لا يريد الرئيس
الفلسطيني أن تمر ترتيبات التهدئة بين
حماس وإسرائيل إلا من
تحت جناحه، وكما قال في لقاءاته مع مسؤولين فلسطينيين،
فإن هذا الاتفاق لن يمر إلا على جثته!!
سلوك
لا يليق بمن يزعم أنه رئيس لشعب، وتصرف أقل ما يقال فيه أنه غير وطني، خصوصا إذا
ارتبط بسلسلة من العقوبات فرضها على أهل
غزة؛ بقطع الرواتب عن الموظفين وقطع
الكهرباء، وتعمده تعطيل الحوار مع حماس ورهنه بتجريد غزة من السلاح الذي تدافع به
عن نفسها أمام عدو لا يفهم إلا لغة القوة.
عطل
عباس المصالحة منذ البداية، وحتى عندما تخلت حماس عن حكم غزة استمر في المطالبة بنزع
سلاح المقاومة، وهو المطلب الذي تخلت عنه
إسرائيل مؤخرا في محادثات التهدئة بوساطة
مصرية، مكتفية بالمطالبة بوقف حفر الأنفاق الهجومية وعدم تهريب الأسلحة!!
والآن
يصر عراب أوسلو وراعي التنسيق الأمني مع الاحتلال، والذي سبق ووصف المقاومة بأقذع
الأوصاف، أن يكون هو وليس غيره من يوقع اتفاق التهدئة، وذلك لكي يكيفه لخدمة
الاحتلال، كما فعل ويفعل في الضفة، ويستخدمه للبقاء على سدة الحكم الذاتي بعد أن
شعر بقرب أجله في السلطة.
ينسقون
ويتنازلون ويدينون التهدئة
الغريب
أن عباس وزبانيته يتهمون حماس بأنها تتساوق مع صفقة العصر، ويتجاهلون أنهم هم وليس
غيرهم الذين يتحالفون مع العدو لحصار غزة، وأن الإسرائيليين متفقون معهم على أنه
لا تهدئة شاملة إلا بوجود السلطة، وأن ما يجري الآن - في حال نجاحه - هي إجراءات
لتخفيف الحصار، وليس رفعه بالكامل، مقابل حصول العدو على تهدئة تمتنع فيها فصائل
المقاومة عن إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة.
النائبة
العربية في الكنيست الإسرائيلي، حنين الزعبي، وصفت عباس بأنه "يتصرف مع شعبه
كأنه إسرائيلي متورط ويستخدم المصالحة لأجندة شخصية والسلطة لا تمثل الفلسطينيين
وهي متورطة في عذاباتهم".
أما
عضو اللجنة المركزية في الجبهة الشعبية خالد بركات، فقال في تصريح لصحيفة الرسالة
بغزة إن "من ينسق أمنيا لا يجوز أن يشارك بمباحثات التهدئة، وإذا أرادت
السلطة أن تكون جزءا منها عليها أن توقف عن تنسيقها الأمني وتطلق سراح المعتقلين
من سجونها، وتتوقف عن تكريس الانقسام الكارثي".
وأكد
أن من يجب إشراكه في المسائل المتعلقة بالمقاومة وتكتيكاتها هي حاضنتها وجمهورها،
وليست السلطة في رام الله، "فجمهور المقاومة وحاضنتها الشعبية من حقه أن يعرف
ويقرر، أما من ينسق أمنيا مع العدو ويعاقب شعبه، فهؤلاء شيء آخر تماما، لا يجوز أن
يكون لهم دورا مقررا في أي شيء يتصل بالمقاومة والتهدئة وغيرها".
لماذا
هذا الموقف؟
إذا
حاولنا أن نفهم هذا الموقف من عباس وسلطته، فنشير إلى أن عباس استنفد غرض وجوده
على رأس السلطة لدى كل من إسرائيل وأمريكا.
ورغم
أنه كان إلى وقت قريب خيارهما الأفضل وخيارهما الاستراتيجي بعد غياب عرفات، إلا
أنه - حسب العدو - بات عاجزا عن قيادة الشعب الفلسطيني وتوحيد كلمته في مواقفه
السياسية، في ظل انفكاك تحالفه مع فصائل المنظمة عنه، ومنافسة حماس بقوة له، إلى
درجة أنها باتت العنوان لفلسطينيي غزة ومنافس قوي له في الضفة، رغم قبضة أجهزته
الأمنية وتنسيقها مع العدو، والذي لم يعد كافيا بالنسبة لإسرائيل، طالما أن قيادات
الأجهزة الأمنية قادرة على العمل تحت راية شخصية قوية غير عباس الضعيف والمريض.
عباس
يزعم أنه يرفض صفقة العصر، بينما يعمل على الأرض لصالحها ويهيئ الأجواء لصالحها في
غزة عبر ما أسماه إجراءاته العقابية للقطاع بسبب استمرار الانقسام الفلسطيني.
كما
أنه بخطواته هذه يمنع تشكيل إجماع فلسطيني ضد الصفقة، فيعقد اجتماع المجلس المركزي
الأخير في رام الله، رغم مقاطعة فصائل العمل الفلسطيني الرئيسية، كما يقمع ويلاحق
من يتضامن مع غزة في أراضي حكمه الذاتي الذي منحته إياه إسرائيل، كما يلاحق أي
مبادرات شعبية للتعبير عن رفض الفلسطينيين لصفقة القرن، في الوقت الذي يدفع فيه
هذا الشعب دماءه في غزة رفضا للصفقة ورفضا للاحتلال.
عباس
لا يريد إجماعا فلسطينيا، فهو يحارب المصالحة ويحارب حراك شعبه في الضفة، وهذا
السلوك يدل على أنه متساوق مع صفقة العصر وليس رافضا لها.
غير
أن الأهم في سلوك عباس هو إرضاء غروره، والإصرار على أن يظل على رأس هذا الشعب
مهما كلف ذلك من ثمن.
مصلحة
الشعب الفلسطيني وتضميد جراحه النازفة في غزة لا تهم عباس أبدا، وكيف تهمه وهو
يواصل حصار غزة ويتوعد، هو ومن يحيط به من المنتفعين المتعاملين مع الاحتلال،
بالمزيد، وذلك على عكس فصائل العمل الوطني التي تسعى لتخفيف أو وقف الحصار عن غزة
بتهدئة لا تعدو كونها امتدادا لتهدئة 2014، حيث يحظى الموضوع بإجماع فصائلي!