هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "نيويوركر" تقريرا للكاتب سيث هارب، يكشف فيه عن حجم الوجود العسكري في سوريا، وإمكانية مواجهة جديدة مع إيران.
ويقول الكاتب إن القاعدة العسكرية الأمريكية في سوريا تغطي أكثر من 500 فدان، ومع ذلك فإنه لا يمكن رؤيتها من الطريق، وعندما زارها في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، بشرط ألا يكشف عن المكان الحقيقي لها، "اعتقدت أن سائقي جلبني إلى المكان الخطأ".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن كل ما شاهده الكاتب هو مقاتلون أكراد يقفون وراء متراس، وبعد المرور على نقطة التفتيش اكتشف معسكرا واسعا، وتم تحديد محيطه بالكتل الترابية والأحجار والأسلاك، وفي المعسكر مدرج يمتد على مسافة ميل، بحيث لا ترى الطائرات وهي تهبط عليه وبيوت خشبية بنيت على عجل، وخيام وحاويات، وصف من الشاحنات البيضاء، وعربات رياضية، وحمامات، وملعب ترابي، حيث يركض الجنود تحت شمس الصحراء.
وتصف المجلة الوضع داخل المعسكر، الذي يوجد فيه جنود وبحارة وطيارون وجنود بحرية، وبرج اتصالات و"واي- فاي"، وكشك لبيع السجائر والطعام الخفيف ومشروبات الطاقة ومسحوق بروتين، وبضائع تذكارية، مثل الكوفية وخناجر مزيفة.
وبعد هذا الوصف للقاعدة يقول هارب إن التدخل الأمريكي في سوريا دخل سنته الرابعة، وبدأ بشكل صغير على شكل مهمة للقوات الخاصة، مثل بقية المهام التي تقودها البنتاغون في عدد من الدول، ففي خريف عام 2015، عندما أرسل باراك أوباما 50 جنديا في قوات الكوماندوز لتقديم المساعدة والنصح للمقاتلين الأكراد في حربهم ضد تنظيم الدولة، أنكر الرئيس أنه حنث وعده بعدم إرسال قوات أمريكية، وقال: "قمنا بعمليات خاصة من قبل.. هذه المهمة في الحقيقة هي امتداد".
ويلفت التقرير إلى أن هذه المهمة الصغيرة تحولت إلى مهمة أكبر، فمن 50 جنديا إلى 250 ثم 500، والآن عددهم ألفا جندي، مشيرا إلى أن هناك ما يدعو للاعتقاد أن العدد ضعف الحالي، ففي مؤتمر صحافي عقده جنرال أمريكي في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قال في زلة لسان إن العدد أربعة آلاف جندي.
وتستدرك المجلة بأن الوجود الأمريكي في سوريا لم يصادق عليه الكونغرس، ولا يوجد تفويض من الأمم المتحدة يسمح باستخدام القوة، ومع ذلك فقد تحولت المهمة الصغيرة إلى ما يمكن وصفها بالحرب البرية، وأقامت الولايات المتحدة عددا من القواعد العسكرية في منبج والحسكة وأربع مطارات عسكرية، فيما تسيطر القوات التي تدعمها الولايات المتحدة على مناطق شرق الفرات، مشيرة إلى أن أربعة جنود أمريكيين قتلوا في سوريا، ولأن عملية قتال تنظيم الدولة، المعروفة باسم عملية التصميم الصلب، تقع تحت سلطة قيادة العمليات الخاصة المشتركة، فإن طبيعتها وكلفتها ومهمتها وأعداد الجرحى، الذين يعتقد أن عددهم كبير، تظل سرية.
ويفيد الكاتب بأن الهدف الرئيسي هو هزيمة تنظيم الدولة، ففي عهد أوباما قامت القوات الكردية المعروفة باسم "قوات سوريا الديمقراطية" بالسيطرة على مواقع تنظيم الدولة، وبدعم قوي من الطيران الأمريكي، الذي دمر مواقع الجهاديين قبل تقدم هؤلاء المقاتلين، إلا أن عملية السيطرة على الرقة توقفت في خريف عام 2016، عند وصول دونالد ترامب إلى السلطة.
