دشن قرويون
مصريون مبادرة أهلية جديدة لتيسير الزواج تهدف إلى مواجهة مغالاة الأهالي في مطالبهم لإتمام الزيجات والذي يترتب عليه عجز كثير من الشباب عن تكوين أسر جديدة نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار في السنوات الأخيرة.
ويقول مراقبون إن آلاف الشباب في سن الزواج يعزفون عن الزواج بسبب ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وعدم قدرتهم على توفير متطلبات الزواج مثل الشقة والأثاث وتكاليف حفل الزفاف، وهو ما تسبب بدوره في ارتفاع نسب
العنوسة بالمجتمع.
وتعد مغالاة كثير من الأهالي في مطالب الزواج وطلب مهر مرتفع وشبكة (هدية ذهبية للعروس) وأثاث وأجهزة كهربائية بمبالغ عالية بغرض التفاخر أمام الأقارب والجيران، ما زالت عادات منتشرة في كثير من المحافظات.
وثيقة تيسير الزواج
وأطلق مواطنون من محافظات ريفية بدلتا مصر مبادرة جديدة، وأصدروا وثيقة أهلية تتضمن بنودا واضحة تم الاتفاق عليها فيما بينهم لتقليل الأعباء على المقبلين على الزواج بغرض محاربة التقاليد والأعراف الخاطئة.
واجتمع أهالي قرية "الجديدة" بمحافظة الشرقية، واتفقوا على وثيقة "تيسير الزواج" التي تضمنت 13 بندا، من بينها التقليل من قيمة "الشبكة" المقدمة للعروس، والاقتصار على خاتم ودبلة ومحبس فقط وإلغاء حجرة السفرة (الطعام) والنيش (خزانة لحفظ الأكواب والأواني الفاخرة التي تشتريها العروس وعرضها للتباهي بها أمام ضيوفها) والاقتصار على الأجهزة الكهربائية الأساسية فقط.
وقال إبراهيم جمال الدين، أحد القائمين على المبادرة بقرية "الجديدة" إن الأهالي شكلوا لجنة تزور المساجد بعد صلاة الجمعة وتلتقي العائلات الكبرى في أماكن تجمعاتهم للتواصل مع الأهالي ونشر الفكرة فيما بينهم، كما أنهم نشروا الوثيقة في وسائل التواصل الاجتماعي حتى يعرف بها أكبر عدد ممكن.
وفي قرى "الجزيرة" و"ميت طاهر" و"ميت تمامة" بمحافظة الدقهلية، نظم الأهالي مؤتمرا تحت عنوان "مبادرة تيسير الزواج"، بحضور المئات من شباب وكبار عائلات القرية لشرح أهداف المبادرة والتخلي عن العادات المتوارثة التي تسببت عزوف كثير من الشباب عن الزواج.
دعم برلماني وأزهري
وفي سياق متصل، رحب أعضاء بمجلس النواب بهذه المبادرات وأكدوا على دعمهم لأي محاولات لإزالة المعوقات من طريق الشباب المقبل على الزواج.
من جانبه أعلن النائب إسماعيل نصر الدين، في بيان له الأسبوع الماضي، تدشين حملة بعنوان "زواج بدون مغالاة" تعقد لقاءات مفتوحة مع المواطنين بحضور رجال الدين والثقافة، لحث الأهالي على عدم المغالاة في مطالبهم، مؤكدا أن هذا الطريق سيحد كثيرا من تزايد حالات الزواج العرفي.
وأعلنت النائبة سولاف درويش، أنها ستتقدم باقتراح لتشكيل لجنة "حكماء ومشورة قبل الزواج" تضم متخصصين لتوعية المقبلين على الزواج وإقناع الأهالي بعدم المغالاة في مطالبهم، مشيرة إلى أن الإحصائيات الرسمية أثبتت انخفاض معدلات الزواج الرسمي في البلاد عام 2017 إلى 10.3 في الألف، مقابل 11 في الألف عام 2010، بالتوازي مع ارتفاع ظاهرة العنوسة حيث أظهرت البيانات أن 472 ألف فتاة من الحاصلات على مؤهل جامعي فأعلى وصلن إلى سن الـ35 عاما فأكثر ولم يتزوجن بعد.
ولاقت الفكرة ترحيبا من الأزهر الشريف، حيث قال الشيخ عباس شومان وكيل الأزهر، في مقال له بصحيفة "المصري اليوم" الاثنين الماضي، إن هذه المبادرات أمر محمود، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم إن "أكثرهن بركة أقلهن صداقًا".
نشوز اجتماعي
وتعليقا على هذه المبادرات قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس طه أبو حسين إنها تحصن المجتمع من الوقوع في الرذائل وتعد أحد الحلول المجتمعية لمواجهة المشاكل المتفاقمة نتيجة السلوكيات الخاطئة التي يتم ممارستها منذ عقود.
وأوضح أبو حسين، في تصريحات لـ"
عربي21"، أن التباهي بكثرة الأثاث وتجهيزات الأفراح هي عادة متوارثة، ولم يكن كثير من الناس يشعر بضررها لأن الأوضاع الاقتصادية كانت مستقرة، أما الآن، وفي ظل
الغلاء الفاحش الذي نعيشه وعجز كثير من الشباب عن تلبية مطالب الأهالي، فقد أصبحت هذه العادة حاجزا حقيقيا أمام إتمام آلاف الزيجات.
وأضاف أن حصر هذه المبادرات في بنود معينة تتعلق بالأثاث أو أسماء بعض الأجهزة الكهربائية قد يفسدها ويقلل من تأثيرها، مشيرا إلى أنه من الأفضل حث الأهالي على تقليل نفقات الزواج بشكل عام حتى لا يتم حصرها في أشياء عينية.
وتوقع طه أبو حسين أن تلقى هذه المبادرات قبولا عاما من المجتمع شريطة أن يقدم الأثرياء على تطبيقها ليكونوا قدوة لباقي الشرائح، أما إذا ظل البسطاء فقط هم من يطبقها فإن ذلك يمثل حرجا لهم وقد يرفضها الأهالي فيما بعد حتى لا يوسموا بالفقر والعجز عن توفير مستلزمات الزواج لأبنائهم.
وأشار إلى أن هناك الكثير من الفقراء الذين يقترضون ويورطون أنفسهم في قضايا جنائية حتى يلبوا مطالب الزواج لأبنائهم، واصفا هذا السلوك بأنه "نشوز اجتماعي" حيث يحاول الفقير إظهار نفسه على غير حالته الحقيقية والهرب من الاتهامات بالفقر و"المعايرة" بين الأقارب والمعارف.