هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت وكالة "أسوشيتد برس" (AP) الأمريكية تقريرا تحدثت من خلاله عن الخفايا والأسرار غير المعلنة للتعاون العسكري والاستخباراتي بين قوات التحالف التي تقودها السعودية وبين الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن. ويبدو أن هذه الشراكة امتدت لتشمل عدة معاملات مع تنظيم القاعدة، الذي يسعى لخدمة مصالحه في اليمن، والتي تبدو مماثلة للأهداف التي يسعى التحالف لتحقيقها.
وعلى مدى السنتين الماضيتين، ادعى التحالف الذي تقوده السعودية، والمدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، مرارا وتكرارا أنه يحقق انتصارات حاسمة على أرض المعركة. وزعم التحالف أنه أجبر مقاتلي القاعدة على مغادرة معاقلهم في جميع أنحاء اليمن، فضلا عن مساهمته في إضعاف التنظيم بشكل جعله عاجزا عن القيام بهجوم يستهدف الغرب.
وبحسب صحفيي الوكالة الأمريكية الذين أجروا التحقيق وترجمته "عربي21"، فقد أكدوا أنه "يمكننا تبين الحقائق التي لم يكشف عنها المنتصرون، وهو أن العديد من الغزوات التي قاموا بها جرت دون الحاجة إلى إطلاق النار.
وبالنظر إلى نتائج التحقيقات التي قامت بها وكالة "أسوشيتد برس"، عقد التحالف عدة صفقات سرية مع مقاتلي القاعدة ودفع لبعضهم لمغادرة المدن والبلدات. كما ترك آخرين ينسحبون حاملين معهم الأسلحة والمعدات والأموال المنهوبة، في حين تم تجنيد مئات المقاتلين الآخرين للانضمام إلى التحالف نفسه.
ومكنت هذه التحالفات والتنازلات مقاتلي القاعدة من البقاء على قيد الحياة، لكنها تعتبر مخاطرة يمكن أن تؤدي إلى تقوية أخطر فرع تابع للمنظمة الإرهابية التي نفذت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. ومن جهتها، أفادت الأطراف الرئيسية في هذه المعاهدة أن الولايات المتحدة كانت على علم بالترتيبات، وهو ما دفعها إلى وقف هجماتها التي تشنها بواسطة الطائرات بدون طيار حتى انتهاء هذه المفاوضات.
وتعكس الصفقات، التي أماطت عنها وكالة "أسوشيتد برس" اللثام، المصالح المتناقضة للحربين اللتين تدور رحاهما في الوقت ذاته في هذا الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. ففي الصراع الأول، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية جنبا إلى جنب مع حلفائها العرب، خاصة الإمارات العربية المتحدة، بهدف القضاء على الجماعة المتطرفة المعروفة باسم القاعدة أو "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب".
وتتمثل المهمة الأكبر في كسب الحرب الأهلية ضد الحوثيين، وهم المتمردون الشيعة المدعومون من إيران. وتجدر الإشارة إلى أن مقاتلي القاعدة يقفون إلى صف التحالف الذي تقوده السعودية في هذه المعركة، وهو ما يجعلهم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الحوثيين.
وحيال هذا الشأن، أفاد مايكل هورتون، أحد الباحثين في مؤسسة جيمس تاون، وهي مجموعة أمريكية مختصة في تعقب الإرهاب، أن "عناصر الجيش الأمريكي تدرك بوضوح أن الكثير مما تفعله الولايات المتحدة في اليمن يساعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهناك قلق كبير بشأن ذلك".
وتابع هورتون أن دعم الإمارات والمملكة العربية السعودية في توجهها ضد ما تعتبره الولايات المتحدة توسعًا إيرانيًا، له الأولوية على محاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وحتى تحقيق الاستقرار في اليمن.
