن الانتقال أو التوافق بين السياسيين على أن تساهم المؤسسة العسكرية في هذا الانتقال من وضع غير ديمقراطي إلى وضع ديمقراطي تنحبس عقولهم في تجاربهم المريرة مع المؤسسة العسكرية فيبقون تائهين بين شقي التطرف: إما تسليم قيادة المرحلة الانتقالية للجيش كما وقع في مصر بعد ثورة يناير، أو الصراع مع المؤسسة العسكرية كما حدث في العديد من البلدان العربية.
إلى أي مدى ترى أن الجيش رفع يده عن العملية الانتخابية ولم ينحز للرئيس بوتفليقة أو غيره وأنه سيترك حرية الانتخاب مكفولة للشعب بشكل كامل دون أي تدخل من أي نوع؟
- لا يوجد أي شيء يضمن ذلك، المؤسسة العسكرية كانت هي الطرف الأساسي في حسم العملية الانتخابية بأشكال عديدة. وإلى اليوم لا يزال النقاش محتدما في الساحة السياسية عن صناديق الأسلاك النظامية التي تحسم النتيجة في العديد من الولايات في إطار النمط النسبي للانتخابات، وكأن هذه الأسلاك لا يوجد فيها أبناء الشعب الجزائري الذين لهم آراء أخرى غير خيارات السلطة الحاكمة.
كيف ترون توعد "قايد صالح" بسحق أي تجاوز قد يؤدي إلى الفوضى؟ وهل هذا يعد انحيازا لطرف على حساب آخر أم لا؟
- نحن جميعا ضد الفوضى، والجيش من أدواره منع الفوضى.
"قايد صالح" قال إن "الجيش ليس شماعة يضع عليها بعض الفاشلين فشلهم".. برأيك من هم الفاشلون الذين كان يقصدهم؟ وهل هم من أحزاب المعارضة أم الموالاة؟
ما دمنا نتحدث في الشأن السياسي فإن الفاشلين الذين يعرفهم الشعب الجزائري هم الذين فشلوا في تحقيق التنمية الاقتصادية، ولم يصلوا إلى تحقيق تطور وازدهار البلد وبناء اقتصاد متنوع يحررنا من التبعية للمحروقات. هم الذين اضطروا لطباعة النقود لدفع الدين العام واستمرار التحويلات الاجتماعية. هم الذين جعلوا كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية سلبية. هم الذين حرموا الأجيال المستقبلية من حقوقهم في الثروة الوطنية. هم الذين جعلوا مستقبلنا في خطر، وذلك رغم الإنفاق العظيم (1000 مليار دولار) في الفترة الأخيرة التي كانت فيها أسعار المحروقات مرتفعة.