هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول المصالح الأمريكية في السعودية، وتأكيده أنه لن يتخلى عن العلاقة مع الرياض رغم اعترافها بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول،مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ردود أفعال دولية واسعة.
وقال ترامب، في بيان أصدره الثلاثاء، تحت عنوان "أمريكا أولا": "لن نتخلى عن مئات ملايين الدولارات ونسمح لروسيا والصين بالحصول عليها"، مؤكدا أنه "لن يسمح بتدمير الاقتصاد الأمريكي بسبب مقتل خاشقجي"، وسط تساؤلات عن حقيقة المصالح الاقتصادية بين واشنطن والرياض، خاصة بعد إتهامات لترامب بالكذب والمبالغة في الترويج لتلك المصالح "المزعومة".
وتابع متحدثا عن السعودية: "لقد عملوا معنا بشكل وثيق وكانوا مستجيبين للغاية لطلباتي بالحفاظ على أسعار النفط عند مستويات معقولة، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة للعالم".
اقرأ أيضا: WP: ما علاقة الأسلحة الروسية بدفاع ترامب عن ابن سلمان؟
واعتبر الناشر والمدير التنفيذي لصحيفة "واشنطن بوست"، فريد ريان، أن رد ترامب على مقتل خاشقجي هو "خيانة للقيم الأمريكية الراسخة في احترام حقوق الإنسان"، قائلا: "ترامب يضع العلاقات الشخصية والمصالح التجارية فوق المصالح الأمريكية برغبته في مواصلة القيام بالأعمال المعتادة مع ولي عهد المملكة العربية السعودية (محمد بن سلمان )".
ووصفت محررة المقالات الدولية في "واشنطن بوست"، كارين عطية، بيان ترامب بـ"الصبياني والأخرق الذي تشوبه الأكاذيب" قائلة "ترامب يبذل قصارى جهده لمساعدة النظام السعودي على الإفلات من جريمة قتل شخص كان أحد أبرز الكتاب في العالم العربي وفي حال استمرار الإدارة على هذا المسار فإنّها ستدمر القليل الذي تبقى من مصداقية أمريكا الأخلاقية في مجالَي حقوق الإنسان وحرية التعبير".
وفي تجاهل وتحد واضح لكافة الانتقادات الموجههة للرئيس الأمريكي بشأن تمسكه بالعلاقات مع الرياض رغم اعرافها بقتل خاشقجي داخل قنصلية المملكة، غرد ترامب أمس الأربعاء، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قائلا: "أسعار النفط تتراجع. عظيم! مثل تخفيض ضريبي كبير لأمريكا والعالم. 54 دولارا (لبرميل النفط) كانت 82 دولارا. شكرا للسعودية، ولكن دعونا نذهب إلى أسعار أقل".
اقرأ أيضا: هل يسعى ابن سلمان لشراء صمت ترامب بخفض سعر البترول؟
مبالغة دون تفسير
وعلق الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، على توجيه ترامب الشكر للسعودية قائلا: "هذا مثير للضحك، لأن السعودية الآن تحاول إعادة النظر في موضوع خفض الإنتاج خلال اجتماع فينا المقبل في 6 ديسمبر/ كانون الأول، بعد الخسائر الكبرى التي تكبدوها بسبب تنفيذ أوامر ترامب، في نفس الوقت الذي يتصاعد فيه الإنتاج الأمريكي".
وأكد إسماعيل، في تصريحات لـ "عربي21" أن "ترامب يبالغ بلغة الاقتصاد والأرقام، ويضخم من حجم الصفقات التي يعقدها، مضيفا: "أمريكا لم تعد بحاجة إلى السعودية في مجالات الطاقة رغم أن شركات أمريكية تعمل في الرياض بمشاريع طاقة، وما يهم ترامب الآن في علاقته مع السعودية هو بيع الأسلحة لهم".