وتستند استنتاجات وكالة "أسوشيتد برس" إلى عدة تقارير تتمحور حول اليمن، فضلا عن عدة مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولاً، من بينهم ضباط يمنيون وقادة ميليشيات ووسطاء قبليون وأربعة أعضاء في فرع القاعدة.
والجدير بالذكر أن أغلب هؤلاء الأشخاص اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم قبل التحدث إلى وسائل الإعلام خوفاً من الانتقام. ومن جهتها، اتُهِمَتْ الفصائل المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، شأنها شأن معظم الجماعات المسلحة في اليمن، باختطاف أو قتل منتقديها.
وتوصلت تحقيقات "أسوشيتد برس" إلى استنتاج مفاده أن الميليشيات المدعومة من التحالف لطالما عملت على تجنيد نشطاء تابعين للقاعدة، أو المقاتلين الذين كانوا ينتمون إلى هذا التنظيم منذ وقت قريب، لأنهم ينظر إليهم على أنهم مقاتلون استثنائيون. ونتيجة لذلك، تتكون قوات التحالف من مزيج مذهل من الفصائل وأمراء الحرب القبليين والقبائل التي تقاتل دفاعا عن مصالحها المحلية. وفي خضم هذا التنوع، نجد أن المتشددين التابعين لتنظيم القاعدة متشابكون مع العديد منهم.
في الوقت الحالي، لا يزال أحد القادة اليمنيين، الذين تم وضعهم على قائمة الإرهاب الأمريكية خلال السنة الماضية نظير وجود مزاعم بانتمائه إلى القاعدة، يتلقى أموالاً من الإمارات العربية المتحدة لإدارة ميليشياته، وذلك حسب ما أفاد به مساعده الخاص خلال حديثه مع مراسلي "أسوشيتد برس" فإنه تم مؤخرا منح قائد آخر مبلغ 12 مليون دولار من الرئيس اليمني لقاء قتال قواته لصالحه، وذلك على الرغم من كون أحد أقرب مساعديه يعد شخصية معروفة في تنظيم القاعدة. وفي إحدى الحالات، قام وسيط قبلي، سبق له التوسط في صفقة بين الإماراتيين والقاعدة، بإقامة حفل عشاء لتوديع المقاتلين المتطرفين.
وصرح هورتون أن معظم أحداث الحرب التي تشنها الإمارات والميليشيات التابعة لها على تنظيم القاعدة تعد "مهزلة"، وقد قال إن "تحديد انتماءات الأشخاص، والقول إن أحدهم ينتمي إلى تنظيم القاعدة أو لا، يعتبر ضربا من ضروب الخيال. ويرجع ذلك بالأساس إلى العدد الكبير للتحالفات والصفقات التي تم عقدها".
وقد أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية أسلحة بقيمة مليارات الدولارات لفائدة قوات التحالف لمساعدتها على محاربة الحوثيين المدعومين من إيران، ناهيك عن كون المستشارين الأمريكيين يمدون قوات التحالف بمعلومات إستخباراتية تساعدهم على استهداف الخصوم على الأرض. وتزود الطائرات الأمريكية الطائرات الحربية التابعة للتحالف بالوقود عندما تكون في الجو. على الرغم من ذلك، لا تمول حكومة ترامب التحالف، ولا يوجد دليل واحد على كون الأموال الأمريكية ذهبت إلى مقاتلي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وخلال مؤتمر صحفي تم عقده في وقت سابق من هذه السنة في القاهرة، صرح مسؤول أمريكي كبير أن بلاده تدرك أن هناك عناصر للقاعدة متواجدون في صفوف القوات المناهضة للحوثيين. وأضاف المسؤول أنه "بما أن أعضاء التحالف يدعمون الميليشيات ويعينون قادة إسلاميين متشددين للإشراف عليهم، فإنه من السهل أن تقوم القاعدة بدس أعضائها وسط هذا الزاد البشري المختلط". وتجدر الإشارة إلى أن المسؤول الأمريكي اشترط عدم الكشف عن هويته بموجب شروط الإحاطة الإعلامية.
