هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كلما احتدمت الاختلافات الدينية في أوساط أهل السنة، تعالت الأصوات مطالبة بضرورة وجود "مرجعيات دينية" يرجع إليها أهل السنة، لحسم تلك الاختلافات، والنزول على رأيها كما هو الحال في أوساط الشيعة الإمامية.
ووفقا لباحثين، فإن "المرجعية الدينية" عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية، تعد امتدادا لنظرية "الإمامة الإلهية"، وهي أعلى سلطة دينية لها كلمتها المسموعة والمؤثرة في أوساط عامة الشيعة.
من جهته، أوضح الكاتب والباحث العراقي، أحمد الكاتب المتخصص في الدراسات الدينية الحوزوية، أن "المرجعية الدينية الشيعية تكونت تدريجيا عبر التاريخ، وشكلت امتدادا لنظرية الإمامة الإلهية، التي كان يؤمن بها فريق من الشيعة، الذي كان صغيرا في بداياته، ثم أصبح مع مرور الزمن الفريق الأكبر".
وأضاف لـ"عربي21": "إن المرجعية تشكل امتدادا لسياسة الأئمة الحسينيين من أهل البيت، وهي سياسة المعارضة السلمية وعدم الاندماج مع الدولة (العباسية)".
وأشار الكاتب المعروف بدراساته وأبحاثه الناقدة لأصول ومقررات مذهب الشيعة الإمامية، إلى أن "الشيعة انقسموا في أواسط القرن الثاني الهجري إلى فريقين رئيسين، هما الإسماعيلية والموسوية، فبينما وصل الإسماعيليون إلى السلطة، وأقاموا الدولة الفاطمية في شمال أفريقيا في نهاية القرن الثالث الهجري، فإن الشيعة الموسوية وصلوا إلى طريق مسدود بوفاة الإمام الحسن العسكري سنة 260 للهجرة دون أن يكون له ولد".
وتابع حديثه بالقول: "الأمر أوقع شيعته في حيرة وانهيار، وكاد هذا الفريق أن ينقرض وينتهي مع التاريخ، لولا قيام بعض الأشخاص والجهات بافتراض وجود ولد له، قالوا إنه الإمام الثاني عشر، وأنه المهدي الغائب، وسيخرج في المستقبل، وأدى قولهم إلى ولادة الفرقة الإثني عشرية في القرن الرابع الهجري".
تاريخ المرجعيات الدينية
وشرح الكاتب أن "بعض أصحاب العسكري ادعوا النيابة الخاصة عن ذلك الإمام الغائب، والوكالة عنه، واستمر الحال لمدة سبعين عاما، وبعد ذلك انتشر بين الشيعة الإثني عشرية حديث رووه عن الإمام الثاني عشر (الغائب) يأمر فيه بالرجوع إلى رواة أحاديث أهل البيت، ثم تطور علم الحديث لديهم إلى مرحلة الاجتهاد من أجل سد الحاجات المستجدة في الفقه، في القرن الخامس الهجري".
وطبقا للباحث العراقي، فإنه "بالرغم من حدوث نوع من التعاون والتنسيق بين علماء الشيعة الإثني عشرية والحكام البويهيين والعباسيين، إلا أنهم ظلوا عموما بعيدين عن التبعية للسلطة، وهكذا نشأت لديهم قيادة (علمائية) مستقلة عبر التاريخ، ثم تطورت هذه القيادة إلى مرحلة تشبه الإمامة الإلهية بادّعاء النيابة العامة عن الإمام الثاني عشر الغائب".
وقال إن ذلك بقي "إلى أن وصلت الإمامة إلى ادّعاء الولاية العامة على الناس، وهي المعروفة بولاية الفقيه، وهكذا شكلت المرجعية الدينية الشيعية امتدادا لروح نظرية الإمامة الإلهية المنسوبة لأهل البيت، وحفتها هالة واسعة من القدسية والإيمان بحصر الشرعية الدستورية فيها، وفي المراجع كحكام شرعيين، في مقابل الحكام والملوك "الظالمين" مغتصبي السلطة الشرعية"، على حد قوله.
