هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.
لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.
يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.
قيادي في "العدل والإحسان": الملك هو الحاكم الفعلي في المغرب
أكد فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان بالمغرب والناطق الرسمي باسمها، أن إسلاميي المغرب يشاركون في الحكومة لا الحكم، وأن الحكومة واجهة من واجهات نظام الحكم ليس إلا، وأن الملك هو الحاكم الفعلي والمتحكم الحقيقي في كل شيء.
واعتبر أرسلان في حوار خاص مع "عربي21"، أن المغرب لم يعرف مرحلة انتقال ديمقراطي أصلا، وأن ما جرى من تعديلات دستورية وانتخابات عام 2011 وما نجم عنه من حكومات كان جزءا من الاتفاف على حراك 20 فبراير وعلى المطالب الشعبية.
وأكد أرسلان، أن الإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي، أثبتوا بالتجربة أنهم مع صناديق الاقتراع ومع الآليات الديمقراطية، يحترمون اختيار الناس ويقبلون بالمنافسة مع الآخرين على نيل ثقة المواطنين وأصواتهم، وبددوا المخاوف التي كانت تدعي أنهم ضد الديمقراطية وحرية الاختيار.
وهذا هو النص الكامل للحوار:
1 ـ ما هو تقييمك لمشاركة الإسلام السياسي في إدارة الحكم في المغرب؟
ج ـ لا يخفى في البداية أن تعبير "الإسلام السياسي" يُواجَه بالكثير من التحفظ من قبل من يوصفون به (الإسلاميون) ومن باحثين وأكاديميين أيضا؛ ذلك أنه يحصر عمل الحركات الإسلامية في جانب من عملها واهتمامها وهو العمل السياسي والشأن العام، والحقيقة أن مجالات حركتها أوسع من ذلك، كما أن المصطلح يربط الإسلام بالسياسة فقط وكأننا حين الرصد سنجد جزرا متفرقة فهذا إسلام اقتصادي وذاك إسلام اجتماعي وذلك إسلام ثقافي، والحال أن الإسلام واحد، وإن تعددت قراءاته، وشامل لمناحي الحياة وإن تعددت أوجهها.
يشاركون في الحكومة لا في الحكم
أما بخصوص مشاركة بعض من إسلاميي المغرب في النسق السياسي الرسمي، فهي مشاركة في الحكومة لا الحكم، والفرق بينهما جوهري وكبير عند كل من يتابع أصول وقواعد اللعبة السياسية كما تجري في البلد، وهذا ـ الفرق الجوهري ـ يقره صريح الدستور ونصوص القانون وعرف السياسة وقوة الواقع.
الحكومة واجهة من واجهات نظام الحكم ليس إلا، إذ لم يعد خافيا أن الملك هو الحاكم الفعلي والمتحكم الحقيقي في كل شيء، ومعه مستشارون ومؤسسات وإدارات تشكل بعيدا عن الانتخاب وعن إرادة الشعب. وتأتي الحكومة، كما البرلمان وغيرهما، منفذا للسياسة العامة للدولة التي تقرر بعيدا عنها ليأتي دورها في "إدارة الحكم" تنفيذيا إجرائيا ثانويا.
وهو الدور الذي لا يعفي أصحابه من المسؤولية أمام الشعب والمجتمع، لأنهم ارتضوا هذا الاختلال الكبير في قواعد الممارسة السياسية الديمقراطية، ثم زادوا عن ذلك مسؤولية إضافية في تنزيل سياسات اجتماعية أضرت بشكل مباشر بالفئات الاجتماعية المختلفة في السنوات الأخيرة.
