هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية ،واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.
لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.
يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.
اليوم يقدم الكاتب والناشر والمؤرخ الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان وجهة نظره حول الجذور التاريخية لتيار الإسلام السياسي في الجزائر، والذي يراه جزءا من حركة التحرير التي خاضها الجزائريون ضد الإستعمار الفرنسي.
باحث جزائري: الإسلام السياسي جزء أصيل من حركة التحرير الوطني
عند إلقاء نظرة فاحصة على الخريطة السياسية والأيديولوجية للجزائر الحالية تظهر لنا ثمانية تيارات متقاطعة ومتداخلة يمكن تفصيلها على النحو التالي:
جزء أصيل من الحركة الوطنية
التيار الأول: وطني عربي إسلامي، وهو يتمسك بالدولة الوطنية (سياسيا وسياديا) في إطار الجامعة العربية، والأمة الإسلامية، وأبرز ما يتمثل فيه هذا الإتجاه الأيديولوجي في الجزائر هو بيان أول نوفمبر سنة 1954 والتي فجرها سليلو حزب الشعب الجزائري سياسيا، واحتصنتها جمعية العلماء المسلمين دينيا، وباركوها جهاديا ودعوا إلى مناصرتها كلّ الأشقاء عربيا وإسلاميا.
هذا البيان لم يخرج عن إطار مبادئ حزب الشعب الجزائري ـ حركة الإنتصار للحريات الديمقراطية وجمعية علماء المسلمين التي تمثل الحركة الإسلامية الوطنية مما يدل على أن الهدف والمنطلق كان واحدا (بين حزب الشعب وجمعية العلماء) مع اختلاف في الوسائل والمناهج وترتيب الاولويات..
وأبرز ما تتجسد فيه هذه المبادئ بالنسبة للبيان النوفمبري هو:
أولا: إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الإجتماعية في إطار المبادئ الاسلامية "غير الشيوعية وغير العلمانية".
ثانيا: تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي ـ الإسلامي، ونلاحظ هنا الإعلان الصريح عن الهوية الوطنية ذات البعد الوحدوي (الطبيعي) العربي ـ الإسلامي (وليس الإفريقي أو المتوسطي أو النوميدي أو البربري).
وهو ما يتطابق تطابقا كليا مع شعار ابن باديس القائل "الجزائر وطننا، الإسلام ديننا، العربية لغتنا"، وهو الشعار ذاته الذي تبنته الحركة الوطنية السياسية التي تمثلت في حزب الشعب الجزائري مفجر ثورة التحرير التي ضمت كل رجال جمعية علماء المسلمين الجزائريين ومنهم رئيس الجبهة الاسلامية للانقاذ ذاته (مناضل حزب الشعب وابن جمعية العلماء المسلمين) الدكتور عباسي مدني، والذي كان في الصفوف الأولى ليلة اندلاع الثورة في الأول من تشرين ثاني/نوفمبر سنة 1954 وكذلك رئيس جمعية العلماء الشيخ البشير الابراهمي يوم 3 تشرين ثاني/نوفمبر 1954 في القاهرة وهو امتداد لموقف سلفه ابن باديس القائل:
شعب الجزائرمســلـــم وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله أوقال مات فقد كــــــذب
أو رام ادماجـــــــا لـه رام المحال من الطلب
التيار الثاني: وطني إسلامي (لا قومي)
التيار الثالث: وطني عربي (علماني)
التيار الرابع: اسلامي أممي (لا وطني ولا قومي)
التيار الخامس: قومي عربي علماني (لا وطني ولا إسلامي)
التيار السادس: شيوعي أممي (لا قومي ولا وطني ولا إسلامي)
التيار السابع: وطني ليبرالي مستغرب لغة وثقافة (لا عربي ولا قومي ولا إسلامي)
التيار الثامن: انعزالي فاشي عرقي جهوي مستغرب لغة وثقافة (لا عربي لا قومي ولا إسلامي)
خارطة الأحزاب بعد الإستقلال
وعندما نتفحص الخريطة السياسية والأيديولوجية السائدة في الجزائر بعد الإستقلال لا نجد صعوبة في العثور على كل واحدة من هذه العينات لوضع التشكيلة المناسبة في المكان المناسب من الخريطة بفضل التجربة الديمقراطية وحرية التعبير التي أسفر عنها أول ربيع عربي في الجزائر دام ثلاث سنوات (1989 ـ 1991).