وفي الآونة الأخيرة، نفى البنتاغون بشدة تواطؤه مع مقاتلي القاعدة. وفي رسالة عن طريق البريد الإلكتروني إلى وكالة "أسوشيتد برس"، صرح المتحدث الرسمي باسم البنتاغون، سين روبرتسون، قائلا: "منذ بداية سنة 2014، أجرينا أكثر من 140 ضربة جوية لتصفية أبرز القادة التابعين لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتعطيل قدرة التنظيم على استخدام مناطق خارجة عن نطاق السيطرة من أجل تجنيد وتدريب الأشخاص والتخطيط لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة".
في المقابل، علق مسؤول سعودي كبير أن "التحالف الذي تقوده السعودية يواصل التزامه بمكافحة التطرف والإرهاب"، في حين لم يجب متحدث باسم الحكومة الإماراتية عن أسئلة وكالة "أسوشيتد برس" حيال هذا الشأن.
ومن جهته، نشر وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، تغريدة مفادها أن استراتيجية مكافحة الإرهاب المدعومة من الإمارات العربية المتحدة أثبتت نجاعتها، وأضاف أنه "أزال" آلاف المسلحين وحرمهم من الاحتماء في ملاذاتهم الآمنة. وبين قرقاش أن تنظيم القاعدة يشهد أضعف نسخه على الإطلاق منذ سنة 2012، مضيفا أن الإمارات وحلفاؤها فقدوا عددا كبيرا من المقاتلين خلال المعارك.
وقد وطأت أقدام قوات التحالف الأراضي اليمنية عقب اجتياح الحوثيين للشمال سنة 2015، ليشمل غزوهم العاصمة صنعاء. وبموجب ذلك، تبدو السعودية والإمارات مصممتين على وقف ما وصفته بالتحرك من "العدو" إيران لبسط نفوذها داخل اليمن. وأعلنت الدولتان الخليجيتان عن هدفهما الذي يتمثل في إعادة تنصيب حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً لتولي شؤون اليمن.
في واقع الأمر، يستفيد تنظيم القاعدة من الفوضى في اليمن. وقد دفع ذلك كاثرين زيمرمان، وهي باحثة في معهد معهد المؤسسة الأمريكية ، للقول إنه "من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشكلة في اليمن، ومن غير المنطقي أن نكون قد حددنا القاعدة كتهديد لنا، حيث أننا نمتلك مصالح مشتركة داخل اليمن، في حين يبدو أننا لسنا على وفاق خارجه".
في إطار هذا الصراع المعقد، تفيد القاعدة أن عدد أعضاءها، الذي قدره المسؤولون الأمريكيون بين 6000 و8000 عنصرا، آخذ في الارتفاع. وفي هذا الصدد، صرح أحد قادة تنظيم القاعدة، الذين يساعدون في تنظيم عمليات انتشار المقاتلين، أن جبهات القتال الأمامية ضد الحوثيين توفر أرضية خصبة لتجنيد أعضاء جدد، وقال إن "معنى ذلك أنه عندما ترسل 20 مقاتلا، يمكنك العودة صحبة 100 مقاتل".
وقد تواصل هذا القائد المعروف مع الصحفيين التابعين لوكالة "أسوشيتد برس" عن طريق تطبيق مراسلة آمن، كما اشترط عدم الكشف عن هويته لأنه لم يحصل على إذن من مجموعته للتحدث مع وسائل الإعلام. ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" هذه القصة بالاعتماد على منحة يقدمها مركز بوليتزر للإبلاغ عن الأزمات.
عشاء توديع جماعات تنظيم القاعدة
في شباط/فبراير، أشارت القوات الإماراتية وحلفاؤها من الميليشيات اليمنية بعلامة النصر على كاميرات التلفزيون، حين أعلنوا عن سيطرتهم على منطقة الصعيد، وهي إحدى المقاطعات التي تضم قرى عديدة تمتد عبر محافظة شبوة الجبلية، وهي منطقة هيمن عليها تنظيم القاعدة إلى حد كبير على امتداد ثلاث سنوات.
