هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا لمراسلها روبي غرامر، يقول فيه إن مسؤولا كبيرا من جنوب السودان سافر إلى واشنطن هذا الأسبوع لطلب الدعم الأمريكي -والمساعدات المالية- لصفقة سلام هش تهدف إلى إنهاء خمس سنوات من الحرب الأهلية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن مليارات الدولارات تدفقت في الماضي إلى البلد الجديد، بالإضافة إلى اهتمام واشنطن الحميم، مستدركا بأن المزاج في واشنطن اليوم مختلف جدا.
ويقول غرامر: "هذه المرة وبخ الأمريكيون وسخروا من الزائر، وهو النائب الأول لرئيس جنوب السودان طابان دينغ غاي، في الوقت الذي حاول فيه التأكيد لهم بأن خطة السلام ستعمل هذه المرة".
وتبين المجلة أنه من خلال الفساد، وسوء استخدام السلطة، وبعد سبع سنوات فقط من تأسيسها، تحولت دولة جنوب السودان من كونها فقيرة ولكن يحدوها الأمل، إلى دولة فاشلة تقريبا تقودها نخبة عسكرية فاسدة ومتجبرة.
ويلفت التقرير إلى أن دينغ التقى بمجموعة مؤلفة من أكثر من عشرين مسؤولا حاليا وسابقا في فعالية مغلقة هذا الأسبوع، تميزت بتجاذبات متوترة، مشيرا إلى أن سبب زيارته هو تسويق خطة سلام تم توقيعها الشهر الماضي لإنهاء العنف الذي دمر البلد منذ عام 2013، بعد عامين من حصولها على الاستقلال عن السودان.
وينوه الكاتب إلى أن هذه الخطة هي الأخيرة من بين حوالي 12 اتفاقية وقف إطلاق نار وخطة سلام في السنوات الأخيرة، انهارت جميعها، وقال دينغ للمسؤولين، الذين لا يخفون تشككهم والذين حضروا فعالية لمركز "أتلانتيك كاونسل" للأبحاث في واشنطن: "نحن نعتقد أن هذا السلام ليس مثاليا، لكنه أفضل من البديل، وهو الحرب".
وتذكر المجلة أن الحاضرين واجهوا ادعاءات دينغ بأن بلده يطور حكم القانون ويعالج الفساد، وأن المدنيين، وليس الجيش، هم من يرتكبون الجرائم ضد الشعب، بالاستغراب والضحك المكتوم وإيماءات التكذيب، مشيرة إلى أنه عندما أنكر دينغ أن قوات الأمن التابعة لحكومته هي التي تقوم بالهجمات، وأصر على أن المدنيين هم الذين يرتكبون الجرائم همس أحد المشاركين في الفعالية، قائلا: "هل .. تمزح معي؟".
ويشير التقرير إلى أن مسؤولين من وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية حضروا الفعالية، بالإضافة إلى موظفين كبار في الكونغرس، ومسؤولين سابقين كبار، بعضهم قضى عقودا من سنين عمله يعمل في موضوع جنوب السودان، "وكانت مجلة (فورين بوليسي) حاضرة أيضا".
وينقل غرامر عن الخبير في أفريقيا في مؤسسة التراث جوشوا ميسيرفي، قوله: "هناك أناس عملوا لعقود في موضوع جنوب السودان.. لقد صبوا حياتهم العملية كلها في السودان وصراع جنوب السودان، ونظروا إلى استقلال جنوب السودان على أنه لحظة أمل كبير، وكون الأمور سارت نحو الأسوأ بسرعة كبيرة فإن ذلك كان لحظة فقدان الأمل لهؤلاء الناس".
وتورد المجلة نقلا عن مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي وفي وزارة الخارجية كاميرون هدسون، الذي حضر الفعالية، قوله للمجلة بأنه كان من السهل الشعور بالإحباط في القاعة، وأضاف: "ما رأيته في أنحاء تلك القاعة كان فعلا ما قيمته مئات السنين من الدم والعرق والدموع الأمريكية لدعم هؤلاء الناس.. وهذا هو سبب أن المشاعر والعواطف كانت مشحونة للغاية".
