يخلط البعض بين الانتماء القومي أو الديني أو العرقي من ناحية، والعصبية القبلية من ناحية أخرى، فانتمائي القومي أو انتمائي الديني، وأحيانا الجمع بينهما، لا يعني أنني يجب أن أؤيد أو أثني أو أقف بجانب كل من يحمل لوني أو عرقي أو ديني أو يتحدث بلغتي، فذلك لا يمثل أي من ظواهر الانتماء، وما هي إلا
العصبية التي نهينا عنها.
لقد تذكرت ذلك وأنا أتابع تعليقات البعض على عدم تصويت العديد من العرب لمحمد صلاح كأحسن لاعب، واليوم يأتينا سباق الكرة الذهبية، فهل نتعامل مع إعجابنا بمحمد صلاح كلاعب كرة، أم أن إعجبانا بمحمد صلاح كعربي أسمر مسلم؟
بلا شك، يسعدنا جميعا تألق محمد صلاح ونجاحه، كما أسعدنا جميعا تألق ونجاح زين الدين زيدان. وبلا شك، يسعدنا جميعا أن يكون محمد صلاح أحسن لاعب في العالم، ولكن الاختيار لأي شيء يجب أن يبنى على مقاييس علمية أو مبدئية. وفي هذه الأمور، يجب أن تبنى على التذوق الشخصي لطريقة لعب وسلوك أي لاعب في الملعب، ولذا فلا مانع لدي أن يصوت أي شخص لأي لاعب من المرشحين، وإلا فلا يحق لي أن أسعد عندما يصوت غير العربي وغير المسلم لمحمد صلاح.
إن الوضع بالنسبة للاعب الكرة أمر غير خطير في تأثيره على المدى البعيد، ولكن الأشكال أن ذلك ينعكس على كثير منا في التعامل مع القرارات المصيرية، مثل الموافقة على تعيين شخص في وظيفة ما لمجرد أنه من ذات العنصر وليس لكفاءته الشخصية، كما ينطبق ذلك على وضع الجالية العربية والمسلمة في الغرب عندما يتقدم شخص من جالياتهم للانتخابات العامة؛ يتحول المنهج لعصبية وليس لتقييم موضوعي لكفاءة الشخص أو حتى لمواقفه.
لقد أوصلنا ذلك لتعيين أناس غير أكفاء في مواقع عمل عامة تجلب معها الضرر للمجموع، بدلا من أن تجلب النفع العام، وأوصلنا ذلك في الغرب لانتخاب برلمانيين لمجرد أن أسماءهم عربية أو إسلامية، مما انتهى بنا بأشخاص أضروا بقضايانا العربية والإسلامية.
وعودة لمحمد صلاح، والذي أراه من أحسن اللاعبين في هذه الفترة، إلا أنه من غير المستساغ أن يعيب العديد على بعض العرب أنهم لم يصوتوا له، ويتناسى هؤلاء أن التضامن العربي ليس في التصويت للاعب، وهناك عرب يقتلون ويعذبون ويشردون عربا ومسلمين مثلهم، بل ويقفون مع العدو (الكيان الصهيوني) ضد أبناء فلسطين من العرب والمسلمين، وهذا هو الفارق بين الانتماء القومي والديني وبين العصبية. وقوفي بجانب محمد صلاح للونه أو اسمه دون حساب لكفاءته في اللعبة هو من العصبية الجاهلية. أما وقوفنا بجانب أهلنا في فلسطين، فهو مع الحق من جانب، وانتماء قومي وديني من جانب آخر.
العصبية هي عنصر من عناصر الجاهلية التي يجب أن يتخلص منها العرب والمسلمون الذين كان من أهم واجباتهم أن يكونوا قدوة لغيرهم، ولم يصبحوا كذلك.
ولإتمام الجهل، سمعت من تَقوّل يوما حديث الرسول عليه الصلاة والسلام على غير موضعه "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، متناسيا أن الرسول عندما سُئل وكيف ننصره ظالما، كان رده قاطعا بأن نمنعه من الظلم، ولم يقل الوقوف معه في الظلم.
وينطبق ذلك أيضا على دعوات البعض بالوقوف بجانب القتلة من السعودية والإمارات، فقط لأنهم ينتمون للسنة ويقاتلون الحوثيين الشيعة.. أيهما على حق لا يهمهم، ولكن العصبية هي من يتحكم في فهمهم للأمور. وسُئل يوما أحدهم عن الموقف من احتمالات حرب بين إيران الشيعية والسعودية السنية، كان موقفه الوقوف بجانب السعودية التي يراها بعض المتعصبين السذج حامية الإسلام.
إن من أسباب تأخرنا وخسارتنا على كل المستويات هي تلك العصبية الجاهلية التي لا تعتمد لا على حق ولا على منطق ولا على مبدأ، ولذا نهينا عنها ودُعينا للتخلص منها. فهل نتخلص منها؟