هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إحراج السعودية بتصريحاته المتكررة التي خرجت عن الأعراف الدبلوماسية، وعرّت العلاقة بين الحليفين التاريخيين، إذ لا يفوت فرصة ولا مناسبة لابتزاز السعوديين وتذكيرهم بضرورة دفع "إتاوة" حمايتهم من قبل الجيش الأمريكي، فيما يلتزم المسؤولون السعوديون الصمت المطبق إزاء هذه الإهانات، وإن أحرجوا بالحديث عنها فإنهم يصنفونها "صداقة"، كما صرح محمد ابن سلمان الجمعة لوكالة "بلومبيرغ".
وفي آخر تصريح له وهو الثالث خلال أيام، كشف ترامب أمام تجمع انتخابي لأنصاره في ولاية منيسوتا الجمعة عن تفاصيل جديدة في المحادثة التي أجراها مؤخرا مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز.
وقال ترامب إنه سأل العاهل السعودي: "هل تمانع في في دفع الأموال لقاء الحماية العسكرية؟"، فأجاب بأن "لا أحد طلب مني ذلك"، فرد عليه ترامب: "أنا أطلب منك أيها الملك"، مضيفا أن السعودية "تتحمل تكاليف الحماية الأميركية التي تصل إلى 30% حاليا".
وسبق أن صرح ترامب أمام تجمع انتخابي في ساوثافن في مسيسبي، الثلاثاء، قائلا: "نحن نحمي السعودية. ستقولون إنهم أغنياء. وأنا أحب الملك، الملك سلمان. لكني قلت: أيها الملك- نحن نحميك- ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين بدوننا- عليك أن تدفع لجيشنا".
وكان ترامب، قال في تجمع انتخابي للجمهوريين بولاية فرجينيا قبل نحو عشرة أيام، إنه أبلغ الملك سلمان في الاتصال الهاتفي الأخير بأنه "ربما لن يكون قادرا على الاحتفاظ بطائراته، لأن السعودية ستتعرض للهجوم"، وتابع: "لكن معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل في المقابل على ما يجب أن نحصل عليه".
أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية وليد عربيد قال: "إن ترامب يتعامل بشكل بعيد كل البعد عن ما يسمى بالاستراتيجيات الرئاسية في أمريكا، وهو يمثل بتصرفاته رجل الأعمال الذي يسعى وراء المكاسب والأرباح بأكبر سرعة ممكنة".
ورأى في تصريح سابق لـ"عربي21" أن "الرئيس الأمريكي يتعامل بفوقية مع السعودية ومسؤوليها ويراهم وكأنهم نكرات في المجتمع الدولي ويجب أن يدفعوا له الإتاوات لتوفير الحماية".
ولفت عربيد إلى أن الصراعات التي ولدت في المنطقة وتغذيها الولايات المتحدة بشكل أو بآخر تسعى لهذا الهدف وهو ابتزاز الدول وتخويفها من الآخرين.
من جهتها قالت الكاتبة السعودية المعارضة مضاوي الرشيد، إن المملكة العربية السعودية تستمر في دفع الثمن مقابل اعتمادها الكامل على الولايات المتحدة لضمان أمن النظام، بما في ذلك تحمل تصريحات ترامب المتكررة التي تذكر قادة المملكة بعجزهم عن حماية أنفسهم.
وأضافت الرشيد فبي مقال لها اطلعت عليه "عربي21"، إن ترامب لا يفوت فرصة لتذكير مواليه السعوديين بأنه بدون الولايات المتحدة فإن النظام سينكشف وسيكون عرضة للرياح العاتية التي تهب من الداخل ومن الخارج على حد سواء.
اقرأ أيضا: هكذا تفاعل النشطاء مع تصريحات ترامب "المهينة" للسعودية
وأشارت إلى أن الإهانات الأخيرة التي أطلقها ترامب، ما كان ليتلفظ بها رئيس آخر محترم تلقى تدريباً في أسلوب الخطاب الدبلوماسي الراقي حين مخاطبته شركاءه في منطقة بات أصدقاء أمريكا فيها عملة نادرة وفصيلاً منقرضاً. واستدركت قائلة: "لكنه يعلم يقيناً أن بإمكانه توجيه أحط الشتائم دون عواقب".
