بعد 3 أسابيع من افتتاح رئيس سلطة الانقلاب
العسكري بمصر، عبدالفتاح السيسي، لمصنع الأسمنت التابع للجيش، والذي وصف بأنه الأكبر
بالشرق الأوسط، قررت الحكومة بشكل نهائي إغلاق وتصفية الشركة
القومية للأسمنت، آخر
قلاع الصناعة الوطنية، وتسريح عمالها بعد 60 عاما من العمل بالسوق
المصرية والعربية.
وفي 15 آب/ أغسطس الماضي، افتتح السيسي
مجمعا صناعيا بنته الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، عبارة عن 3 مصانع
للأسمنت تنتج 20 بالمئة من إنتاج مصر، بنحو ( 11 مليون طن) سنويا.
السيسي يعلن توقفها
السيسي، أثناء افتتاح مصنع الأسمنت التابع
للجيش أشار لغلق القومية للأسمنت، وانتقد رواتب عمالها قائلا: "متوسط مرتبات
مصنع القومية اللي بيخسر من 12 - 14 ألف جنيه شهريا، وكمان العمال عاوزين حوافز،
طب مهو طبيعي يتوقف عن العمل"، وهو ما نفته اللجنة النقابية للمصنع موضحة أن
مرتبات العمال الأساسية بين (2500 – 3500) جنيه.
وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، قال الجمعة،
لموقع "الوطن": "سيتم الدعوة لجمعية عامة للشركة القومية الأسبوع
المقبل؛ لاتخاذ القرار النهائي بالتصفية"، مشيرا إلى أن الدراسة التي أعدتها
جامعة القاهرة أكدت أن المؤشرات والأرقام الخاصة بالشركة غير مشجعة، واستمرارها
يزيد الخسائر.
من جانبه، كشف نائب رئيس الشركة القابضة
للصناعات الكيماوية، وليد الرشيدي، عن احتمال بيع أصول وأراضي القومية للأسمنت،
موضحا أن أصولها تمكنها من سداد المديونيات لشركات الغاز والكهرباء والبنوك
والتأمينات، وتعويض العمالة عن قرار الإغلاق والتصفية، كما أشار بتصريحات صحفية إلى مقترح إنشاء وزارة الإسكان مشروعا سكنيا على مساحة 800 فدان من أرض الشركة.
تضاعف الخسائر 10 مرات في عام واحد
والقومية للأسمنت التي تأسست عام 1956، وتعد
آخر شركة أسمنت تملكها الدولة، بعد خصخصة مثيلاتها بعهد مبارك، لحساب مستثمرين
أجانب، بدأت أولى خسائرها عام 2013 بنحو 138 مليون جنيه، وفي 2015 حققت 120 مليون
جنيه خسائر، وفي 2016 تضاعفت الخسائر (10 مرات) لتصل مليار جنيه.
وأعلنت وزارة قطاع الأعمال، في آب/ أغسطس
الماضي، أن خسائر الشركة بلغت 1.5 مليار جنيه في 4 سنوات، وديونها للبترول
والكهرباء فقط نحو 3.7 مليار جنيه، وقالت عن سبب الخسائر إنها "رصدت مخالفات
جسيمة للإدارات السابقة، أهمها إسناد التشغيل والصيانة لشركة أجنبية، على الرغم من
توفر الخبرة المحلية بما يكلف الشركة نحو 360 مليون جنيه سنويا"، ما يشير إلى
أن الأزمة إدارية.
التساؤلات حول عدم دعم الشركة الوطنية بدلا
من التخلص منها وبناء أخرى تابعة للجيش، تشغل بال الكثيرين عبر مواقع التواصل،
الذي توقع بعضهم أن إغلاق القومية للأسمنت يأتي في إطار إخلاء الطريق أمام شركات
ومصانع
الجيش، وأن ذلك يثري
اقتصاد الجيش على حساب اقتصاد الدولة، متسائلين عن ضم
أرباح المجمع الجديد للموازنة العامة، للدولة أم للجيش.
دولة موازية
وفي تعليقه على تلك الرؤية، قال الخبير
الاقتصادي، رضا عيسى، إن "الأمر غير مرتبط بالقومية للأسمنت فقط رغم أهميتها
وتاريخها؛ بل إنه أخطر من ذلك"، مشيرا إلى توقف نحو 4500 مصنع مصري، موضحا
أنها "طاقات معطلة وغير مستغلة، بينها "القومية للأسمنت"،
و"سيدي كرير للبتروكيماويات" و"البتروكيماويات المصرية"
و"النصر للسيارات" و"الشرقية للدخان".