وقد كان ذلك بمثابة انتصار كبير بعد انتهاء عملية "السيف الحاسم" التي استمرت لأشهر طويلة. وقد أعلن السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة أن "هذه العملية ستعطل شبكة المنظمات الإرهابية وتقلل من قدرتها على شن هجمات في المستقبل". كما كان البنتاغون، الذي ساعد بعض المجموعات، يردد هذا الوعد، قائلا إن هذه المهمة ستضعف من قدرة الجماعة المتطرفة على اعتبار اليمن قاعدة للجهاد في الجزيرة العربية.
ووفقا لما قاله أحد الوسطاء القبليين، الذي كان مشاركا في صفقة انسحاب مقاتلي تنظيم القائدة، فإنه قبل بضع أسابيع من دخول تلك القوات، خرجت مجموعة من الشاحنات الصغيرة التي ثبتت عليها مدافع آلية، والتي كانت محملة بمسلحين ملثمين من تنظيم القاعدة من منطقة الصعيد دون التعرض لأي مضايقات.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت قد قتلت كبار قادة تنظيم القاعدة في هجمات بصواريخ أطلقتها طائرات دون طيار، علما وأن هذه الهجمات تسارعت وتيرتها في السنوات الأخيرة. ولكن في ظل هذا الانتصار، وكما هو الحال مع الانتصارات الأخرى التي أشاد بها التحالف، أفاد الوسيط أن الطائرات الأمريكية دون طيار تغيبت عن الموكب الكبير.
ووفقا لعواد الدهبول، وهو رئيس الأمن في محافظة الصعيد، فإنه بموجب شروط هذه الصفقة، وعدت دول التحالف أعضاء تنظيم القاعدة بأنها ستعطيهم مالا مقابل الانسحاب. وقد تم تأكيد هذه الرواية من قبل الوسيط القبلي ومسؤولين حكوميين يمنيين. وقال الدهبول إن نحو 200 من أعضاء القاعدة قد تلقوا مبالغ مالية، ولم يعرف إلى الآن ماذا كانت قيمة هذه المبالغ، لكنه قال إنه يعلم أن 100 ألف ريال سعودي (أي 26 ألف دولار) قد قدمت لأحد قادة تنظيم القاعدة بحضور مسؤولين إماراتيين.
وكما صرح الوسيط ومسؤوليْن اثنين، فإنه بموجب الاتفاق، سيتم تجنيد الآلاف من المقاتلين من القبائل المحلية ضمن قوات النخبة الشبوانية التي تمولها الإمارات العربية المتحدة. ومقابل كل ألف مقاتل، فإن 50 إلى 70 مقاتلا منهم سيصبحون أعضاء في تنظيم القاعدة. وفي هذا السياق، نفى صالح بن فريد العولقي، وهو زعيم قبلي مؤيد لدولة الإمارات، والذي كان مؤسس أحد فروع قوة النخبة، إبرام أي اتفاقات من التي تم ذكرها.
وفي هذا الصدد، أوضح العولقي أنه قام وبمساعدة بعض الزملاء بتشجيع بعض الشبان في تنظيم القاعدة في شبوة على الانشقاق، وهذا ما ساهم في تفكك الجماعة، مما اضطرها إلى الانسحاب من تلقاء نفسها. كما بين العولقي أن حوالي 150 مقاتلا من الذين انسحبوا قد سمح لهم بالانضمام مجددا إلى قوات النخبة، فقط بعد أن خضعوا لبرنامج "التوبة".
ولم تتم عملية القضاء على تنظيم القاعدة في محافظة شبوة وغيرها من المحافظات بشكل تام دون قتال، فقد اندلعت عديد الاشتباكات في بعض القرى، التي كانت معظمها ضد بعض الجماعات المتبقية من تنظيم القاعدة، والتي رفضت الموافقة على الاتفاق.
