الانقلابات العسكرية هي سمة الأنظمة السياسية غير الناضجة أو التي تمر بمراحل تحول ديمقراطي متعثرة، وبالتالي فهي تعبير عن أزمة أكثر من كونها تعبير عن حل مهما بلغ التأييد الشعبي لها. ولأن هذه الانقلابات لا تفنى ولا تستحدث من عدم، فهناك قواعد تاريخية وسياسية متكررة لم يخرج عنها أي انقلاب.
أولا: تأتي على إثر احتقان اجتماعي. فلا يمكن للجيش أو أي من وحداته أن يقوم بانقلاب على أي سلطة من دون وجود احتقان اجتماعي واستقطاب حاد. يحتاج
الجيش أن ينحاز، ولو شكليا، لفئة دون أخرى، ليضمن تأييد بعض القطاعات الشعبية، وليسوق لنفسه بأنه قد لبى نداء الأمة. تكرر هذا قبل 1952 في مصر وقبل انقلاب تركيا 2016.
ثانيا: كلها سيئة. فلم تعرف التجارب السياسية المعاصرة تجربة انقلاب قدم شيئا جيدا لبلاده مهما كانت درجة سوء الحكم الذي انقلب عليه. وهذا يقودونا
للقاعدة الثالثة: لم ينفذ أي انقلاب ما وعد به. فدائما ما يطلق قادة الانقلاب الوعود البراقة للشعب وخطة وبرنامج عمل، لكن سرعان ما تثبت الأيام أن معظم هذه الوعود قد تبخرت ولم يبق منها شيء.
رابعا: تأتي الانقلابات غالبا إثر موجات تحرر وتحول ديمقراطية، مثل الانقلابات المتوالية في سوريا والعراق إثر مرحلة التحرر من الاستعمار العسكري وتأسيس الدولة الوطنية المستقلة سياسيا منتصف القرن الماضي، وكما حدث إثر الانفتاح السياسي الذي قام به الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد في الجزائر أوائل التسعينيات؛ وأفضى لفوز جبهة الإنقاذ قبل أن يتم الانقلاب على نتيجة الانتخابات.
خامسا: لا بد للجيش من دور رئيسي في أي انقلاب. فليس مطروحا أن تقوم مجموعة مدنية بانقلاب أو تقوم وحدات الشرطة بانقلاب، وبالتالي فإن شئت القول إن الانقلابات العسكرية هي من الآثار الجانبية لوجود الجيوش في الدول الحديثة. ويمكن إضافة أن القوات المسلحة إذا لم تكن تحت سيطرة مدنية كاملة، فإن احتمالية تنفيذها لانقلاب عالية جدا.
سادسا: تتغذى الانقلابات على الأزمات السياسية والاقتصادية. وهذه الأزمات جزء من الشرعية الشكلية التي يروجها أي انقلاب. ولهذا، مع وجود مثل هذه الأزمات في أي بلد غير راسخ في مسألة
الديمقراطية وتداول السلطة، فإن احتمال قيام انقلاب وارد بنسبة كبيرة.
سابعا: تستنسخ نموذجا انقلابيا سابقا. ينفذ الانقلاب معظم الخطط المعروفة للسيطرة العسكرية على المفاصل الحيوية ووسائل الإعلام المؤثرة. كما يبحث قادة الانقلاب عن جذور للفعل الذي ارتكبوه في التاريخ لينسبوا أنفسهم له، ولو بشكل تعسفي، فيبحثون عن أقرب الانقلابات لتاريخهم ويضفون عليها هالة من القداسة.
ثامنا: تحتاج لرمز شعبي. من دون وجود شخصية رمزية يمكن تسويقها، فإن الانقلابات ستفشل غالبا. وهو ما كان أحد أسباب فشل الانقلاب التركي عام 2016.
تاسعا: لا تسلم السلطة لمدنيين. فلا يغامر أي قائد عسكري بانقلاب ليسلم السلطة لغيره، حتى وإن أراد. فاللواء محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد 1952، تم عزله لأنه أصر على الديمقراطية، والحالة الاستثنائية الوحيدة هي تجربة المشير عبد الرحمن سواء الذهب في السودان بعد الانقلاب على الرئيس السوداني السابق جعفر النميري، حيث سلم السلطة لحكومة منتخبة بعد عام واحد، وسرعان ما تبخر هذا الأمر بعد انقلاب آخر.
عاشرا: الانقلابات أكثر سلمية في الدول القبلية والملكية. عادة ما تمر الانقلابات بكل سلاسة من دون عنف في الدول القبلية والملكية، مثل موريتانيا، حيث تلعب العصبيات العائلية في دورا في تحقيق توازن قوى تمنع من شيوع نطاق العنف الذي يحدث في الدول الأخرى.
وأخيرا، فإن التصدي للانقلابات بعد وقوعها مهمة عسيرة وشبه مستحيلة؛ لأن هذا الفعل يتطلب قوة موازية لقوة جيش الدولة، وهذا غير ممكن عمليا. إذن، أفضل طريقة للتصدي لهذا السرطان السياسي هي الوقاية منه قبل حدوثه. وهذا يتمثل في نزع فيل أية أزمة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية بشكل مدني سلمي، مهما كانت التضحيات والتنازلات. كما ينبغي الانتباه لفترات التحول الديمقراطي؛ لأنها محملة باحتماليات عالية للانقلاب بسبب ما ينشأ عنها من عدد استقرار وبعض الفراغات في السلطة يتدخل الجيش زاعما محاولة سدها.