وبحسب التقرير، فإن علاقات عائلة الرئيس المالية في تركيا جعلته يتردد في مواصلة العملية، خاصة أن الرئيس رجب طيب أردوغان كان يعارض الخطة الأمريكية لدعم الأكراد وتقويتهم، مشيرا إلى أن القادة العسكريين حاولوا ولأشهر تقديم خطط للرئيس الذي قرر أخيرا مضاعفة جهود أوباما السابقة، وأرسل جنودا نظاميين ومعدات عسكرية ومارينز، وسقطت الرقة في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، ولم يعد تنظيم الدولة موجودا بصفته كيانا.
وتقول المجلة إن قوات الكوماندوز الأمريكي تعمل اليوم في وادي الفرات في دير الزور لدعم قوات سوريا الديمقراطية، في ملاحقة ما تبقى من جيوب لتنظيم الدولة في شرقي سوريا، أما النظام السوري، الذي تحرر من قتال تنظيم الدولة، فهو على وشك هزيمة ما تبقى من المعارضة في إدلب.
ويستدرك هارب بأن "تركيا تظل ورقة صعبة، إلا أن ساحة المعركة، التي كانت متنوعة، أصبحت خريطتها الآن مقسمة بين تحالفين، تحالف روسيا- إيران- الأسد، الذي يسيطر على ثلثي سوريا، بما فيها حلب وحمص ودمشق، أما التحالف الثاني فهو في يد تحالف أمريكا- الأكراد، الذي يسيطر على شرق سوريا بما فيها الرقة، ويفتح هذا المجال أمام سلام ونهاية للحرب، خاصة أن الأسد والأكراد لم يعلنوا الحرب ضد بعضهم، فيما لا ترى أمريكا وروسيا أي جدوى في مواجهة عسكرية".
وينوه التقرير إلى أن أمريكا حققت في الوقت الحالي هدفها الأول، وهو هزيمة تنظيم الدولة، أما الهدف الثاني المتعلق بإجبار بشار الأسد على التنحي وقيادة عملية انتقال سياسي، فلم يعد قائما، مشيرا إلى أنه يمكن لترامب إعلان النصر والخروج، لكن هناك هدفا جديدا أضيف للقائمة وهو إيران.
وتذكر المجلة أن إيران كانت أكبر داعم لنظام الأسد منذ بداية الحرب، ويقود الحرس الثوري وفيلق القدس كتيبة ضخمة من المرتزقة الأفغان والباكستانيين في سوريا، فيما يدعم حزب الله، وكيل طهران في لبنان، الجهود العسكرية للنظام، لافتة إلى أن معركة التحالف الشيعي ضد المقاتلين السنة ظلت منحصرة في غرب سوريا، مع وجود حوادث معزولة بين الأمريكيين والقوات الإيرانية التي حاولت الاقتراب لقاعدة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية.
ويفيد الكاتب بأن ترامب أعلن في آذار/ مارس أن القوات الأمريكية ستخرج من سوريا قريبا، إلا أنه حدثت تغيرات في تركيبة مجلس الأمن القومي من استقالة مايكل فلين، بسبب التحقيقات الروسية، وبعده أتش آر ماكمستر، ووقع الاختيار على جون بولتون، الشخص الذي لم يندم على حرب العراق، وقبل تعيينه في المنصب دعا عبر "فوكس نيوز" إلى تغيير النظام في إيران، وبعد شهر من انضمامه إلى البيت الأبيض خرج ترامب من الاتفاقية النووية مع إيران، وأعاد فرض العقوبات عليها، وعين براين هوك، الذي عمل مع بولتون أثناء فترة جورج دبليو بوش، مبعوثا خاصا لإيران، فيما أصبح جيمس جيفري، الذي عمل قائما بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد أثناء إدارة بوش، مبعوثا خاصا للتعامل مع سوريا.