2 ـ هل تعتبر حزب العدالة والتنمية ممثلا لإسلاميي المغرب؟
ج ـ حزب العدالة والتنمية يمثل جزءا من إسلاميي المغرب وليس كلهم كما يعلم الجميع، مع استحضار أن الحزب أصبح ينفي عن نفسه صفة الحزب الإسلامي. فالإسلاميون، كما غيرهم من الحركات والأحزاب، وإن كانوا يشتركون في المرجعية وينطلقون من الإسلام باعتباره مؤطرا عاما لرؤيتهم وطروحاتهم، فإنهم يختلفون في المشاريع السياسية وفي عدد من القضايا التصورية وفي طرائق العمل وخطط التغيير والبدائل المقترحة. ومن تم يصعب اختزال كل التعبيرات والتيارات والحركات في حزب أو كيان واحد.
3 ـ ماذا ربح الانتقال الديمقراطي في المغرب وماذا خسر من المشاركة السياسية لإسلاميي العدالة والتنمية؟
ج ـ مرة أخرى نحتاج إلى توضيح آخر أساسي، فالمغرب لم يعش تجربة الإنتقال الديمقراطي ولم يدخل غمارها أصلا؛ فنظام الحكم المغربي بادر إلى عملية التفاف كبيرة إبان انطلاق الربيع العربي وحركة 20 فبراير في المغرب التي طالبت بإنهاء الفساد والإستبداد وتمتيع المغاربة بالحرية والكرامة والعدالة، وقد تمثل هذا الالتفاف في تعديلات دستورية لم تمس جوهر الإستبداد وبنية توزيع السلطة والثروة. كما أجرى انتخابات مبكرة وأشرك حزب العدالة والتنمية في الحكومة ليساير تكتيكيا موجة المحيط الإقليمي وينحني ظرفيا للعاصفة. ولكن كل تلك التغييرات الشكلية كانت مناورة سياسية هدفها امتصاص غضب الشباب المحتج في الشوارع والساحات دون علاج حقيقي لعمق الأزمة السياسية الخانقة التي يعاني منها البلد، وهو ما تختصره المقولة الشهيرة "يتغير كل شيء من أجل ألا يتغير أي شيء".
المناورة السياسية الرسمية ستتكشف لاحقا حين عادت القبضة الأمنية والتسلط السافر سواء على مستوى القوانين التي عهد إليها تفعيل دستور 2011، أو على مستوى الواقع السياسي والاجتماعي والحقوقي الذي ازداد تأزما، وما توسع دائرة الاحتجاجات في مختلف المناطق والفئات، وما موجة الهجرة عبر قوارب الموت التي تفجرت هذه الأيام والتي يخوضها الشباب المغربي هربا من هذا الواقع المختنق، إلا نماذج من عشرات التعبيرات التي تكشف طبيعة المرحلة التي نعيشها والتي هي أبعد ما تكون عن شيء اسمه "انتقال ديمقراطي".
في سياق مثل هذا، نعتقد أن المشاركين في لعبة التمويه على الشعب والالتفاف على مطلب الديمقراطية والدولة العادلة مقابل التمكين للاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي، لا مجال ولا مؤشرات أمامهم لأية مكاسب إيجابية لا لهيئاتهم ولا للشعب ولا للمشهد العام، وما ظهر جليا خلال السنتين الأخيرتين من اهتزازات في صف أصحاب هذا الخيار أو من انغلاق سياسي وترد اقتصادي واجتماعي غني عن كل قول وبيان، بل إن المسؤولين، وفي مقدمتهم الملك، أصبحوا في جل خطاباتهم يسبقون المعارضة والمحللين في الحديث عن مظاهر الفشل العام.
4 ـ أين تقف جماعة العدل والإحسان من المشهد السياسي المغربي؟ هل هي جزء من الإسلام السياسي، أم إنها حركة دعوية أو صوفية؟
ج ـ جماعة العدل والإحسان تقف إلى جانب الشعب، مصطفة معه، تدافع عن حقه في العيش الكريم والحرية التامة والكرامة الآدمية، وتعارض نمط الحكم الاستبدادي بشكل صريح ومسؤول.