وفي هذا الإطار، صرح أحد أعضاء القاعدة السابقين لوكالة "أسوشيتد برس" أنه رفض هو ورفاقه عرضا من المال من قبل الإماراتيين. وردا على ذلك، قال إن فرقة من قوات النخبة قد حاصرتهم في بلدة الحوطة حتى انسحبوا. وحسب ما أفادت به وكالة "أسوشيتد برس"، فإن الصفقات التي تمت أثناء كل فترة حكم كل من أوباما وترامب قد ضمنت بشكل عام انسحاب متشددي القاعدة من عدة مدن، بالإضافة إلى مدن كبرى أخرى استولت عليها المجموعة سنة 2015.
والجدير بالذكر، أن هذه الصفقة الأولية التي تمت في ربيع سنة 2016، قد ساهمت في خروج الآلاف من مقاتلي القاعدة من مدينة المكلا، وهي خامس أكبر مدينة في اليمن، كما أنها تضم ميناء رئيسيا يطل على بحر العرب.
ووفقا لخمسة مصادر، بما في ذلك مسؤولون عسكريون وأمنيون وحكوميون، فقد تم تأمين الطريق للمقاتلين، كما سمح لهم بالاحتفاظ بالأسلحة والأغراض المنهوبة من المدينة، التي تصل قيمتها تقريبا إلى 100 مليون دولار. وقد ذكر أحد زعماء القبائل الكبار الذين رأوا القافلة وهي تغادر أن "كلا من الطائرات المقاتلة التابعة للتحالف والطائرات الأمريكية دون طيار لم تشن أي هجوم، وهذا ما جعلني أتساءل عن السبب الذي جعلها تتغاضى عن استهدافها".
وحسب ما صرح به قائد يمني سابق ذا شأن، فإن أحد الشيوخ القبليين قد تنقل بين قادة تنظيم القاعدة في المكلا والمسؤولين الإماراتيين في عدن من أجل إبرام هذه الصفقة. فضلا عن ذلك، تحركت القوات المدعومة من التحالف بعد مرور يومين، معلنة أن مئات المقاتلين قد قتلوا، كما اعتبروا عملية السيطرة كجزء من الجهود الدولية المشتركة للتغلب على الجماعات الإرهابية في اليمن.
ولم يبلغ أي شهود عن مقتل متشددين، لكن أحد الصحفيين المحليين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من التعرض للانتقام، قد صرح لوكالة "أسوشيتد برس" قائلا: "لقد استيقظنا صباحا لنجد أن تنظيم القاعدة قد انتهى دون أي قتال". وبالنظر إلى ما أفاد به خمسة من الوسطاء القبليين المشاركين في المفاوضات، فإنه بعد مرور فترة وجيزة، تم عقد اتفاق آخر مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب للانسحاب من ست مدن في محافظة أبين، بما في ذلك عاصمتها زنجبار. ومرة أخرى، تمثل البيان الرئيسي للاتفاق في أن التحالف والطائرات دون طيار الأمريكية ستوقف كل الهجمات مع انسحاب قوات تنظيم القاعدة.
وقد قال أربعة مسؤولين يمنيين إن الاتفاق تضمن أيضا حكما ينص على ضم 10 آلاف من رجال القبائل المحليين من بينهم 250 رجلا من مقاتلي القاعدة إلى قوات الحزام الأمني، وهو القوة اليمنية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة في المنطقة. وعلى امتداد أسبوع تقريبا في شهر أيار/مايو من سنة 2016، غادر المسلحون على متن شاحنات.
