هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بلغت اللغة التي اختارها المحتجون في المغرب، درجة غير مسبوقة من الجرأة، حيث طغت في الفترة الأخيرة الشعارات التي تسائل رئيس الدولة بشكل مباشر، فيما ينظر إليه على أنه تحول غير طبيعي على ثقافة المغاربة.
وشكل الأسبوع الماضي وحده، ذروة هذا التحول في العلاقة بين الملك وبين الفئات الاجتماعية التي تعتبر نفسها ضحية لقرارات الدولة، حيث جرى توجيه الانتقادات بشكل مباشر وضمني للملك، وتحمله مسؤولية تردي الأوضاع.
نهاية أسطورة
واعتبر الناشط اليساري والباحث في علم الاجتماع، خالد بكاري، "رفع مواطنين مغاربة شعارات من قبيل (الشعب هاهو والملك فيناهو)، تنضاف إليها مشاهد أخرى لا يتم فيها الحديث عن الملك مباشرة لكن بصيغة تجعله في قلب الحدث، مثلا موقف المواطن الذي ظهر في أشرطة الفيديو بمدينة بعد التساقطات العاصفية، التي جاءت أثناء إطلاق عاهل البلاد الشطر الثالث من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يستحق التوقف عنده والتأمل فيه".
وتابع في تصريح لـ"عربي21": "كذلك رفع شعار (الشعب يريد إسقاط الجنسية)، أو (عاشت إسبانيا) الذي رفع في شمال المغرب مؤخرا، من تجليات الانسلاخ عن الهوية الانفصال عن الدولة والمؤسسات الرسمية".
اقرأ أيضا: "الشعب يريد الهجرة مجانا" تستنفر سلطات المغرب (شاهد)
وزاد: "وصلت الأوضاع الاجتماعية درجة خطيرة وبلغت حدا لا يطاق في المغرب، تزامنا مع انعدام بوادر حل، بل حتى الخطاب الرسمي يسير في اتجاه التيئيس، فرئيس الدولة في خطاباته الأخيرة يعلن بأن الأوضاع صعبة وأن الدولة فشلت، وأن الأزمة تستفحل، ونبرة اليأس فيه كبيرة جدا، بما يدفع للتساؤل من يعد خطب الملك بتلك الصيغة".
واعتبر أن من دلالات هذه الاحتجاجات غير التقليدية، "سقوط أسطورة الملك جيد غير أن المحيطين به سيئون، هذا الخطاب لا يقول به اليوم الراديكاليون أو الطبقة الوسطى بل ترفعه الفئات الاجتماعية الهشة، المعروفة تاريخيا بكونها تعلن احتماءها بالملك من غيره من المسؤولين، فهي اليوم تقول للملك أنت المسؤول".
وأوضح: "ما طرحته هذه الاحتجاجات، هو أين الملك مما يجري في بلاده؟ فسؤال سفريات الملك شبه الدائمة خارج المغرب، أصبح اليوم موضوع مساءلة، ومن طرف فئات شعبية هشة اجتماعيا واقتصاديا".
وأضاف: "وأيضا ما يجري هذه الأيام نتيجة منطقية للقضاء على هامش الحرية للأحزاب والنقابات والجمعيات والصحافة، وتسخير جميع الأسلحة لتطويع التعبيرات المدنية التي تقوم بالوساطة بين الدولة والمجتمع، أوصلنا إلى هذه المواجهة المباشرة بين شعب لم يعد له ما يخسره، ونظام سياسي ليس لديه ما يقدمه، في غياب وسائط من طبيعة وظائفها امتصاص الاحتقان".
سحب الاعتراف من الدولة
من جهته، اعتبر الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، خالد يايموت، أن "الأمر يرتبط بشكل عضوي بطبيعة التحول الاجتماعي بالمغرب، ذلك أن الدينامية الاجتماعية والثقافة الشبابية الجديدة أخذت تنسل بشكل سريع من منظومة الدولة سواء تعلق الأمر بمؤسسات الدولة ورمزيتها، أو بثقافة النخب الرسمية وجزء كبير من ثقافة النخب الموالية للدولة".
اقرأ أيضا: تقرير رسمي بالمغرب: الفقر والبطالة.. تجاوزا حدود المقبول
وزاد خالد يايموت في تصريح لـ"عربي21": "فيما يتعلق بالمؤسسات، فالثقافة الاجتماعية الجديدة لا تعتبرها جزءا من النسق الاجتماعي والإداري والسياسي، وبالتالي فسحب الاعتراف بها ثقافة تنتشر بشكل سريع بالمغرب".
واستطرد: "عندما يسحب المثقف والقاع الاجتماعي وفئاته الثقة من الحكومة والبرلمان ومجالس المدن والبلديات والمؤسسات الإدارية فلا يبقى في الواقع في الذهنية الاجتماعية غير الله والملك".
ومضى يقول: "بما أننا نتحدث اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا فالملك كشخص هو مركز تدور حوله الذهنية الاجتماعية، وبالتالي تطلب التدخل الملكي في أبسط الأمور".
وأفاد: "من الناحية التحليلية، فإن هذا يدل على عقم الدولة ومؤسساتها، كما يدل على رفض مجتمعي للوضع القائم، ومن جهة ثالثة، فهذا لا يخدم الدولة لأن المطالبة بحضور الملك، وإن كان يعني الثقة المطلقة في شخص الملك، فإنه لا يعني "موتا" للمؤسسات الوسيطة خاصة الأحزاب والمجتمع المدني".
وسجل: "كما أن طلب حضور الملك يعني أن الملك باعتباره رئيس الدولة هو في نظر المجتمع المغربي هو المسؤول عن الوضعية الحالية التي يعيشها المغرب".
إلى ذلك فالتوجه المباشر بالاحتجاج إلى الملك يتوازى مع تسارع وتيرة الاحتجاجات في المغرب، وتنوع أشكال التعبير عن الشكوى من تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.