تشارك جماعة العدل والإحسان في العمل السياسي العام بعيدا عن المؤسسات الشكلية الرسمية والانتخابات الصورية، نشارك عبر الضغط والتأثير والاقتراح، نخوض في عمل الليل والنهار إلى جانب المستضعفين دفاعا عنهم ومواساة لهم وتخفيفا عنهم في ما ألم بهم وبعموم المغاربة.
تشتغل العدل والإحسان عبر أدوات العمل السياسي والمدني التي انتهت إليها التجربة الإنسانية والفكر السياسي؛ فتجدنا في عمل النقابات ونشاط الشباب وحركية النساء وفعل التنسيق والحوار والمناظرة والتداول بين الفاعلين والأحرار والفضلاء، نبني في الوعي ونشتغل في الواقع.
العدل والإحسان حركة مجتمعية همها الأول تربية الإنسان المسلم ليكون إنسانا صالحا لنفسه صالحا لمجتمعه، متخلقا بحميد الأخلاق التي حث عليها ديننا الحنيف مشاركا إيجابيا فعالا في نماء المجتمع وتطوره، وهمها الثاني خلاص الشعب المغربي من ربقة الظلم والاستبداد وامتلاك زمام نفسه في اختيار حكامه وتدبير سياسته لتصب لصالح الإنسان والعمران والبنيان لا أن تكون حكرا على السلطان.
5 ـ ما هي شروط اندماج الجماعة في العمل السياسي الرسمي؟
ج ـ إنها الشروط التي قلناها مرارا، ويقول بها عدد من الفضلاء، أن تعيد الدولة صياغة قواعد العمل السياسي برضى حقيقي من الشعب، وبمشاركة كافة القوى في صياغة تلك القواعد بشكل منفتح على كافة القضايا والخيارات ودون خطوط حمراء، وأن يتم إنهاء واقع الاستفراد بالحكم وفتح المجال للتداول الحقيقي عليه، وأن يكون من يحكم نابعا من الاختيار الشعبي، وأن تفصل السلطة عن الثروة، وأن تقرن كل مسؤولية وسلطة بالمحاسبة.
6 ـ كيف تقيم جماعة "العدل والإحسان" مشاركة الإسلاميين في عدد من الدول العربية في الحكم؟ هل تعتبر ذلك ضمن مسلسل التراكم المطلوب للتأسيس للانتقال الديمقراطي أم العكس؟
ج ـ مشاركة الإسلاميين في حكم عدد من الدول العربية تباينت وجاءت في سياقات مختلفة، ولكن الأقرب إلينا زمنا هي التجارب الفعلية التي جاء بها الربيع العربي قبل أن يتم الانقلاب على أغلبها، والتي رغم تنوعها واختلاف مساراتها إلا أنه يمكن تسجيل عدد من السمات العامة التي تفيد في تقييم التجربة:
ـ أثبت الإسلاميون أنهم مع صناديق الاقتراع ومع الآليات الديمقراطية، يحترمون اختيار الناس ويقبلون بالمنافسة مع الآخرين على نيل ثقة المواطنين وأصواتهم، ومن تم بددوا المخاوف التي كانت تدعي أنهم ضد الديمقراطية وحرية الاختيار.
ـ واجه الإسلاميون مقاومة شديدة من قبل الدولة العميقة ومؤسساتها وهياكلها، وبقيت النواة الصلبة لإدارة الدولة وتدبير الحكم خارج سلطتهم بل معرقلة لهم في مرحلة ومواجهة لهم في مرحلة أخرى. وبالتالي لم تمنح لهم فرصة تنزيل مشاريعهم التي صوت المواطن العربي عليها حتى يتاح الحكم على مدى نجاعتها، أي إن القول بكون الإسلاميين فشلوا في تدبير السلطة قول غير منصف ولا عادل ولا موضوعي.