وقد أخبر أحد الوسطاء "أسوشيتد برس" أنه استضاف آخر المقاتلين المغادرين لعشاء وداع بين بساتين الزيتون والليمون، وذلك حين توقفوا في مزرعته لزيارته. كما قال وسيط آخر يُدعى طارق الفضلي، وهو جهادي سابق تدرب على يد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إنه كان على اتصال بالمسؤولين في السفارة الأمريكية ومع التحالف الذي تقوده السعودية، وهذا ما جعلهم مطلعين على آخر التطورات بشأن الانسحاب، حيث أورد: "عندما غادر آخرنا، قمنا بالاتصال بقوات التحالف ليقولوا إنهم قد رحلوا".
سنتحد مع الشيطان
بمجرد التفكير أن تنظيم القاعدة تمثل مجموعة إرهابية دولية فستتغاضى عن واقعها الآخر. فبالنسبة للكثير من اليمنيين، يعتبر تنظيم القاعدة مجموعة من الجماعات الإرهابية الأخرى، لكنها مجموعة خطيرة جدا ومسلحة ومحصنة للغاية. وقد لا يكون أعضاؤها غرباء، إذ أنه على مر السنين، قام تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ببناء أمة، وذلك من خلال بناء علاقات مع القبائل، وشراء الولاء والزواج من العائلات الكبرى، وهو ما يعتبرونه غالبا من الوسائل الناجعة.
وقد كان الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الرجل القوي طوال فترة حكمه الطويلة، هو من وضع هذا النموذج. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تحصل على مليارات الدولارات من الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، كما أنه قام بتجنيد المقاتلين لمواجهة خصومه. وفضلا عن ذلك، اتهم أيضا نائب رئيس اليمن الحالي، علي محسن الأحمر، الذي كان قائدا عسكريا لعقود، بتجنيد الجهاديين.
على ضوء ذلك، سيكون الأمر أكثر غرابة إذا لم يكن المتشددون متورطين ضد الحوثيين، خاصة وأن متشددي القاعدة هم من السنة المتطرفين الذين يسعون إلى التغلب على المتمردين الشيعة. وقد قال خالد باطرفي، وهو أحد كبار القادة في القاعدة، في مقابلة سابقة لم يتم نشرها كان قد أجراها سنة 2015 مع صحفي محلي، والتي تحصلت عليها "أسوشيتد برس" إن "مقاتلي القاعدة موجودون على جميع خطوط المواجهة الرئيسية التي تقاتل المتمردين".
خلال الشهر الماضي، قال باطرفي إنه "بالنسبة للذين على الخطوط الأمامية، فهم بالتأكيد على علم بمشاركتنا، فنحن إما نقاتل مع إخواننا في اليمن أو ندعمهم بالسلاح". وأوضح باطرفي أن القاعدة قد قللت من هجماتها ضد قوات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وقوات التحالف الذي تقوده السعودية لأن مهاجمتها ستكون لصالح المتمردين الحوثيين. وفي شأن ذي صلة، كشف عضو بارز في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في إجابات مكتوبة إلى "أسوشيتد برس"، أن الفرع يتبع توجيهات زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، لمحاربة المتمردين.
وقد كشفت "أسوشيتد برس" أن المقاتلين ينضمون إلى المعارك بشكل مستقل في بعض الأماكن. لكن في العديد من الحالات، يقوم قادة الميليشيات من الطائفة السلفية المتشددة، وجماعة الإخوان المسلمين، بضمهم مباشرة إلى صفوفهم، مما يمكنهم من الاستفادة من تمويل التحالف. وتجدر الإشارة إلى أن فرع جماعة الإخوان في اليمن هو منظمة سياسية إسلامية متشددة قوية متحالفة مع الرئيس اليمني.
وقال عضو في تنظيم القاعدة إن اثنين من القادة الأربعة الرئيسيين المدعومين من قوات التحالف على طول ساحل البحر الأحمر هم حلفاء لتنظيم القاعدة. وقد أحرزت قوات التحالف تقدما كبيرا على الشريط الساحلي، الذي يقاتل حاليا بهدف السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي. في نفس السياق، أظهر مقطع الفيديو المصور الذي التقطته "أسوشيتد برس" في كانون الثاني/يناير سنة 2017 وحدة مدعومة من التحالف تتقدم نحو مدينة المخا في محافظة تعز، كجزء من حملة ناجحة تم بفضلها استعادة مدينة البحر الأحمر في نهاية المطاف.