ونظرا لتقاطع هذه الإتجاهات الثمانية في بعض المبادئ والمنطلقات والأهداف (المعلنة والخفية) فقد وجد بعضهم متحالفا عقائديا ومصلحيا مع البعض الآخر، وأعيد تشكيل أقطاب جديدة مركبة على هذا الأساس المصلحي بحكم الظروف والمعطيات والأولويات المتعلقة بموازين القوى ومراكز الثقل على الساحة الوطنية، وهذان القطبان تحديدا واصطلاحا هما:
ـ قطب وطني عربي اسلامي
ـ قطب وطني تغريبي علماني
ويظل الموضوع الوحيد الذي يلتقي فيه القطبان ظاهريا هو "الوطنية " مع اختلاف كبير في سلوك ومفاهيم ومواقف أصحاب كل قطب بالنسبة لمحتوى هذا المصطلح نظرا لعدم تحديده بدقة في أي وثيقة رسمية بعد الإستقلال (على غرار مصطلح الإرهاب )...
وفي غياب أو تغييب هذا التحديد بات كل قطب يدعي احتكار الوطنية لنفسه وينزعها عن غيره.
ربيع 1988.. مرحلة لها ما بعدها
وعندما نعود الى الواقع المعيش ونتتبع دلالة هذا المفهوم من خلال سلوك ومواقف بعض الأحزاب السياسية التي دفعت بها إلى السطح أوضاع أول ربيع عربي في تشرين أول/ أكتوبر 1988 نجده يختلف اختلافا جوهريا عن سلوك ومواقف الوطني ومفهوم الوطنية المعروف في مبادئ ونصوص الحركة الوطنية قبل تشرين ثاني/نوفمبر 1954، خاصة خلال الثورة التحريرية، حيث كانت الوطنية تقاس عمليا وموضوعيا بما يقدمه المواطن الصالح للثورة الوطنية الاسلامية من تضحيات خالصة من أية شائبة نفعية تخص الذات فردا أو عائلة أو جهة. ولا أدل على ذلك في هذا الخصوص من تلك القاعدة الذهبية التي كانت تطبق بصرامة ابان الثورة (في الداخل)، والتي تقضي بأن يُعتبر من يسعى الى تقلد المسؤولية خائنا، ومن يرفضها عندما تُسند إليه من من الثورة خائنا أيضا.
وإذا عرفنا أن التعطش الدموي الى الكرسي الذي جبل عليه "بنو قابيل" هو سبب كل المصائب والبلايا التي لحقت بالشعوب المقهورة من الحكام الفاسدين غير الشرعييين، نجد أن لجم هذا الطموح الأناني لدى الإنسان من قبَل الثورة كان أعظم ضوابطه المجسدة لقيم ثورة الجهاد.
وقد تبين من خلال هذا التطبيق النزيه والصارم للمبادئ ما يمكن اعتباره مقياسا ذهبيا لقياس الوطنية لدى من يدعيها بمدى تضحيته الخالصة للثورة. وظل الإسلام هو الحكم وشريعته مطبقة بصرامة طيلة ثورة الجهاد (ومثال ذلك والدي الشهيد الذي أعدمه العدو الفرنسي أمام الملأ بعد سرد حيثيات الحكم عليه التي يثبتون ويبررون بها حكمهم بأنه كان قاضيا شرعيا للثورة) فالثورة كانت هي الإسلام والإسلام هو الوطن.
وظلت المشاركة في الثورة على هذا الأساس، وبهذا المقياس تمثل قمة الوطنية لكون الإعراض عن المشاركة فيه أو المناوئة لها قمة الخيانة للوطن ذاته لكون الثورة كانت هي الوطن، وهو ما تلخصه عبارة "حب الوطن من الايمان" التي كانت من شعارات المجاهدين.
نترك مفهوم الوطنية معلقا دون حسم (كما حاولنا ان نبرهن على ذلك بما فيه الكفاية من الأدلة والشواهد)، وننتقل إلى مواصلة رصد وكشف المغالطات والشعارات التي يرفعها كل قطب حزبي وتذويب في مواجهة القطب الاخر.
اتهامات متبادلة
فالقطب الأول ينعت القطب الثاني بالعمالة للإستعمار والخيانة للثورة والإنحلال الأخلاقي ومسخ الهوية وتذويب الشخصية لغة، ودينا، وثقافة وسلوكا.
والقطب الثاني يتهم خصومه بالتعصب واللا وطنية ومعاداة الديمقراطية و"بالبعثية الأصولية" والظلامية. ونظرا لأن الصراع في حقيقته بين الطرفين قائم حول اللغة والهوية وما يزال محتدما حتى الان، فقد أصبح الوطني في منظور الخصوم بعثيا مطعونا في انتمائه الوطني، لكونه يدافع عن لغة "أجنبية ودخيلة "على الوطن في اعتقادهم (الوطني) وأصبح الإسلامي بعثيا هو الأخر رغم محاربته الشديدة للعلمانية البعثية، وأصبح البعثي "أصوليا" بالقوة حتى وإن كان بعضهم يستهتر بجميع المقدسات الدينية للأمة المحمدية. ودليلنا على ذلك نستمده من مصطلح "البعثي الأصولي" الذي اخترعه أحد أقطاب "حزب البعث الفرنسي" وهو الجينيرال خالد نزار أحد قادة الانقلاب الاستئصالي ضد التيار الوطني الإسلامي الذي أطلق هذا المصطلح وهو المعترف (في مذكراته) بتلقي سبعة مليارات ريال من العاهل السعودي الراحل الملك فهد لمحاربة أول ربيع عربي أسفر عن بروز الجبهة الاسلامية الوطنية للانقاذ.