وينقل التقرير عن مديرة مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية كيت المكويست كنوبف، قولها لدينغ إن الولايات المتحدة أنفقت 14 مليار دولار على جنوب السودان وحده منذ عام 2005؛ للمساعدة في استقلال البلد ومعالجة الأزمة الإنسانية، وكان رد الفعل على دينغ، الذي ألقى اللوم على المساعدات الأمريكية في تأجيج الصراع، هو شهقات مسموعة في القاعة، وقال دينغ: "هذه الأربعة عشر مليار دولار لو تم استخدامها بشكل جيد قد تكون جنوب السودان ليست في حالة حرب اليوم"، وأضاف أنه سيطلب مساعدات مالية من الحكومة الأمريكية.
ويورد الكاتب نقلا عن عضو آخر في وفد دينغ، قوله إن هذا الرقم غير دقيق، وإنه يمكن التلاعب في الإحصائيات، فردت نائبة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية من عام 2013 – 2017، لندا ثوماس غرينفيلد، بغضب قائلة: "إنه لمن الإهانة لنا جميعا من كنا نعمل لدعم الشعب في جنوب السودان لسنوات عديدة أن يقال إن هذه الأرقام لا يمكن الاعتماد عليها.. ويستحق الأمريكيون الذين دعموا جنوب السودان أكثر، وأعتقد أن شعب جنوب السودان يستحق أكثر".
وتعلق المجلة قائلة إن هذا السجال، الذي تميز بالتوتر والانفعال والإحباط، يشير إلى مدى الانحدار الذي وصلت إليه الحال في جنوب السودان في عيون الكثير من صناع القرار الأمريكيين السابقين والحاليين، الذين ساعدوا في تنسيق استقلال جنوب السودان عن السودان.
ويجد التقرير أن "جنوب السودان كان تجربة فريدة لأمريكا، التي أدت دور القابلة في ولادة البلد؛ في محاولة لإيجاد ديمقراطية جديدة من الصفر، وعندما حصلت البلد على استقلالها قبل سبع سنوات، وبعد خمسة عقود من حرب العصابات مع السودان، قوبل ذلك بالتفاؤل، فلم يكن هناك تفاؤل خارج جنوب السودان مثل ما كان في واشنطن، حيث كون المسؤولون من ثلاث إدارات أمريكية علاقات جيدة مع شخصيات من جنوب السودان خلال العقود التي كانوا يقاتلون فيها من أجل الاستقلال".
وينقل غرامر عن باراك أوباما، قوله في 9 تموز/ يوليو 2011، وهو اليوم الذي احتفت به جنوب السودان رسميا بالاستقلال: "اليوم يذكرنا بأنه بعد ظلام الحرب أصبح نور فجر جديد ممكنا".
وتفيد المجلة بأن ذلك التفاؤل تبدد عام 2013، بعد أن تحولت اشتباكات سياسية بين الرئيس سلفا كير ونائبه حينها ريك ماتشار إلى ثورة عنيفة، وجاء ذلك بعد عامين من الصراع السياسي والمشكلات الاقتصادية، وتقدم قليل في مجال التنمية، بالرغم من مليارات الدولارات كمساعدات خارجية؛ وذلك جزئيا بسبب فساد الحكومة.
ويقول هدسون للمجلة إن ما يميز الأزمة الإنسانية في جنوب السودان عن غيرها من الأزمات هو أن المسؤولين الأمريكيين طوروا على مدى العقود علاقات جيدة مع الثوار الذين تحولوا إلى مقاتلين لأجل الحرية، ثم تحولوا إلى مسؤولين حكوميين، ما أضاف استثمارا عاطفيا من أمريكا لم تحظ به صراعات أخرى.
وبحسب التقرير، فإن سلفا كير لا يزال يلبس قبعة كاوبوي أهداه إياها الرئيس جورج بوش الابن عام 2006، ما يعد رمزا صغيرا لارتباط قيادة جنوب السودان بأمريكا.
ويلفت الكاتب إلى أن عدد الضحايا في جنوب السودان وصل بحسب التقديرات الجديدة إلى 380 ألفا، وهو عدد أعلى نسبيا من عدد ضحايا الصراع في سوريا، بأخذ عدد سكان كلا البلدين في عين الاعتبار، مشيرا إلى أن هناك حوالي 2.5 مليون لاجئ من جنوب السودان حاليا، فروا من الصراع إلى 6 دول مجاورة، بما في ذلك السودان.