وكان بعض المقاتلين في الوحدة يقاتلون بشكل علني تحت راية تنظيم القاعدة، حيث كانوا يرتدون الزي الأفغاني ويحملون أسلحة تحمل شعار التنظيم. وكان بالإمكان رؤية الانفجارات في الأفق التي تسببها الغارات الجوية لقوات التحالف على عناصر التنظيم وهم وراء المدافع الرشاشة التي تقلها شاحنات النقل الخفيفة.
وفي مقابلة شخصية أجرتها "أسوشيتد برس"، أكد أحد أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في آيار/مايو الماضي عند مشاهدته لمقطع الفيديو أن المقاتلين ينتمون بالفعل إلى مجموعته. وقد عُرفت مجموعته من خلال مشاركتها في سيطرة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على المدينة الجنوبية سابقا.
ويعتبر تأثير تداخل مقاتلي القاعدة مع حملة التحالف التي تقودها السعودية واضحا وجليا في مدينة تعز، التي تعد من أكبر المدن اليمنية من حيث عدد السكان. وتشهد هذه المدينة أطول المعارك الدائرة منذ اندلاع الحرب. وتقع مدينة تعز في منطقة المرتفعات الوسطى. وتعتبر هذه المدينة العاصمة الثقافية لليمن، فهي مصدر تاريخي للشعراء والكتاب ونخبة التكنوقراط المثقفين. وقد تعرضت المدينة للحصار من قبل الحوثيون سنة 2015 واحتلوا السلاسل الجبلية المحيطة بها، وقاموا بإغلاق المداخل المؤدية للمدينة وتعرضت للقصف بلا رحمة.
نتيجة لذلك، قام سكان تعز بالتصعيد في الرد على الهجوم التي تعرضت له مدينتهم. وقد قامت قوات التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بضخ الأموال والأسلحة، كما هو الشأن بالنسبة للمسلحين من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، واستهدفت كل الأطراف المشاركة العدو ذاته.
واضطر أحد النشطاء الليبراليين لحمل السلاح إلى جانب رجال آخرين من حيه للدفاع عن المدينة، ليجدوا أنفسهم في النهاية يقاتلون جنباً إلى جنب مع أعضاء القاعدة. وعلق الناشط، الذي اشترط عدم الكشف عن هويته، قائلا: "لا يوجد تصفية في الحرب. فكلنا معا". وأضاف الناشط أن القادة تسلموا أسلحة ومساعدات أخرى من قوات التحالف ووزعوها على جميع المقاتلين بما في ذلك مقاتلو القاعدة.
وأوضح المستشار السابق لحاكم تعز، عبد الستار الشميري، إنه يدرك منذ البداية بوجود مقاتلي القاعدة في المدينة، وحذر القادة من تعيين أعضاء منهم. ونقل الشميري ردهم حين أخبروه: "سوف نتحد مع الشيطان لمواجهة الحوثيين". وقد قام المستشار السابق بتحذير مسؤولي التحالف الذين أبدوا انزعاجهم ولكنهم لم يتخذوا أي إجراء حيال هذا الشأن. وأضاف الشميري أن "تعز في خطر محدق. فعندما نتخلص من الحوثيين سنكون قد أصبحنا في مأزق في مواجهة الجماعات الإرهابية".