الاعتداد بالرأي والعلمنة
من جهته، قال الداعية السلفي المغربي، حسن الكتاني، إن "المرجعية الدينية في أوساط أهل السنة كانت موجودة قديما، وكان العامة في كل مذهب يتبعون فقهاءهم، كما يتبع مريدو التصوف مشايخهم".
وتابع الكتاني حديثه لـ"عربي21" مستدركا: "لكن مع بدايات القرن الماضي، ارتفعت أصوات دعاة الخروج عن المذاهب والتمرد على التصوف، وكان لهذه الدعوات نتيجتان"، واصفا إحداهما بـ"الجيدة، وهي التي جعلت الناس يجتهدون ويفكرون، ومن ثم يتركون كثيرا من الخرافات والآراء التي تسببت في تخلف الأمة".
أما النتيجة الثانية، فكانت المبالغة في الاعتداد بالرأي، حتى ما عاد للناس رأسا يحترمونه يرجعون إليه، بحسب الكتاني، الذي أنحى باللائمة على "العلمنة ودورها، بعد أن جرأت الناس على التكلم في الدين، وعدم احترام التخصصات الشرعية".
بدوره، لفت الباحث الشرعي الكويتي، محمد عبد الله المطر، إلى "تفاوت فهم الأئمة والمجتهدين للنصوص الشرعية، فالنص في ذاته ليس هو النص في ذاتنا، فما يفهمه المجتهدون من النص يتفاوت ويختلف ولا يشترط أن يكون هو المطابق للنص في ذاته".
وأضاف: "في زمن النبوة، كان الرسول عليه الصلاة والسلام هو المرجع الفصل، وبعد وفاته وقع الاختلاف والاجتهاد بين الصحابة في فهم النصوص الشرعية، واستنباط الأحكام منها، لكن لم تكن ثمة "مرجعيات دينية" بالمعنى الاصطلاحي المتداول في أوساط الشيعة، وإنما كان عامة الصحابة يرجعون إلى فقهائهم، وكذلك الحال في عصر التابعين، إلى أن استقر الأمر في عصر الأئمة المتبوعين".
وتابع المطر حديثه لــ"عربي21" بالقول: "تشكل المرجعيات الدينية عند الشيعة كان من أجل المحافظة على الرأي الديني الخاص بالشيعة، من خلال حصر المرجعية في أشخاص محددين، يرجع إليهم عامة الشيعة لضبط أمورهم الدينية، التي قد تمتد لتشمل الشأن السياسي وغيره من الشؤون الحياتية الأخرى".
المرجعية لا أصل لها بالإسلام
وأوضح المطر أن أهل السنة بصفتهم تيار الأمة الأوسع، يصعب بتنوع اجتهاداتهم الفقهية أن تكون لهم "مرجعيات دينية" تحمل صفة الوجوب والإلزام، كتلك التي عند الشيعة، مرجعا ذلك إلى أسباب عدة، يأتي في مقدمتها أن المرجعية بذلك المعنى المتداول في أدبيات الشيعة وممارساتهم، لا أصل له في دين الإسلام.
وشدد الباحث الكويتي المطر على أن "إيجاد تلك المرجعيات التي تمتلك حق حسم الاختلافات، وإلزام عامة المقلدين لها بآرائها، افتئات على حق المسلمين في الاختلاف"، متسائلا: "من الذي خوّل علماء الدين وفقهاء الشريعة حق حسم الاختلافات في كافة أمور الدين والدنيا، ليوصف بعد ذلك من خالفهم في شيء من ذلك بأنه عاص لله ورسوله؟".
دور تعليمي وليس سلطة
وأنهى المطر حديثه بالتأكيد على أن دور العلماء والفقهاء هو تعليمي وإرشادي وتثقيفي، من غير أن تكون لهم سلطة حاكمة على عامة المؤمنين، حتى لا تنشأ طبقة من "رجال الدين" تتحكم في حياة الناس باسم الدين، الأمر المرفوض الذي لا أساس له في دين الإسلام".