على انه من الغريب الذي يلفت النظر أن الحزب الذي يتهم خصومه "بالبعثية الأصولية" وينزع عنهم صفة الوطنية نزعا وهو ما هو عليه في مكوناته (الشيوعىة، والمسيحية واليهودية والعلمانية والعرقية والجهوية) لا يقبل أن ينعت بأي صفة (لغوية أو عرقية)، و لا يقدم نفسه إلا بصفته حزبا وطنيا ديمقراطيا عصريا ومنقذا للوطن من "الأصولية البعثية" الخائنة للوطن (في مفهومه للوطن).
وإذا لم يتجرأ أصحابه على الإفصاح عن اسمه الحقيقي في الواقع والذي يناقض اسمه الحزبي في الظاهر، فإن الكتاب الوطنيين (بالمعنى النوفمبري) قد أذهلهم هذا التناقض الصارخ، فأطلق عليه بعضهم اسم حزب فرنسا أو حزب الفرانكوش أو حزب الإستحلال بمعنى الحزب الذي يستهدف الإحلال محل العدو الفرنسي، بدليل ان أحد زعماء هذا القطب قد نادى في مظاهرات المناهضة لقانون اللغة العربية: "renez nous notre algrie"، أي ارجعو لنا جزائرنا. وبقطع النظر عما يتحاشى هو الإفصاح عنه من أهداف حقيقية ما فتئ يستعمل كل الوسائل الضاغطة على أصحاب القرار لتنفيذها، ومن هذه الأهداف المحققة على حساب خصمه:
أولا: المطالبة بإلغاء نتائج أول انتخابات تشريعية في تاريخ الجزائر لا لشيء إلا لأن نتائجها كانت في غير صالح أصحاب هذا القطب.
ثانيا: تجميد قانون اللغة العربية في يوم ذكرى الإستقلال الوطني، وهو القانون الذي قد صادق عليه المجلس الوطني الشعبي بكيفية ديمقراطية.
ثالثا: إذا كانت الدولة قد اعتبرت الغاء نتائج الإنتخابات التشريعية إجراء مؤقتا ومرحليا فرضته الظروف(...) وغير موجه ضد الديمقراطية في ذاتها.. وعادت تلح على الحوار مع جميع الأطراف المعنية بإعادة المسار الإنتخابي والديمقراطي، فإن أي معارض لهذا الحوار هو هذا القطب المسمي نفسه "ديمقراطيا"..
وحجتنا القاطعة على وجود هذا القطب بكل مواصفاته ومحتوياته هو ذلك الإحتجاج ذاته، لأن إنكار التهمة في هذه الحالة من البعض دون البعض هو عينه قرينة الإثبات ضد النافي، خاصة وأن جل الأحزاب المعتمدة تحمل أسماء في غاية اللمعان (ديمقراطيا جمهوريا وطنيا).
والحقيقة أن الوطنية والديمقراطية والجمهورية هي صفات يفترض أن تظل دائما مشتركة بين جميع الأحزاب الرسمية المعتمدة دستوريا.
وبصرف النظر عما فصلناه من حديث حول معنى الوطنية في مستهل هذا المقال، والتي يمكن أن نلخصها في عبارة واحدة هي "التضحية " من أجل الوطن بمقوماته الأساسية وثوابته المنصوص عليها في الدستور ذاته، ومن ثمة فإن كل الأحزاب يفترض أن تكون وطنية وديمقراطية وجمهورية وتبقى صفات "الاسلامية" و"العلمانية" والإشتراكية" و"الليبرالية"، هي صفات التي قد تنعت بها أحزاب دون أخرى.
فالوطنية والديمقراطية والجمهورية ليست برامج سياسية ولا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كان هناك في الساحة أحزاب خائنة مقابل الوطنية وأحزاب تدعو الى الملكية مقابل الجمهورية وأحزاب تدعو الى الإستبداد والديكتاتورية مقابل الديمقراطية.
مع الإشارة هنا الى أن صفة "الإسلامي" الآنفة الذكر تنصب على البرنامج الحزبي وليس على الإسلام في ذاته لكون الجميع مسلمين (نظريا واسميا على الأقل) مثلما هم وطنيون وديمقراطيون وجمهوريون كذلك.