ولفتت الرشيد إلى أن العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في عهد ترامب باتت عارية تماماً وتخلو من أي لغة مهذبة تحتمها الدبلوماسية والشراكة والتحالفات. وأضافت: "إنها مجرد علاقة تعاقدات يملي فيها القوي على الضعيف، بل ويدوسه بقدميه، وخاصة في حالة ترامب الذي يدرك جيداً مدى هشاشة النظام السعودي".
ورأت أنه ومن خلال تذكير السعوديين بشكل منتظم بانكشافهم وعجزهم، فإن ترامب يبقيهم في حالة تأهب وتحفز دائمة، "فتراهم يسارعون باستمرار إلى إرضائه والتقدم منه بالقرابين مقابل حمايته لهم".
وأكدت أن السعودية ستستمر في دفع ثمن غال مقابل اعتمادها الكامل على الولايات المتحدة لضمان أمن النظام. وذلك أن السعوديين يدركون جيداً عواقب سحب الولايات المتحدة لدعمها غير المشروط، تاركة المملكة من ورائها منكشفة تماماً أمام الأخطار المحدقة بها.
في سياق متصل، قال الكاتب الصحفي كاظم ناصر إن أي حاكم عربي لا يستطيع أن يعترض على صفاقة وغرور ترامب وسياساته العدائيّة المهينة له ولوطنه "لأنه فشل في حماية وطنه وتطويره سياسيّا وعلميّا واقتصاديا وثقافيا، وأضعفه وقاده من هزيمة إلى أخرى، ونهب وبدّد ثرواته، وصادر الحرّيات، وحرم مواطنيه من أبسط حقوقهم وأذلّهم وأدماهم وأفقرهم، ومزّق نسيجهم الاجتماعي، وجعلهم قبائل وعشائر ومذاهب متناحرة".
وتابع في مقال له اطلعت عليه "عربي21" إن قادة وشعوب دول العالم يرفضون سياسات رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب العنصريّة التي لا تراعي مصالح وكرامة بلادهم وشعوبهم، ويستهزئون به وبتصريحاته وخطبه، ويضحكون على جهله وأكاذيبه المكشوفة، بينما الحكّام العرب ينظّمون له المؤتمرات، ويتحالفون معه، ويهرولون إلى البيت الأبيض فرادى وجماعات لإعلان ولائهم له، ويدفعون له مئات المليارات من الدولارات ليستخدمها في إيجاد فرص عمل للأمريكيين، ويذعنون لإهاناته العلنيّة المتكرّرة لهم ولشعوبهم وأمّتهم ودينهم.
وأضاف: "عندما تنتقد دولة غير الولايات المتّحدة الأمريكيّة التسلّط والظلم وتكميم الأفواه وانتهاك حقوق الإنسان في أي دولة عربية، يستأسد حاكمها، ويزبد ويرغي ويقيم الدنيا ويقعدها، ويقطع العلاقات الدبلوماسية معها.
اقرأ أيضا: النص الكامل لمقابلة محمد بن سلمان مع وكالة "بلومبيرغ"
واستدرك بالقول: "أمّا عندما يعامل ترامب حاكمها بجلافة واستخفاف، ويقول له مباشرة نحن نحميك وأنت يا جلالة الملك أو سموّ الأمير أو سيادة الرئيس تملك تريليونات الدولارات ويجب عليك أن تدفع مقابل حمايتك، وإلا فإن نظامك سينهار خلال أسابيع، لا يفعل الحاكم شيئا، وينصاع بذلّ لإرادة سيّد البيت الأبيض، وينفّذ أوامره، ويخبر شعبه أن ما يريده الصديق ترامب يخدم المصالح المشتركة والاستراتيجية للبلدين".