عيسى، أضاف لـ"
عربي21": "يبدو أن عملية قيام دولة موازية تتم الآن"، مشيرا إلى أنه "برغم
وجود (ماسبيرو)، بكل إمكانياته وخبراته يقوم النظام بشراء فضائيات خاصة بمليارات
الجنيهات بدلا من تطوير تليفزيون الدولة، ورغم وجود (القاهرة) يتم بناء العاصمة
الإدارية بدلا من تطوير العاصمة التاريخية للبلاد".
وحول احتمالات بيع أراضي القومية للأسمنت
وأصولها، وجه عيسى تساؤله للحكومة قائلا: "ليست القومية فقط، فما مصير الشركات
الوطنية الأخرى الكبرى مثل (مجمع حلوان للحديد والصلب)؟ وما هو وضعه الآن؟"،
مضيفا: "وما نية الحكومة تجاه (مجمع الألومنيوم) بنجع حمادي؟ وما الموقف حول بنك
القاهرة؟".
وحول مصنع أسمنت الجيش ببني سويف، أكد
الاقتصادي المصري أن هذا المصنع ليس جديدا بالكامل، حيث تم افتتاح مراحل سابقة منه
قبل سنوات، مشيرا إلى أهمية معرفة "من هو المالك لذلك المجمع؟ وضرورة طرح
أسهمه بالبورصة، ومعرفة ونشر ميزانياته رسميا، وأن يدفع الضرائب للدولة".
وبشأن ما يثار حول إخلاء النظام الطريق أمام
شركات الجيش بتصفية الشركات الكبرى المنافسة لمشروعاته، قال: "من المفترض أن
يكون دخول الجيش مجال الاقتصاد حسب العرض والطلب، ولتخفيف الأعباء عن الشعب كأن
يحل محل القطاع العام، ويحقق التوازن بالسوق، ويقلل الأسعار، لا ليقتسم كحكة الأرباح
مع رجال الأعمال فقط".
وحول اعتبار أن ما يحدث هو إثراء لاقتصاد
الجيش على حساب اقتصاد الدولة الذي يتحمل أعباء الشعب ومتطلباته ويعاني تحت آثار
الديون، أعلن عيسى أسفه قائلا: "يبدو هذا الرأي سليما على الأقل
ظاهريا"، مشيرا إلى أن "صندوق النقد والبنك الدوليين غير سعيدين بهذا
الأمر"، مؤكدا طلبهما من الحكومة "تخفيض تدخل الجيش في الاقتصاد، ودعم
المستثمرين والقطاع الخاص"، مبينا أن "أول خطوة للنجاح هي الاعتراف
بوجود المشكلة، وهو ما لا تعترف به الحكومة".
وصمة عار لا تقل عن تيران
وعبر مواقع التواصل، أثار خبر تصفية القومية
للأسمنت استنكار كثير من المتابعين، وقال الصحفي عبد الحليم سالم، عبر
"فيسبوك": "إغلاق وتصفية الشركة القومية للأسمنت إن تم (وصمة عار)،
فهناك شركات خاسرة نحو 40 مليار جنيه، ولم تغلق شركة منها"، مضيفا: "من
المسؤول؟ وأين الحساب؟".
فيما وصف الكاتب مختار عبد العال الأمر
بأنه "كارثة جديدة"، بإغلاق الشركة وتسريح 2300 عامل وتعويضهم وبيع
الأرض لسداد المديونية، قائلا: "ما يحدث يفوق القدرة على الاستيعاب.. إنهم
يدمرون مصر".
وقال ياسر عيسى: "خسارة الشركة متعمده؛ حتى يتم إغلاقها، مثل ما حدث للنصر للسيارات"، مضيفا: "ويتم العمل الآن
على تخسير بعض الشركات العملاقة تمهيدا لغلقها".
وانتقدت هدى التوابتي صمت الاشتراكيين
والعمال وعدم وجود أي معارضة، قائلة: "إغلاقها يوم حزين لا يقل عن قهرنا لبيع
(تيران وصنافير)، واستكمال لسلسلة خراب الاقتصاد لصالح اقتصاد الجيش بالدرجة
الأولى، وبعده رجال الأعمال القريبين منه".