نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقال رأي للكاتب آزاد عيسى، سلط من خلاله الضوء على الأسباب التي جعلت قضية مقتل جمال
خاشقجي تستأثر بالاهتمام الإعلامي، وتحظى باهتمام الناشطين الحقوقيين حول العالم، وهو ما لم يكن الحال مع سائر الجرائم
السعودية السابقة.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "
عربي21"، إن هذا الاختلاف في التفاعل مع الجرائم السعودية يعود إلى مساهمة صحفيين مخضرمين من صحف مرموقة، على غرار واشنطن بوست ونيويورك تايمز، في إشعال فتيل الاحتجاجات، فضلا عن احتجاج النشطاء والنقابات التي تعنى بشؤون الصحافة على قتل الصحفيين دون أي ذنب خلال السنوات العشر الأخيرة.
من جانب آخر، ساهمت أصوات المعارضين السعوديين والليبراليين، الذين أكدوا على ضرورة تحمل المملكة مسؤوليتها الكاملة في مقتل خاشقجي، في حشد هذا التفاعل. وقد أوضح هؤلاء أنه في حال تم تجاهل القضية، فسيشكل ذلك سابقة خطيرة ستجعل الجميع يفتقدون للأمان.
وأفاد الكاتب بأن مقتل خاشقجي بسبب كلماته أمر مروع. مع ذلك، يجب أن نواجه حقيقة أن 44 صحفيا آخرين قتلوا خلال سنة 2018. وينضم خاشقجي إلى المجموعة المأساوية المكونة من 30 صحفيا تم استهدافهم وقتلهم عن عمد. ولم يلق مقتل الصحفيين اهتماما كبيرا من قبل وسائل الإعلام باستثناء الصحفييْن الأمريكييْن اللذين قتلا على يد مسلح في صحيفة "كابيتال غازيت" في ميريلاند، خلال تموز/ يوليو الماضي.
وبين الكاتب أن لجنة حماية الصحفيين أصدرت هذا الأسبوع مؤشر الإفلات من العقاب. ووفقا لإحصائيات اللجنة، قتل 324 صحفيا على الأقل في جميع أنحاء العالم على مدى السنوات العشر الماضية، ولكن في 85 بالمئة من الحالات لم تتم إدانة مرتكبي هذه الجرائم.
وقد جاء في بيان اللجنة أن "غالبية الضحايا هم صحفيون محليون. وتشمل القائمة الدول التي أدى فيها انعدام الاستقرار الناجم عن النزاع والعنف من قبل الجماعات المسلحة إلى تغذية الإفلات من العقاب، فضلا عن الدول التي تم فيها استهداف الصحفيين الذين يغطون قضايا الفساد والجريمة والسياسة والأعمال وحقوق الإنسان".
وأورد الكاتب أن المملكة العربية السعودية، بالتعاون مع الإمارات العربية المتحدة، أعادت منطقة الشرق الأوسط عقودا إلى الوراء. وقد قوضت الرياض الحركات الديمقراطية، وأدخلت الفساد على القضية الفلسطينية، ومولت المرتزقة من العراق، وصولا إلى نيجيريا، كما أنها قتلت الآلاف من الأطفال والمدنيين في اليمن، وتركت البلاد في حالة خراب.
وأوضح الكاتب أن مقتل خاشقجي ساهم في تراجع العديد من الأطراف عن المشاركة في منتدى "دافوس الصحراء"، كما تراجعت بعض الدول عن بيع الأسلحة للرياض. وفي تقريره الذي نشر في صحيفة نيويورك تايمز تحت عنوان "كيف أثارت وفاة أحد الصحفيين ردة فعل عنيفة لم يثرها مقتل الآلاف في اليمن"، تحدث الصحفي ماكس فيشر عن "انهيار التعاطف" عبر الإشارة إلى أن قصة قتل شخص واحد قد يكون له تأثير أقوى من إحصاءات كبيرة للموتى.
وفي هذا الصدد، ضرب فيشر مثال غرق الصبي آلان الكردي قبالة السواحل التركية خلال سنة 2015، والتأثير الذي أحدثته القصة في جميع أنحاء العالم، لإيضاح كيف يجعل تضخيم قصة شخصية واحدة تجاهلها أمرا صعبا.
وذكر الكاتب أن قرب خاشقجي من النخبة الليبرالية، حيث إنه كان كاتب عمود في صحيفة واشنطن بوست، حوّل قصة اختفائه ومقتله إلى فعل غير مقبول ولا يمكن التسامح معه، ما ساهم أيضا في انتشارها في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأعداد كبيرة من وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية. على صعيد آخر، يبدو من المثير للسخرية أن نظن بأن الولايات المتحدة لم تكتشف الانتهاكات التي ترتكبها المملكة العربية السعودية إلا بعد مقتل خاشقجي، خاصة مع ما تقوم به السعودية في اليمن.
وفي الختام، قال الكاتب إن وسائل الإعلام الأمريكية أرادت وضع حد للعلاقات المتنامية للمملكة مع حكومة ترامب، ووجدت في جريمة قتل خاشقجي الوحشية فرصة سانحة لذلك.