هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "إيريس" الفرنسي حوارا مع الصحفي والمؤرخ دومينيك فيدال، سلط فيه الضوء على أسباب انتشار الشعبوية في الأوساط السياسية الغربية وعلى كيفية الحد من تفاقم هذه الظاهرة.
وقال الموقع في حواره الذي ترجمته "عربي21" إن السؤال الأول يتمحور حول مفهوم التيارات الشعبوية، الذي نظّر له هذا المؤرخ في كتابه الصادر ضمن سلسلة "إيتا دي موند 2019" تحت عنوان "عودة الشعبوية".
وعن هذا السؤال، أجاب دومينيك فيدال أن "الشعبوية أضحت من أهم التوجهات السياسية الرئيسية في العالم المعاصر. فقد شهدنا تتالي أحداث دالة على ذلك، على غرار مسألة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ثم انتخاب دونالد ترامب، والزلزال السياسي الذي جد في إيطاليا".
وأضاف فيدال أنه "في المجر، فاز كل من فيدس (الاتحاد المدني المجري) ويوبيك (الحركة من أجل مجر أفضل) بأكثر من 68 بالمئة من الأصوات، الأمر الذي عزز نفوذ "القطب الشعبوي" المكون من بودابست-وارسو-براتيسلافا. وقد انضمت جمهورية التشيك إلى هذا القطب في السنة الماضية. أما في النمسا، فقد شارك حزب الحرية النمساوي، الذي أسسه يورج هايدر، في التشكيلة الحكومية، كما نافس أيضا من أجل الوصول إلى الرئاسة".
وأردف الموقع، نقلا عن هذا المؤرخ، أن "النتائج التي تحصل عليها الشعبويون اليمينيون وغيرهم من اليمينيين المتطرفين في الانتخابات قد تجاوزت 10 بالمئة، من جملة الأصوات في 15 دولة أوروبية، و20 بالمئة في ثماني دول أخرى. وقد سجلت المجر، إلى جانب سويسرا، أرقاما قياسية، حيث بلغت فيها نسبة التصويت لصالح المنتمين لهذا التيار 29 بالمئة. وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الشعبوية لا تنتشر في بلدان العالم الغربي فقط، وإنما في بلدان أخرى أيضا. ولتأكيد ذلك، يمكن الاكتفاء بذكر كل من فلاديمير بوتين، ورودريغو دوتيرتي، وناريندرا مودي، وعبد الفتاح السيسي، وبول كاغامه".
اقرأ أيضا: هل يحتل اليمين المتطرف البرلمان الأوروبي سنة 2019؟
في السياق ذاته، أوضح فيدال أن "مفهوم هذه المفردة يختلف باختلاف الفترات الزمنية التي تنتشر فيها هذه الظاهرة. فشعبوية النارودنكس، التي برزت في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر مختلفة تماما عن تلك التي ظهرت مع نازية ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. علاوة على ذلك، تختلف خصائص هذه الظاهرة وفقا لتطورها في شمال أو جنوب إحدى البلدان، وكذلك لانتمائها إلى الإيديولوجيات اليمينية أو اليسارية. وباختصار، لا تُمثل الشعوبية عقيدة متماسكة المبادئ، بقدر ما تُشكل عددا من الخطابات والممارسات السياسية".
وتطرق الموقع إلى أن السؤال الثاني يتعلق بأصول وأسباب انتشار موجات الشعبوية هذه. وردا على ذلك، أورد دومينيك فيدال أن "السياق الداخلي هو الرابط المشترك بين هذه الخطابات والممارسات. ويُسهم اندلاع أزمات ذات خمسة أبعاد (تُعاني منها عديد البلدان والشعوب) في تفاقم هذه الظاهرة".
وفي توضيحه لهذه الأبعاد الخمسة، أشار المؤرخ إلى أن البعد الأول يتمثل في التدهور الاقتصادي والاجتماعي، الذي يعود سببه إلى انتشار التفرقة واللامساواة، حيث "تغذي هذه الدوافع الحركات الشعبوية التي تدعي أنها تدافع عن "الفقراء" من تجاوزات "الأغنياء"". أما ثاني أبعاد هذه الأزمة الشاملة، فيتعلق بظهور أزمة هوية في مجتمعات عديدة. في الحقيقة، ينتج عن البطالة والفقر والتقاعد القسري تدن أخلاقي ينضاف إلى تراجع جميع القيم التقليدية. ويستغل الشعبويون هذه العوامل لنشر توجهاتهم".
ونقل الموقع عن هذا المؤرخ أن "البعد الثالث يرتبط بأزمة سيادة الدولة، التي تحرم من عدد من خصوصياتها لصالح هياكل تتجاوز نطاقها الوطني والمحلي. وبذلك، برزت ميولات نحو إنشاء دولة قومية. وفي هذا السياق، يدعو العديد من الشعبويين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويذهب البعض منهم إلى نشر كره الأجانب والعنصرية أحيانا، فضلا عن معاداة السامية وخاصة الإسلاموفوبيا".
"أما البعد الرابع، فيظهر من خلال فقدان الثقة في المؤسسات الديمقراطية، التي يتهمها الشعبويون بخيانة الشعب مقابل دعم "رأس المال المعولم". ومن المؤكد، أنه مقارنة ببقية الأبعاد، يحظى هذا البعد بأهمية شديدة، ذلك أنه يتعلق بغياب البدائل عن الأنظمة القائمة. ففي كل البلدان التي تمتلك فيها الأحزاب الشعبوية وزنا هاما في الساحة السياسية، نُلاحظ غياب بدائل ذات مصداقية، سواء في صفوف تلك المنتمية إلى اليمين أو اليسار"، وفقا لما أفاد به المؤرخ.
وأضاف الموقع أن السؤال الثالث، حول عودة الشعبوية في البلدان الغربية، مرتبط بالوسائل الناجعة لمكافحة هذه الظاهرة. وقد أجاب فيدال عنه مفيدا أنه "من الواضح أن مكافحة الشعبوية تفترض صراعا ضد أطروحاتهم المختلفة، فضلا عن الممارسات التي يقومون بها حين يصل مؤيدوهم إلى السلطة. كما يُمكن أن نستنتج أن المعركة ضد هذه الظاهرة ليست ذات طابع أخلاقي فحسب، بل يجب التفكير في المقام الأول في تقديم حلول مختلفة ومتماسكة، قادرة على احتواء الانتظارات الشعبية الجديدة في جميع المجالات".
وفي الختام، نقل الموقع عن دومينيك فيدال تصريحه بأن "المسألة المحورية تتمثل في إعادة تشكيل أو تكوين بدائل ذات مصداقية، على المستويين الوطني والأوروبي وعلى الصعيد العالمي أيضا. وسيكون هذا التغيير الجذري في مفهوم هذه التوجهات السبيل الوحيد للقضاء على الأوهام الشعبوية".
اقرأ أيضا: تنامي ظاهرة العداء للاجئين من قبل "متطرفين" بألمانيا