ـ لم يحسن الإسلاميون، وقبلهم باقي التيارات والحركات اليسارية والليبرالية، تدبير المرحلة الانتقالية التي كانت تحتاج التوافق، ولا فهم متطلباتها ومستلزماتها، ودخل الجميع في حرب أيديولوجيات والتدافع على هوية المجتمعات ناهيك عن الصراع على مراكز النفوذ والقوى، وهو ما انتهزته قوى الثورة المضادة المحلية والإقليمية والدولية لطحن الجميع.
ـ ينبغي على الإسلاميين وغيرهم من التيارات، بالنظر لطبيعة المرحلة واستحقاقاتها وأولوياتها، إعطاء الأسبقية للبحث عن أرضية مشتركة رصينة بين كل طلاب الحرية والكرامة ورافضي التسلط والاستبداد، وإرجاء الخلافات الأيديولوجية والهوياتية وإشكالاتها التي ينبغي أن تخاض في مرحلة لاحقة وفي أجواء هادئة ومن قبل عقلاء مكونات الشعب حتى يتحقق أكبر قدر من الإجماع حول هوية الأمة الجامعة التي لا ينبغي أن تلغي هويات الأقليات المتنوعة.
ـ على الإسلاميين، ونحن منهم، كما على الآخرين، تعميق النظر والبحث أكثر في البدائل والمقترحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والتنموية، التي يلزم أن تملأ الساحة في مرحلة البناء على أنقاض ما يخلفه الاستبداد والفساد.
ـ أثبتت التجربة أن الحكم ليس نزهة، ولا نهزة، ولا مغنما، وأن تحدياته عظيمة والعقبات التي تعترض أصحابه الشرفاء جمة وأبرزها: الشعب وطلباته المستعجلة، والفرقاء وتدبير الاختلاف وتعدد القراءات والاقتراحات، والمنتظم الدولي ودفاعه المستميت عن مصالحه ورفضه تمتع المنطقة بتجربة ديمقراطية حقيقية، والبناء الاقتصادي والتنموي مع الحفاظ على التماسك الاجتماعي، وتفكيك بنية الدولة العميقة وشبكاتها المصلحية لصالح تأسيس دولة المجتمع.... كلها، وغيرها كثير، تحديات أكدت التجربة أنه يلزم التفكير القبلي فيها والتأمل في سبل التعامل معها وكيفيات تدبيرها حتى لا تفجأ الأحداث المستقبلية قوى التغيير.
إن حركة التاريخ تتقدم إلى الأمام، وسنة الله ماضية في الأمم، واللحظات المفصلية والمؤثرة في المسارات لا شك تشكل لبنة تبنى عليها لبنات التغيير الآتية، والتجربة العظيمة التي سارت فيها شعوب المنطقة مع الربيع العربي، والتي تشتغل كل الجهات المناوئة لإرادة ومصالح شعوبنا بشراسة لتحويلها إلى خريف مكفهر. لكنها، بكل يقين، ستكون حلقة جوهرية في مسار متسلسل من التراكمات التي تمضي بإذن الملك الوهاب إلى إنهاء الاستبداد والفساد في آخر المطاف وتمكين الأمة من مسيرها الواعد نحو مصيرها الموعود، هذه هي سنة الله في الكون وتاريخ حركات الشعوب والأمم.
ـ على الإسلاميين أن يستصحبوا معهم، وهم يخوضون في تجارب السياسة وحريقها اليومي وهمّها الذي لا ينتهي، بوصلة المشروع وسؤال المنطلق، حتى لا تضيع الوجهة وتفتقد الغاية أمام حجم الإكراهات وجَلَبة الواقع. ذلك أنه يُخشى الانسلاخ عن الذات والتخلي عن الرسالة التي منها كان المبتدأ؛ فالدعوة والتربية هما المهمة الأساس للحركة الإسلامية والعمق الحقيقي للتغيير الذي يستهدف البنى بقدر استهداف الإنسان.
من نحن؟ وماذا نريد؟ سؤالان لا ينبغي أن يضمرا أو يضيعا أمام ضغط وزحمة وإكراه البحث في الكيف والوسائل.