ويشير التقرير إلى أن جيفري أعلن في 6 أيلول/ سبتمبر أن ترامب وافق على بقاء القوات الأمريكية في سوريا لأجل غير محدد، قائلا: "نحن لسنا على عجلة من أمرنا"، وأشار محامي ترامب، ردويو جولياني في تظاهرة للمعارضة الإيرانية، إلى أن النظام الإيراني سيسقط، وقال جون بولتون للصحافيين في نيويورك في 24 أيلول/ سبتمبر، إن القوات الأمريكية لن تنسحب من سوريا حتى تخرج القوات الإيرانية كلها منها، بما فيها الجماعات الوكيلة عنها، التي تعني أي جماعات مسلحة بما فيها نظام الأسد نفسه، ومضى واصفا النظام الإيراني بالمارق، وأصدر وثيقة الأمن القومي التي صنفت إيران بالأولوية في مجال مكافحة الإرهاب.
وتذكر المجلة أن وزير الخارجية مايك بومبيو أمر في 28 أيلول/ سبتمبر بإخلاء القنصلية الأمريكية في البصرة، بناء على معلومات بتعرضها لهجمات من جماعات موالية لإيران، لافتة إلى أن استرجاع حرب العراق بلغ ذروته في 25 أيلول/ سبتمبر، عندما ألقى ترامب خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي المكان ذاته الذي هدد فيه بوش العراق، قائلا "لا يمكننا السماح لأكبر راعية للإرهاب في العالم بأن تملك الأسلحة الأخطر على وجه البسيطة".
ويعلق هارب قائلا: "ربما كان التلويح بالحرب حيلة من ترامب لاستفزاز الإيرانيين، وتقوية أوراق نفوذه، لكن الإيرانيين يبدو أنهم مستعدون للرد، ففي تشرين الأول/ أكتوبر أطلقت إيران صاروخا باليستيا من العراق باتجاه موقع لتنظيم الدولة في دير الزور، وليس بعيدا عن المواقع الأمريكية، وكان الهجوم ردا على عملية ضرب عرض عسكري في إيران، لكن مسؤول الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، علق قائلا إن الهجوم هو رد جدي على الموقف الأمريكي الجدي، و(سقطت الصواريخ على بعد ثلاثة أميال منكم)".
ويجد التقرير أنه "لو حدث هجوم مماثل فإن بولتون قد يقنع ترامب بضرب إيران وبنيتها التحتية، ولو حدث هذا فستدخل القوات الأمريكية في مواجهة في محور القتال في الشرق الأوسط، وتمتد ما بين سوريا والعراق وافغانستان، ولا تنس محاور الحرب الأخرى في اليمن والنيجر والصومال وليبيا".
ويقول الكاتب إن مضيفه في القاعدة العسكرية كان مسؤولا من وزارة الخارجية، حيث تناولا الطعام في قاعة للمؤتمرات علق على جدرانها العلم الأمريكي وخرائط فضائية للرقة، واتسم معظم الحديث بالسرية، إلا أن المسؤول التزم بالخط الحكومي بشأن إيران.
وتختم "نيويوركر" تقريرها بالإشارة إلى أنه عندما سأل الكاتب المسؤول عن شرعية الوجود الأمريكي في سوريا، فالقانون لصلاحية الحرب صدر عن الكونغرس في مرحلة ما بعد 11/ 9، ولم يكن تنظيم الدولة موجودا، فقط تنظيم القاعدة، ولم يصدر الكونغرس أمرا جديدا، وقد يناقش البعض أن تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة متشابهان، وماذا عن إيران؟ فرد المسؤول شيئا من هذا القبيل بأن عدو عدوي صديقي، و"هو أمر غريب؛ لأن إيران الشيعية تقاتل العدو ذاته، وهو تنظيم الدولة، ولكنه غير الموضوع، وقال إن أهم هدف لأمريكا في سوريا هو هزيمة تنظيم الدولة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)