هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية مقالا للكاتب سايمون تيسدال، يناقش فيه كيف أصبحت العقوبات وفرض التعرفة أسلحة كبيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويقول تيسدال في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن أسلوب "اضربهم حيث توجعهم"، الذي يتبعه ترامب في سياسته الخارجية قد يؤدي إلى نتائج عكسية إن اتحد الخصوم ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول الكاتب إن "التدخل العسكري هو إحدى طرق فرض إرادة أمريكا، بالإضافة إلى أن الدبلوماسية والمفاوضات هما الطريقان المفضلان لدى معظم الرؤساء،. لكن طريقة الرئيس ترامب مختلفة، فمنذ توليه المنصب اختار رئيس أمريكا فرض العقوبات الاقتصادية، ورفع التعريفة الجمركية".
ويشير تيسدال إلى أن "وزارة الخزانة الأمريكية فرضت عقوبات على 944 كيانا أجنبيا وفردا في عام 2017، وهذا سجل قياسي، ويتوقع أن يتجاوز الرقم هذا العام الألف، وهناك قائمة تحتوي على 28 برنامج عقوبات فاعلا،تتراوح من بيلاروس إلى بروندي وفنزويلا وزيمبابوي، وفي شهر شباط/ فبراير استهدف أشخاصا وشركات في لبنان وليبيا وكولومبيا وباكستان والصومال والفلبين".
ويبين الكاتب أن "العقوبات في عهد ترامب تولد عقوبات أخرى، ففي الأسبوع الماضي تمت معاقبة شركات صينية وروسية بسبب خرقها منعا سابقا للتجارة مع كوريا الشمالية، وسواء كانت شركات صواريخ أو خمور أو سجائر فإن الشرطي (الشيريف العالمي) دونالد ترامب يتابع القضية".
ويفيد تيسدال بأن "(الحرب المالية) تتنشر اليوم على مساحات واسعة من الكرة الأرضية، من كندا إلى أوروبا إلى روسيا والصين، وضمن هذه الموجة فستكون أي دولة ليست على قائمة العقوبات الأمريكية الاستنثاء لا القاعدة، وكانت آخر دولة على قائمة العقوبات هي تركيا، التي أدخلت البلد في أزمة مالية، ووصفها الرئيس رجب طيب أردوغان بـ(طعنة في الظهر)".
وينوه الكاتب إلى أن "هذه العقوبات تأتي بعد عقوبات مماثلة على روسيا مرتبطة بالغاز السام، ومحاولة اغتيال عميل روسي مزدوج في بلدة سالزبري البريطانية، فيما استهدفت إيران قبل فترة بعقوبات بعد خروج الولايات المتحدة من المعاهدة للحد من نشاطات طهران النووية، وهاجم ترامب نظامها المالي ومصالحها التجارية، وستستهدف العقوبات في المرحلة المقبلة نظامها المصرفي وصادراتها النفطية".
ويرى تيسدال أن "المثير للخوف هو أن ترامب يتصرف في سياسة العقوبات دون أي تحذير مسبق ولا مفاوضات جدية، فبات شعاره: (اصرخ وهدد ثم عاقب)، وبعد هذا كله يقدم عروضه الكريمة بالحديث وجها لوجه، كما فعل مع كوريا الشمالية والاتحاد الأوروبي".
ويبين الكاتب أن "ترامب يستخدم في حملات العقوبات تعبيرات حقيقية أو مرتبطة بالرأي العام؛ لإظهار غضبه الشخصي، وضرب معارضيه، وجذب قاعدته الانتخابية، وبعد ذلك ومثل الرأسمالي العتيق يضرب أهدافه في المكان الذي يعتقد أنه يوجع أكثر، فالحروب العسكرية مكلفة في العادة، وتنتهي بطريقة سيئة، وملاحقة المال أفضل".
ويقول تيسدال إن "استخدام هذا السلاح معقول بالنسبة لترامب، فهو كونه تاجر عقارات ورجل أعمال يعلم أن الاموال تغير العالم، وهذا بالنسبة له هو سوق كبير يعد فيه المال الملك، ويهدف للحصول منه على صفقة لا تغييره للأفضل، فالهدف المعلن لترامب من وراء العقوبات وحروبه الجمركية هو حماية أمريكا من (المنافسة غير العادلة)، وهو أمر يسهل فهمه، ويشرح دون أي مبرر الإجراءات التي اتخذت ضد الاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا".
ويستدرك الكاتب بأن "التناقض الظاهري أن ترامب لم يكن قادرا على فرض عقوباته دون العولمة التي يعاديها، ومنحت أمريكا التأثير المالي الواسع، فضربت العقوبات الأمريكية الصين بطريقة سيئة، ففي الشهر الماضي زادت واشنطن تعرفة جمركية بنسبة 25% على الواردات الصينية، التي تصل إلى 320 مليار دولار، وسيتم فرض تعرفات جديدة بقيمة 16 مليار دولار هذا الأسبوع، ولم يكن هذا النفوذ متوفرا لأمريكا قبل 50 عاما".
ولا ينفي تيسدال الدوافع السياسية والاستراتيجية من العقوبات، التي تهدف لفرض الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن الشركات المتعددة الجنسيات تعتمد على الدولار في تعاملاتها، فيما تقترض الاقتصاديات الناهضة بالدولار.
ويبين الكاتب أنه "عندما تقوم وزارة الخزانة بزيادة سعر الفائدة، كما هو متوقع في الشهر المقبل، فإنها تزيد معها كلفة خدمة الديون وأسعار الاقتراض".
ويرى تيسدال أن "العقوبات على إيران تقف وراءها دوافع سياسية، خاصة أن ترامب لم يخف نواياه من تغيير النظام في إيران، لكن كما هو الحال في تركيا، فإن المتضرر الأكبر من العقوبات هم الناس العاديون لا القادة".
ويتساءل الكاتب: "لكن هل تنفع حقا هذه الوسيلة؟"، ويعطي مثالا يقول فيه إن "حملة (الضغط الأقصى) على كوريا الشمالية دفعت الأخيرة للتفاوض، لكن (ديكتاتور) كوريا الشمالية لا يزال صعب المنال".
ويذهب تيسدال إلى أن "حروب ترامب المالية إلى جانب سياسته القائمة على مبدأ (أمريكا أولا) ينظر إليها على أنها تقويض للنظام العالمي المتعدد والمبني على عدد من القواعد، ترمز لها منظمة التجارة العالمية، وتؤذي هذه السياسية الأمريكيين أيضا؛ لأن المصدرين وجدوا أنفسهم أمام مبدأ المعاملة بالمثل وفرض تعريفات جمركية عالية عليهم هم أيضا".
ويختم الكاتب مقاله بالقول : "كلما زاد اعتماد أمريكا على العقوبات أحادية الجانب، زاد احتمال رفض الدول أن تكون جزءا من اللعبة".