وتنقل المجلة عن مدير مركز أفريقيا في "أتلانتك كاونسل" بيتر فام، قوله إن هناك حوالي 63% من سكان البلد يواجهون نقصا في الغذاء قد يصل إلى درجة المجاعة.
ويذكر التقرير أن الصراع تميز بارتكاب جرائم من كل من الأمن الحكومي والقوات المعارضة، بما في ذلك إعدامات وتعذيب واغتصاب جماعي واستعباد جنسي، بحسب تقرير حقوقي لوزارة الخارجية الأمريكية عام 2017، وتقارير من منظمات حقوق الإنسان.
ويقول غرامر إن كلا من سلفا كير وماتشار، الذي يقود أكبر مجموعة ثائرة، والفصائل الأخرى قاموا بتوقيع آخر محاولة لتحقيق السلام، بعد أن انهار اتفاق سابق تم توقيعه في 2015، وقال دينع في واشنطن إن بلده تعلمت الدرس من اتفاقيات السلام السابقة التي فشلت.
وتشير المجلة إلى أن بموجب شروط اتفاق السلام الجديد، فإنه سيكون لجنوب السودان خمسة نواب للرئيس، وتوسع برلمانها ليضم 550 ممثلا من الفصائل كلها، لافتة إلى قول دينغ إن اتفاق السلام الجديد يشدد على الاحتواء الشامل للفصائل جميعها، وهو ما لا تأخذه الاتفاقية السابقة في عين الاعتبار، فيما يقول منتقدو الاتفاق بأنه سيقوي القبلية والحواجز الإثنية دون معالجة أصول الصراع.
وقال دينغ دفاعا عن الاتفاق: "لا تحاولوا فهم الاتفاق بعقلية غربية أو عقلية أمريكية.. فنحن لا نزال مجتمعا بدويا حيث الاستيعاب أيضا مهم، فالاستيعاب يجلب السلام".
ويورد التقرير نقلا عن الحكومة الأمريكية، قولها في بيان مشترك صدر عن أمريكا والمملكة المتحدة والنرويج الشهر الماضي، إنها لا تزال ملتزمة بالسلام في جنوب السودان، لكنها متشككة في كونها ستصمد بالنظر إلى العنف المستمر ومنع وصول المساعدات الإنسانية، "ولنقتنع بالتزام الأطراف فإننا نحتاج أن نرى تغيرا مهما في سياساتهم".
ويقول الكاتب إن ضمانات دينغ لم تبد أنها أرضت أيا من الحاضرين في القاعة، حيث بقي الجميع يسأله إن كان سيتم إطلاق السجناء السياسيين، وكيف ستحاكم البلد مرتكبي جرائم الحرب، وكيف ستعالج الفساد وقضايا الحكم.
وتفيد المجلة بأن منظمة "ترانسبرنسي إنترناشيونال"، التي ترصد الفساد، صنفت جنوب السودان في المرتبة 179 من 180 بلدا في مؤشرالفساد، فيما قال توصل تحقيق تم نشره في آذار/ مارس عن "أنوف بروجيكت" وهي منظمة غير ربحية متخصصة في رصد الوضع في جنوب السودان، إلى أن مسؤولي حكومة جنوب السودان والنخبة قاموا بتبديد ثروة البلد النفطية للانفاق على المليشيات التي قامت بارتكاب فظائع ضد المدنيين.
وبحسب التقرير، فإنه في نهاية الفعالية، وبعد أن أنهى دينغ تعليقاته، فإن المشاركين الآخرين غادروا وهم يطلقون الزفرات ويهزون رؤوسهم، فيما مر آخرون بالقرب من وفد جنوب السودان دون التسليم على زعيم بلاد ساعدوا على إيجادها.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى قول هدسون: "وقاحة هذه الزيارة والرسالة التي جاءت بها تجاوزت المعقول.. فهذه ليست مثل سوريا، وليست مثل اليمن.. لقد استثمرنا في هذه العلاقة على مدى عقود، وبعد أن قدمنا تلك الاستثمارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كلها.. هذا ما نحصل عليه: دولة فاشلة".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا