هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد خبراء في البيئة والاقتصاد أن بيان وزارة البيئة ردا على تقرير مجلة فوربس الذي وضع العاصمة المصرية القاهرة على قائمة أسوأ 10 مدن في العالم في التلوث الهوائي والضوئي والضوضائي، لا ينفي حقيقة أن القاهرة أكثر مدن العالم تلوثا وضوضاء.
وسبقت القاهرة مدنا مثل نيودلهي وبكين وموسكو واسطنبول وشانغهاي وبوينس أيرس وباريس ولوس أنجلوس، واعتمد التصنيف على مقياسين هو قياس تلوث الهواء، وقياس تلوث الضوضاء، وعزا أسباب تصدر القاهرة لقائمة المدن العشرة الأكثر تلوثا في العالم إلى المناخ الحار، وندرة الأمطار، والشوارع الضيقة، والازدحام المروري.
وردا على تقرير مجلة "فوربس" نشرت وزارة البيئة المصرية، الأحد، بيانا كذبت فيه ما جاء في التقرير، ووصفته بأنه غير دقيق، وغير علمي، ولا يستند إلى أدلة، أو حقائق علمية، وتجاهل جهود الوزارة في تقليل أسباب التلوث، وتحسين مؤشرات العمل البيئي.
إلغاء وزارة البيئة
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن نحو 7 ملايين شخص يموتون سنويا بسبب تلوث الهواء الذي يؤثر على الرئتين والقلب والأوعية الدموية، ويسبب أمراضا عدة، منها السكتة الدماغية وأمراض القلب والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي.
وفي أعقاب صدور التقرير، أطلق بعض نواب البرلمان مقترحا لإلغاء وزارة البيئة، حيث تقدمت النائبة شيرين فراج، بمذكرة لرئيس الحكومة، لإلغاء وزاره البيئة، وذلك بعد صدور تقرير عالمي وضع القاهرة المدينة الأكثر تلوثا على مستوى العالم بفارق كبير".
حقيقة التلوث
وبشأن تعارض بيان وزارة البيئة المصرية مع تقرير فوربس، قال مستشار وزير البيئة السابق، حسام محرم، لـ"عربي21":" بغض النظر عن الاختلاف حول المعدلات الصحيحة لتلوث هواء الجو في القاهرة الكبرى، فإن هناك العديد من الأسباب التي تجعلها أكثر مدن العالم تلوثا فيما يتعلق بتلوث الهواء والضوضاء"، مضيفا أن "في مقدمة تلك الأسباب زيادة أحمال تلوث الهواء عن المسموح به؛ نتيجة فقدان الدولة السيطرة على النمو العمراني، وما يرتبط بذلك من نمو سكاني، وارتفاع هائل في انبعاثات الغاز والضوضاء".
وتابع: "ومن الأسباب الأخرى، القصور في الأداء البيئي لعدد من المنشآت الصناعية في القاهرة الكبرى وضواحيها، وكذلك القصور في الأداء البيئي لمنظومة النقل وما ينتج عنها من عوادم تعتبر المساهم الأكبر في التلوث، إلى جانب القصور في أداء منظومة المخلفات الصلبة بأنواعها".
وأكد أن "ظاهرة تلوث الهواء مسؤولية تراكمية عبر عقود، ومسؤولية تضامنية بين شركاء العمل البيئي كافة على المستوى الوطني، وهم وزارة البيئة، والوزارات المعنية، والمحليات، وقطاع الأعمال العام والخاص، والمجتمع المدني البيئي، ولا تقع المسؤولية على عاتق وزارة البيئة وحدها، رغم ما تبذله من جهود في هذا الصدد سواء على محور رصد نوعية الهواء، ومحور تحسين نوعية الهواء".
وأرجع محرم ضعف الأداء البيئي بوجه عام إلى "عدة عوامل منها القصور في التخطيط البيئي التنفيذي، ويعود ذلك إلى القصور في التنفيذ لغياب الوعي البيئي، ومن ثم غياب الإرادة لوجود مصالح تعيق الالتزام ببنود تلك الخطة من أطراف وشركاء العمل البيئي كافة، وبالأخص جماعات المصالح، ومراكز القوى الاقتصادية".
سوء التخطيط والأداء
الباحث في الهندسة البيئية، عمر الحداد، عزا أزمة تلوث القاهرة إلى "سببين، أحدهما طبيعي، والآخر، بتدخل بشري"، مشيرا إلى أن "مشكلة القاهرة أنها لم تحظ بتخطيط جيد، والنتيجة أن المصانع بنيت بالقرب من المناطق السكنية، وتسببت في إخراج كميات كبيرة من العوادم، وبمرور الوقت زحف التوسع العمراني حتى تخوم تلك المصانع، وصارت تشكل خطرا كبيرا على صحة المواطنين، وما زاد الطين بلة، هو سوء عمليات تنقية عوادم المصانع من الغازات والأتربة والعوادم الضارة؛ نتيجة ضعف الأداء البيئي".
مضيفا لـ"عربي21" أن من بين الأسباب أيضا؛ مركزية القاهرة، فهناك أكثر من مليوني شخص يدخلون القاهرة نهارا ويخرجون ليلا، مما يسبب ضغطا كبيرا على وسائل المواصلات، وكنتيجة طبيعية تتسبب في خروج كميات ضخمة من العوادم السامة مثل أول أكسيد الكربون".
اقرأ أيضا: القاهرة أسوأ مدن العالم في التلوث.. لماذا؟ (إنفوغرافيك)
وأرجع ذلك إلى "إهمال الحكومة للعاصمة تخطيطا ومتابعة"، مشيرا إلى أن تأثير التلوث على المواطنين واضح "في كثرة الإصابات بالأمراض التنفسية، وبعض الدراسات تشير إلى أن سكان بعض مناطق القاهرة القريبة من المصانع يعاني أطفالهم من أمراض في الرئة جراء تراكم المواد الضارة لا يرجى الشفاء منها، ما يعني خروج أجيال غير قادرة على العمل".
تكلفة اقتصادية باهظة
وعلى الصعيد الاقتصادي، قال الخبير والمستشار الاقتصادي، حسام الشاذلي، لـ"عربي21" إن" كل المؤشرات الدولية في التعليم والصحة وجودة الحياة وغيرها، تؤكد تدهور الوضع في مصر بصورة غير مسبوقة، وبناء عليه، لم يكن مستغربا بأي حال من الأحوال أن تأتي القاهرة على رأس المدن الأكثر تلوثا في العالم".
وحذر من أن "تكلفة التلوث البيئي تتعدى سنويا العشرين مليار دولار في مصر، وأكثر ما يخشى أثره هو التأثير المباشر على صحة القوة البشرية المنتجة في مصر، ويعتبر التلوث هو العامل الأول في إصابة الأفراد بالأمراض العقلية، وأمراض القلب والسرطان والصدر وكلها من الأمراض التي من شأنها أن تهدد أي نهضة اقتصادية أو إنتاجية، أضف إلى ذلك التأثير المدمر على قطاعات الزراعة، وصيد الأسماك، والسياحة، وكلها قطاعات مهمة ورئيسية في مصر".
وفند تراجع أداء الحكومة، قائلا: "من الجدير بالذكر أن مصر كانت قد حققت بعض التقدم في تقليل حالات الوفيات المصاحبة التلوث بين عامي 1990 و 2013 حيث قلت الحالات من 40،881 إلى 39،118 ولكن الكارثة بدأت في التفاقم مرة أخرى منذ عام 2013 وخاصة في ظل منظومة حاكمة فاشلة على كل الأصعدة، وبشهادة كل المؤشرات الدولية المعتمدة."