قواسم مشتركة
ومن ثمة ـ وفي ماعدا ذلك ـ فإن جميع الأحزاب تلتقي دستوريا في صفة الوطنية والديمقراطية والجمهورية وتختلف في البرامج فقط، وهذا أمر مخول لها دستوريا بحكم المبدأ التعددي ذاته، إلا أن المغالطة هنا هو اعتبار كل الإسلاميين غير وطنيين وغير ديمقراطيين، فهنا يكمن الخطأ الفاحش الذي لا يعادله إلا اعتبار كل أبطال نوفمبر غير مسلمين، وهو أمر يبعث على الدهشة وينم عن جهل مطبق أو سوء النية أو كليهما معا.
ومهما يكن فإن الديمقراطية والوطنية سلوك وفعل وليست حكرا على حزب بعينه، ولذلك ففي أسوأ الأحوال يكون الفرق بين من يدعى بالإسلامي والوطني هو التقوى والعصيان وبين العلماني والإسلامي هو الكفر والإيمان وليس الفرق بينهما الديمقراطية أو الوطنية أو الجمهورية، بأي حال من الأحوال.
هذا فيما يتعلق بأصحاب الشعار "الديمقراطي والجمهوري والوطني" أما فيما يتعلق بالشعار الإسلامي (الذي يريد البعض احتكاره على غرار احتكار الآخرين للشعارات الأخرى)، فإن المحك الحقيقي في ذلك هو التمسك بتطبيق بنود الدستور وليس الإكتفاء بالقول باحترامه من بعيد، فلهؤلاء الذين يدّعون احترام الدستور دون تطبيق، أو تطبيق بعض بنوده دون الأخرى، أو الذين ينادون بالتعددية السياسية دون تمكين الخصوم من الحرية، أو الذين ينادون بالديمقراطية دون أن يمتلكوا الشجاعة كي يقرَوا نتائجها الحتمية، أو الذين يعادون الصناديق الشفافة ولا يرضون بها إلا عندما يتأكدون أنها في صالحهم، أو الذين لا يقبلون هذه الصناديق إلا تكتيكا واضطرارا كمرحلة انتقالية للعودة إلى ما يشبه " المَلَكية".مع الإصرار على تجاهل القاعدة الديمقراطية الأولى التي وضعها خالق الأكوان للتعامل مع أول مخلوق معارض على وجه الأرض، حيث منح حزبه "حزب الشيطان" الحصانة ومكنه من وسائل التعبير والدعاية لمبادئه وأعطاه الحرية الكاملة في العمل دون أي حضر أو حجر، حتى تنتهي الحياة الدنيوية، وذلك بنص الآية القرآنية الصريحة:
"قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"، (سورة ص).
فلهؤلاء الذين يعادون الديمقراطية والتعددية وحكم الأغلبية (عندما لا يكونون هم الحاكمين) ويعتبرونها كفرا صراحا أو بدعة مستحدثة نقول: إن هذا الموقف الذي تقفونه ضد التمكين لدين الله بالتي هي أحسن عن طريق الإختبار الحر يعتبر أعظم خدمة تقدمونها لأعداء الإسلام والمسلمين في كل مكان بإعطائهم الحجة والذريعة لاتهام الإسلام والمسلمين في كل مكان بأنه دين إجبار وأخذ الناس الأحرار بالقوة إلى الجنة أو النار، وهو ما يتناقض أصلا مع جوهر الإسلام ونظامه الرباني الحر المبني على قوة الحجة والإقناع وليس على حجة القوة والنفاق والرياء حتى مع الأعداء.
إني أعتقد جازما أن أقوى سلاح في أيدي الدعوة الإسلامية هي الديمقراطية الحقيقية وحدها، أي حكم الأغلبية وحرية التبليغ بالتي هي أحسن وإعطاء النموذج الأمثل للمسلم الحقيقي في سلوكه اليومي، ليكون قدوة لغير المسلمين، وأن أكبرعدو للديمقراطية في البلاد الإسلامية هم أعداء الإسلام أنفسهم، ومع ذلك استطاعوا بخبثهم وحنكتهم السياسية أن يعكسوا الآية بتظاهرهم الشكلي بالمطالبة بالديمقراطية الصورية في البلدان الإسلامية، ودفع بعض المسلمين إلى واجهة النضال ضد الديمقراطية نيابة عنهم لتحقيق هدفهم المتمثل في تسويد صورة الإسلام الناصع الذي بات يغزوهم في عقر ديارهم الآيلة للدمار بالإنحلال والتفسخ التلقائي والذاتي.
*كاتب ومؤرخ جزائري