إن كانت الزيارة بالأساس تأتي في إطار المشاركة في اجتماعات الدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن
السيسي ونظامه لن يفوتوا فرصة التواجد في أمريكا دون تقديم فروض الولاء والطاعة لراعي البلطجة في العالم، والتأكيد على أن كل ما يريده زعيم مافيا السطو المسلح على أموال وبلاد العرب ينفذ كما يشاء.
لكن هل بالفعل يمكن أن يمرر السيسي هذه الرسالة للزعيم؟ فسياسات السيسي، والتي اختبرها مع السعودية بالتنقل بين الأحبال والتهديد بالخصوم، يبدو أنها لا تفلح مع
ترامب. فالسيسي الذي هدد السعودية بإيران وماطل في المشاركة في عاصفة الحزم ليبتز آل سعود وليحلب المزيد من عائدات البترول سواء نقدا أو عينا، لا يمكن أن يمرر سياساته على زعيم العصابة، وقد شد ترامب أذن السيسي بوقف المساعدات بعد مساعدة الأخير لكوريا الشمالية وقت كان يمارس ترامب أقصى ضغط على زعيمها.
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب منذ أن أجلسها حظ العالم العاثر على كرسي البيت الأبيض؛ تغض الطرف عن ملف حقوق الإنسان الأسود للنظام
المصري الذي اختطف الحكم وداس على الديمقراطية بالدبابة في انقلاب عسكري، وسمحت بعودة المعونات الأمريكية لمصر، بعد أن قدم السيسي أوراق اعتماده للإدارة الأمريكية الجديدة في صفقة القرن، تلك الصفقة التي جعلت ترامب يتعامى عن جرائم النظام المصري وتماديه في اعتقال المعارضين وقتلهم، رغم قناعته بأن السيسي قاتل (ابن ...)، كما جاء في شهادة الصحفي بوب وودوارد الذي نقل محادثة بين ترامب ومحاميه، إلا أن ترامب التاجر لا يخسر أوراقه رغم علمه بقذارتها.
غير أن السيسي الذي يهوى اللعب على الحبال، لم يختر الوقت المناسب لممارسة هذه الهواية، فزيارته للصين بداية أيلول/ سبتمبر الجاري، والتي توصف بأنها موجهة نحو تطوير تعاون استراتيجي شامل على جميع المستويات، بحسب السفير الصيني في القاهرة، والتي استطاع فيها توقيع صفقات بقيمة 18 مليار دولار لمشاريع مختلفة في مصر، بالإضافة إلى تطوير علاقات أوثق مع روسيا بعد تلقي مساعدات عسكرية وتوقيع صفقة محطة طاقة نووية بالضبعة.. تعد سقطة للسيسي الذي يرغب في مزيد من الدعم الأمريكي المسيطر على الخليج والقادر أن يغلق صنبور دولارات دعمه للسيسي.
وقد يفتح ترامب ملف حقوق الإنسان كورقة ضغط على السيسي لدفعه لمزيد من الخنوع، فترامب يحتاج لمرتزقة في مناطق الصراع والنفوذ ولا يستطيع ان يرسل جنوده حتى لا يحفر لنفسه حفرة أخرى يمكن أن يلقى فيها، ويكفيه حفر الانتخابات والابتزاز والعلاقات النسائية، لذا فالمرشح للقيام بدور الجيش الأمريكي هو الجيش المصري الذي يحكم السيسي قبضته عليه بشكل كبير، وفي نفس الوقت فالسيسي لن يمانع، وإن كان سيناور من أجل مزيد من المكاسب، لكنه سيرسل جنوده لأي مكان يريده ترامب.
لكن المشكلة التي يعرفها السيسي جيدا وتعامى عنها؛ هي: هل سيكمل ترامب فترته الرئاسية؟ وهل سيستطيع الخروج من الأفخاخ المنصوبة له؟ فإن استطاع، فعلى السيسي أن ينفذ مشيئة ترامب وإلا مزيدا من الغضب سيصب عليه، وإن هو سقط ولم يستكمل فترته الرئاسية بسبب القضايا التي تلاحقه، فإن على السيسي ونظامه أن يواجه مصيره مع الإدارة الديمقراطية الجديدة والتي تشير استطلاعات الرأي أنها ستستحوذ على أغلبية مقاعد الكونجرس في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. وهنا الواجب على المعارضة المصرية أن تعمل من الآن على وصول الديمقراطيين بدفع مؤيديها من الجالية المصرية والعربية والإسلامية للتصويت لهم، بالإضافة إلى التنسيق من أجل إيجاد حلول مقبولة للأزمة المصرية، وإن كنت في النهاية لا أعول كثيرا على الديمقراطيين؛ لا لاحتمال خذلان المعارضة المصرية، وإنما لعدم اكتمال أوراقها وتنظيمها لدفع الديمقراطيين لمد يد قوية لحل الأزمة المصرية. وفي الحديث عن تلك الأوراق كلام كثير.