وقال الناشط والمسؤولون في المدينة إن أحد المجندين الرئيسيين لمقاتلي القاعدة هو عدنان رزيق، وهو عضو سلفي رشحه الرئيس هادي ليكون قائدًا عسكريًا كبيرًا. وكانت ميليشيا رزيق سيئة السمعة بسبب عمليات الخطف وأعمال القتل في الشوارع. وقد أظهر أحد مقاطع الفيديو على الإنترنت أعضاءها يرتدون أقنعة وهم يطلقون النار على رجل معصوب العينين وهو راكع. وتتميز مقاطع الفيديو الخاصة بهذه المليشيا بأناشيد وشعارات شبيهة بتلك الخاصة بتنظيم القاعدة.
ووفقا لمسؤول أمني يمني، كان أحد كبار مساعدي رزيق من كبار أعضاء تنظيم القاعدة الذي كان قد فر من سجن في عدن سنة 2008 إلى جانب معتقلين آخرين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وقد أظهرت صور عديدة كشفت عنها "أسوشيتد برس" وجود رزيق مع قادة معروفين ضمن التنظيم في السنوات الأخيرة.
وفي تشرين الثاني /نوفمبر، عيّن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي رزيق رئيسًا لقاعات عمليات تعز لتنسيق الحملة العسكرية، بالإضافة إلى تعيينه قائدا أعلى لقوة مقاتلة جديدة، تعرف بكتيبة الحماية الرئاسية الخامسة. كما منحت وزارة الدفاع رزيق مبلغ 12 مليون دولار لتمويل هجوم جديد ضد الحوثيين. وحصلت "أسوشيتد برس" على نسخة من إيصال بالمبلغ، كما أكد أحد مساعدي رزيق هذا الرقم. لكن في المقابل، نفى رزيق أي صلة له بالمتشددين، وقال في تصريح للوكالة أنه "لا وجود للقاعدة" في محافظة تعز.
في الأثناء، ظهر أمير حرب آخر مدعوم من التحالف مدرج في القائمة الأمريكية للإرهابيين بسبب صلته بتنظيم القاعدة. وقد حصل أمير الحرب السلفي المعروف باسم الشيخ أبو العباس على ملايين الدولارات من التحالف لتوزيعها بين الفصائل المناهضة للحوثيين، وفقاً لتصريح مساعده عادل العزي. وعلى الرغم من وضعه على قائمة الإرهابيين في تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن الإمارات العربية المتحدة تواصل تمويله، وفقا لتصريح العزي لوكالة "أسوشيتد برس".
من جهته، نفى المساعد وجود أي صلة بالمسلحين ورفض وضع اسم رئيسه على قائمة الإرهاب الأمريكية. ومع ذلك اعترف بأن "القاعدة قد حاربت على جميع الخطوط الأمامية جنبا إلى جنب مع جميع الفصائل". ومباشرة بعد انتهاء اللقاء مع الوكالة، لمحه فريق "أسوشيتد برس" يلتقي بقائد سابق آخر في تنظيم القاعدة ويعانقه بحرارة.
ويدير أبو العباس ميليشيا تمولها قوات التحالف وتسيطر على عدة مناطق في تعز. ويظهر مقطع فيديو أصدره تنظيم القاعدة سنة 2016 مسلحين يرتدون الزي الأسود مع شعار القاعدة يقاتلون جنبا إلى جنب مع ميليشيات أخرى في مناطق خاضعة لسيطرته.
وقد قال مسؤول أمني سابق في تعز إن المقاتلين وقوات أبو العباس قد قاموا بمهاجمة مقر الأمن سنة 2017 وإطلاق سراح عدد من المشتبه بهم من أفراد تنظيم القاعدة. وقال الضابط إنه أبلغ قوات التحالف بالهجوم ليعلم بعد ذلك بفترة وجيزة أن التحالف قام بإعطاء أبو العباس 40 شاحنة إضافية. وقال الضابط: "كلما قمنا بالإبلاغ عنهم، كلما تمت مكافأتهم". وأضاف المسؤول أن "قوات التحالف تمنح قادة تنظيم القاعدة عربات مدرعة في حين أن قادة الأمن لا يملكون مثل هذه المركبات".