وأوضح أن ترامب لم يقدم تفسيرا يبرر قوله للصحفيين بأنه: "إذا قطعنا العلاقة مع السعودية سيصل سعر برميل النفط إلى 150 دولار دون تفسير المبررات علما ان الاسواق مشبعة والاسعار تنخفض"، متسائلا: "كيف نصدق ترامب وهو يبالغ ويتقلب في تصريحاته"؟
وأشار الخبير في شؤون النفط والطاقة إلى أن الأرقام الخيالية التي تم الإعلان عنها بشأن صفقات الأسلحة بين ترامب والسعودية (مثل 500 مليار دولار ومؤخرا 110 مليارات دولار ) لا تزال مجرد نوايا ومذكرات تفاهم وليست عقود إلزامية".
اقرأ أيضا: فورين بوليسي: ماذا حدث لتقرير ترامب حول خاشقجي؟
مليارات معلقة
وأردف: "ما تم توقيعه فعليا هو عقد بقيمة 14.5 مليار دولار، وباقي المبالغ الأخرى لم يتم الاتفاق الرسمي بشأنها حتى هذه اللحظة"، لافتا إلى أن "السعودية تعهدت في لقاءات مع ترامب منذ انتخابه رئيسا، أن تشتري طائرات وصواريخ وأسلحة من بوينغ ولوكهيد مارتن وراثيون ولكن لم تترجم التعهدات إلى عقود شراء رسمية".
وتابع: "ترامب يتحدث عن استثمارات سعودية جديدة بقيمة 345 مليار دولار، وهذه أيضا تعهدات وتفاهمات وقد تتحقق أو لا تتحقق، كما يتحدث ترامب عن 450 ألف وظيفة ثم نصف مليون وظيفة و600 الف وظيفة ولكن التوقعات الحقيقية سوف لا تخلق اكثر من 20 الف وظيفة".
وقال إسماعيل: "نعم هناك علاقة تاريخية وتحالفات بين الولايات المتحدة السعودية، ولكن ترامب تخلى عن مباديء الدستور الأمريكي ومبادئ العدالة وحماية المضطهدين وحقوق الإنسان من أجل عقود اقتصادية مبالغ في قيمتها".
وأضاف: "اعتقد أن تخبط ترامب ودعمه لمحمد بن سلمان سيخرب علاقة واشنطن مع أنقرة ويعطي رسالة للعالم أن البيزنس والعقود أهم من حقوق الإنسان، والوقوف مع الطرف المجرم ضد الضحية".
اقرأ أيضا: فريدمان: ترامب "أحمق وعديم الأخلاق".. يبيع قيمنا بلا مقابل
مصالح ترامب
وحول حقيقة العلاقة بين ترامب والرياض، قال الباحث الاقتصادي أحمد مصبح، إن "السعودية تشكل مصدر رئيسي للأرباح التى تجنيها شركات ترامب الخاصة منذ تسعينيات القرن الماضي".
وأضاف مصبح، في تصريحات لـ "عربي21": "لا يخفى على أحد العلاقة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة، ولكن الجديد في الأمر هو الأسلوب الذي ينتهجه ترامب اليوم في القول صراحة بأن العلاقات مع السعودية هي اقتصادية، وأن السعودية هى كنز يجب استغلاله على أفضل وجه".
وأوضح الباحث الاقتصادي أن "ترامب لايفهم سوى لغة المال والأرباح، وهو ما يبرر إصراره على استمرار العلاقات، والتهرب من فرض عقوبات على السعودية".
وتابع مصبح قائلا: "السعودية وحتى مطلع العام 2018 لديها قرابة 140 مليار دولار استثمارات في سندات الخزينة الأمريكية، ناهيك عن صفقات السلاح التى تبلغ حصة السعودية فيها 8.2 بالمئة من صفقات السلاح العالمية، معظمها مع الولايات المتحدة، وكذلك صفقة الـ 500 مليار دولار، التي يعتمد عليها ترامب بشكل كبير في تحسين مؤشرات اقتصاده وخلق فرص عمل، واستخدامها كورقة في الانتخابات المقبلة".
وأوضح الباحث الاقتصادي أن "كل ما سبق من معطيات يجعل اتخاذ ترامب قرارا بتوقيع عقوبات على السعودية، مكلف جدا على صورته الشخصية".