فتحت أزمة استقالة عدد من قضاة مجلس
القضاء الأعلى في الضفة الغربية، على إثر خلافات نشبت بينهم وبين الرئيس محمود
عباس؛ ملف تغول السلطة التنفيذية في مفاصل القضاء خصوصا منذ تولي محمود عباس رئاسة السلطة بداية العام 2005.
وكان 14 قاضيا من أصل 27 هم أعضاء المحكمة العليا
الفلسطينية، قد قدموا استقالتهم يوم الأربعاء الماضي، وذلك احتجاجا على تعديل الرئيس عباس لقانون السلطة القضائية، الذي يمس في توصياته صلاحيات المحكمة العليا ويضعها تحت تصرف الرئيس بما يخالف القانون الأساسي الذي ينص على مبدأ فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وكانت الأزمة بين الطرفين قد تفجرت في أعقاب تشكيل الرئيس محمود عباس للجنة من خارج مجلس القضاء الأعلى لتعديل قانون السلطة القضائية، فيما اعتبر المجلس أن ذلك يعد مخالفة للأصول القانونية التي ينص عليها القانون الأساسي.
وتستعرض "
عربي21" في هذا التقرير تفاصيل الأزمة بين مجلس القضاء الأعلى والرئيس، والتي ما تزال أصداؤها قائمة حتى اللحظة.
تجاوز مجلس القضاء
إلى ذلك أكد القاضي الذي قدم استقالته من مجلس القضاء الأعلى عزت الراميني، أن "قرار الاستقالة جاء بعد إدراك قضاة المحكمة العليا أن اللجنة التي شكلها الرئيس بحجة إصلاح جهاز القضاء لم تمر وفق الأصول والتشريعات القانونية، حيث لم يتم استشارة المجلس بتشكيل هذه اللجنة التي ضمت أطرافا من السلطة التنفيذية وهم وزير العدل، والنائب العام، ورئيس مجلس القضاء، ومستشار الرئيس، في حين أن الدستور الفلسطيني ينص على أن عملية إصلاح الهيكل القضائي هي من اختصاص أعضاء مجلس القضاء الأعلى فقط".
وأضاف الراميني في حديث لـ"
عربي21" أن "مجلس القضاء يدرك أن المؤسسة القضائية تحتاج إلى إصلاحات، وقمنا بالعديد من الخطوات في هذا الصدد من بينها تقديم مسودة للرئيس محمود عباس في عامي 2013، 2014، تضم في بنودها تعديلات هامة لإصلاح هيكل القضاء الفلسطيني بما يتلاءم مع الظروف الحالية، ولكن رفض الرئيس في ذلك الوقت أن يطلع أو يصادق على هذه الإصلاحات".
وتابع، أن "التوصيات التي خرجت بها اللجنة التي شكلها الرئيس تمس بهيبة واختصاصات مجلس القضاء الأعلى، ومن بين التوصيات التي نتحفظ عليها أن الرئيس يجيز لنفسه تشكيل لجنة لتقييم القضاة واتخاذ ما يشاء من إجراءات قانونية بحقه، في حين أن هذه القرارات تقع ضمن اختصاصات المجلس الذي يقوم بشكل دوري بتقييم القضاة وفقا للأصول والصلاحيات المخولة إليه، وهذا يعتبر تدخلا من السلطة التنفيذية في السلطة القضائية".
ونوه أن "اللجنة التي ستقيم القضاة هم جزء من السلطة التنفيذية الذين يتبعون الرئيس، وبإمكانهم عزل وتعيين ما يشاؤون من القضاة وفق لمصالحهم، وهذا يعني أننا أمام مذبحة يشرف عليها الرئيس لتصفية أعلى سلطة قضائية وتشريعية في فلسطين".
وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان مدى تغول رئيس السلطة محمود عباس في عمل السلطة القضائية، ولعل من الشواهد على ذلك إقالته بطريقة مخالفة للدستور لرئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار سامي صرصور في 12 من تشرين الأول/ أكتوبر 2016، بعد 10 أشهر على تعيينه في هذا المنصب، وذلك نتيجة احتدام الخلافات بين صرصور وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح توفيق الطيراوي، الذي اتهمه الطيراوي بموالاته للقيادي محمد دحلان.
انتهاك القانون الأساسي
من جانبه أوضح نائب رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي، النائب محمد بدر، أن "طريقة إدارة رئيس السلطة محمود عباس للمؤسسات القضائية والتشريعية الفلسطينية، تنصب بشكل أساسي لخدمة بقائه في السلطة، منوها إلى أن القانون لا يجيز للرئيس أن يشكل لجنة من خارج مجلس القضاء الأعلى لتقييم القضاة وعزلهم وفق أهوائه ومصالحه الشخصية على اعتبار أن مجلس القضاء كيان اعتباري مستقل بذاته ومنفصل عن أي سلطات تابعة للدولة".
وتابع النائب في حديث لـ"
عربي21" أن "المساس بالسلطة القضائية من قبل السلطة التنفيذية سيخلق واقعا جديدا يقوم على مبدأ إقصاء كل من يعارض قرارات السلطة التنفيذية، وهذا ما سيضع الحالة الفلسطينية أمام تحدٍ جديد قد ينسف كل القوانين والمسوغات التي ينص عليها الدستور والقانون الأساسي الذي ينص على مبدأ فصل السلطات ويضع السلطة الفلسطينية بكافة مكوناتها أمام فراغ دستوري وتشريعي وقانوني".
من جانب أخر، يرى مدير مؤسسة الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان مجدي أبو زيد، أن "اللجنة التي شكلها الرئيس لإصلاح القضاء استوفت كافة المعايير، حيث ضمت اللجنة ممثلين عن منظمات المجتمع المدني وأكاديميين متخصصين في القضاء، وهي خطوة مهمة إذا ما التزمت الأطراف المعنية بالتوصيات المقررة عنها، لأن عملية إصلاح هيكل القضاء الفلسطيني بات ضرورة ملحة في ضوء ما تعانيه الحالة الفلسطينية من تداخل في صلاحيات السلطات التنفيذية والقضائية في ضوء غياب المجلس التشريعي عن ممارسة أي دور تشريعي أو رقابي".
وأضاف أبو زيد في حديث لـ"
عربي21" أن "ائتلاف أمان سيراقب عمل اللجنة ومدى التزامها بالتوصيات التي خرجت عنها، وفي حال حدوث أي تقصير سواء من السلطة التنفيذية والقضائية سيتم الوقوف عليها والدعوة لمحاسبة كل من تسبب في هذا التقصير".