هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حوالي خمسة وعشرين قتيلا حتى كتابة هذه السطور، هم ضحايا الهجوم
المسلح الذي شهدته منطقة "الأحواز" العربية في غرب إيران، وهي إمارة
عربية كبيرة قامت إيران باحتلالها قبل حوالي مئة عام وضمها إلى الدولة الجديدة
بتواطؤ بريطاني، وتشهد الأحواز منذ عشرات السنين حركات عربية معارضة تدعو للحفاظ
على الهوية العربية في وجه جهود "التفريس"، وأخرى تدعو لتحريرها من
الاحتلال الإيراني، ويتعرض الوجود العربي هناك لعمليات قمع عنيفة للغاية ومستديمة،
سواء بالإعدامات للنشطاء أو الاعتقالات الجماعية، خاصة أن المنطقة ثرية بالنفط
والمعادن، وأغلب تلك الحركات كانت سلمية، لكن العملية المسلحة التي وقعت اليوم هي
استثنائية بكل المقاييس وغير مسبوقة في تلك المنطقة، ولذلك كان وقعها مزلزلا في
المنطقة نظرا لخطورة دلالاتها وعواقبها.
الهجوم المسلح وقع على عرض عسكري يقيمه الحرس الثوري الإيراني بحضور
كبار المسئولين في الدولة، وقام به أربعة مقاتلين مجهولين حتى الآن، وأسفر عن مقتل
خمسة وعشرين شخصا أغلبهم من عناصر الحرس الثوري، إضافة إلى حوالي خمسين مصابا
بعضهم إصابته خطيرة، مما جعل المسئولين الإيرانيين يرجحون زيادة الوفيات مع الوقت.
حتى
الآن لا يعرف بالضبط من هي الجهة المسئولة عن العملية، وكان متحدث باسم حركة
النضال العربي لتحرير الأحواز قد أعلن مسئولية جماعته عن الهجوم، غير أن تنظيم
داعش الإرهابي سارع هو الآخر وأعلن مسئوليته عن العملية، وبطبيعة الحال تتجه
الاتهامات الإيرانية إلى الاختيار الثاني، لأنه مربح سياسيا، بتسويق أن إيران
مستهدفة من تنظيم داعش الإرهابي، وليست من حركة تحرير وطني إيرانية، والمشكلة هنا
أن المهاجمين الأربعة قتلوا في العملية، ثلاثة منهم في موقع الحادث والرابع قتل
عند نقله للمستشفى، حسب الرواية الإيرانية، وبالتالي فقد انقطع الخيط الأهم في
تحديد الجهة المسئولة، وتصبح الروايات كلها متساوية لأجل غير مسمى.
الجيش
الإيراني اتهم "دولتين خليجيتين" بالمسئولية عن الهجوم، وبأنهما قامتا
بتدريب المهاجمين وتسليحهم وتمويلهم، وهو كلام يقترب من الفضيحة، لأنه صدر بعد
ساعة أو ساعتين من العملية، والمهاجمون الأربعة قتلوا، ولا يوجد أي تحقيقات، ولا
أي أدلة، مما يعني أن الإيرانيين تسرعوا في استثمار العملية في خدمة حساباتهم
العسكرية والسياسية في منطقة الخليج، حيث هناك صراع مفتوح وبالوكالة بين إيران
والمملكة العربية السعودية، خاصة في اليمن،
كما أن تطوع تنظيم داعش للإعلان السريع عن مسئوليته دون أي أدلة أو
علامات قدمها، يصب أيضا في خدمة المصالح الإيرانية، والحقيقة أن علامات استفهام
كثيرة طرحت خلال السنوات الماضية عن علاقة إيران بكل من تنظيم القاعدة وداعش، خاصة
وأن كثيرا من كوادر التنظيمين كانا في الأراضي الإيرانية، أو في السجون التي تشرف
عليها إيران ووكلائها في العراق وسوريا، كما أنه طوال أعمال التفجير والقتل التي
مارستها داعش في الخليج والعراق وسوريا، إلا أن البلد الوحيد الذي ظل محصنا من
عملياتها كان إيران.
أيا
كانت الجهة التي تقف وراء العملية، إلا أنها مؤشر خطير على أن إيران دخلت في حزام
العنف العرقي والطائفي الذي يعصف بالمنطقة، والذي تفجر بعد ثورتها في 1979 التي
تحولت إلى مشروع تمدد وهيمنة يستخدم الاختراق الطائفي عبر وكلائها من تنظيمات
وكوادر ويوظفه بكل وسائل العنف لفرض أجندته في المنطقة، كما أن إيران يصعب عليها
أن تستجلب الإدانات السياسية على تلك العملية، لأنها الدولة التي شرعت للمنظمات
الموالية لها استخدام السلاح ضد نظم الحكم أو ضد الآخرين، وهي الدولة التي وضعت
اسم خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس المصري أنور السادات، على أحد أهم شوارع
عاصمتها، كما أنها الدولة التي تمول حزب الله في لبنان وميليشيات العراق في سوريا
وميليشيات الحوثي في اليمن والمنظمات الإرهابية في شرق السعودية، أي أنها هي التي
فتحت باب اللعب بالنار عن طريق الوكلاء في المنطقة، ويبدو أن النار بدأت تقترب من
يدها وقلبها للمرة الأولى.
علامة
استفهام أخرى يمكن طرحها على ارتباط العملية وتوقيتها بصبيحة التهديد الأمريكي على
لسان وزير الخارجية "بومبيو" لإيران بأنها ستواجه الردع الأمريكي مباشرة
إذا تعرضت مصالحها للخطر حتى لو كان المتورط وكلاءها في المنطقة وليست هي، فإذا
بنا في الصباح التالي نفاجأ بالعملية !.
على
كل حال، يبدو أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة، يلقي الجميع فيها بكل أوراق اللعب التي
يملكونها والتي كانوا يتعففون عن استخدامها في السابق، ويبدو أن الصيغة الإيرانية
التي أحسنت إيران استخدامها طوال السنوات الماضية لخلط الأوراق في المنطقة ستغري
الآخرين باستخدام الطريقة نفسها، خاصة بعد أن نجحت إيران بالفعل في إثارة الفوضى
والخراب والفتن الطائفية على نطاق واسع في العراق وسوريا ولبنان والخليج واليمن،
وعرضت الأمن القومي للمنطقة بكاملها للخطر الكبير.
عن صحيفة المصريون المصرية