هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يقع ملف اللاجئين السوريين في لبنان تحت ضغوطات وتكهنات داخلية متشابكة وضبابية وَلَّدتها تسريبات جديدة عن نية النظام السوري منع عودة شاملة للسوريين الفارين من العنف في بلادهم إلى البلدان المجاورة لا سيما من يقيمون في لبنان، بعكس ما صرح به مسؤولون من النظام عن تشجيعهم لـ"عودة آمنة مضمونة لكل السوريين بمن فيهم المعارضين إلى قراهم وبلداتهم".
وارتفعت وتيرة الجدل حول مصير اللاجئين السوريين في لبنان بعد تصريحات وزير خارجية الفاتيكان بول ريتشارد غالاغر الذي أخبر وفدا نيابيا لبنانيا بأنّ دول القرار بما فيها الولايات المتحدة لا تتوقع عودة سريعة للاجئين السوريين، "لأنّ النظام نفسه برئاسة بشار الأسد لا يريد ذلك، وهو يفضل أن يحكم أقلية موالية له على أن يستجلب فئات معارضة بجلّها له".
وتحفظ سياسيون على موقف الفاتيكان لـ"اعتباره تشجيعا لاستمرار حالة اللجوء السوري في لبنان طويلا"، بينما رأى آخرون أن النظام "يمارس فعلا سياسة تغيير ديموغرافي لقلب معادلة الأقلية لصالح التشيع" الذي يدور -بحسب آرائهم- على قدم وساق في أغلب المناطق السنية الخاضعة للنظام.
تغيير ديموغرافي
وفي هذا السياق، يرى عضو هيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ عدنان أمامة أنّ "مطالبات النظام السوري في إعادة اللاجئين إلى ديارهم لا تتناقض مع نواياه المبيتة في إحداث تغيير ديموغرافي في الخارطة السورية".
اقرأ أيضا: إيران توّطن عائلات مقاتلين شيعة في دير الزور.. ما الأهداف؟
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أن "عودة اللاجئين إلى مناطق لا تشكل خطرا على النظام من ناحية التركيبة السكانية تخدمه سياسيا وتجمّل صورته من خلال ظهوره بصورة الحاضن لأبنائه".
ونبّه إمامة إلى أن "النظام السوري يعمل على إضعاف مختلف المناطق السنية لأنه يعتبرها عقبة أمام مسعى تشييع المناطق المعارضة له، وتحقيق طموحاته بقلب معادلة الأقليات، أو على أقل تقدير بأن لا يبقى السنة هم الأكثرية في سوريا"، مشيرا إلى خطورة "عمليات التشييع المتسارعة في منطقة دير الزور ضمن نطاق سني خالص".
ولفت إلى أن "النظام السوري فرض على أهالي دير الزور الأذان في المساجد وفق المذهب الشيعي، مستجيبا لطلب السفارة الإيرانية"، كاشفا عن "عمليات تشييع مكثفة تجري في المناطق النائية عن المدن، أما في الحواضر فيعمد النظام إلى استقدام أقليات إلى جانب أعداد كبيرة من الشيعة الإيرانيين والعراقيين وزرعهم بين الأغلبية السنية".
وتحدّث إمامة عن "تجنيس آلاف من الشيعة غير السوريين ومنحهم بحكم القانون امتيازات وأراض بهدف ضرب الحواضر السنية القوية والمتماسكة"، وعن دور الحكومات العربية والإسلامية في التصدي لما يقول إنه تغيير ديموغرافي متسارع يحدث في سوريا، رأى إمامه أنّ "الأنظمة العربية منشغلة بأزماتها الداخلية ولا تكترث للمجريات المخيفة التي تحدث في الشام"، مستغربا "عدم اتخاذ جامعة الدول العربية موقف إزاء الهجمة الشرسة على السنة السوريين وأيضا العراقيين، وهذا يدلّل أن القادة العرب مشلوللين إزاء السطوّة الإيرانية".
انتقاد الفاتيكان
في المقابل، رفض الكاتب والمحلل السياسي عماد شمعون تصريحات "الفاتيكان" تجاه عودة اللاجئين، وقال في تصريحات لـ"عربي21": "لا تعالج قضية اللاجئين بهذه التصريحات والمواقف غير المجدية، فلا نستطيع اتهام دولة بالإشارة إلى أنّها لا تريد أبناءها"، منتقدا ما وصفه "موقف الفاتيكان غير الحكيم".
واعتبر شمعون أن "أزمة اللاجئين السوريين لا تتعلق فقط بالدولة السورية، وإنّما يستوجب على الجانب اللبناني وضع قوانين لمعالجة ملف الهاربين من سوريا الى لبنان بفعل الأحداث الأخيرة"،مطالبا بتنظيم الوجود السوري في لبنان عبر "قوننته بمنح العمال إجازات عمل على غرار أي أجنبي متواجد على الأرض اللبنانية".
اقرأ أيضا: عبْر "حزب الله".. إيران تنشر التشيّع على نطاق واسع بدرعا
وشدّد على "ضرورة تغيير الطريقة التي يتعامل معها لبنان بخصوص تواجد السوريين على أرضه"، مردفا: "انتهت الحرب التي دارت في السنوات الماضية في بلادهم، ولذلك لا بدّ أنّ يعطى العاملون إجازات عمل خاصة، على أن تعمل القوى الأمنية لتوقيف كل من يتواجد بطريقة غير قانونية على الأراضي اللبنانية".
وحول مدى ارتباط تصريحات الفاتيكان بمعلومات تشير إلى وجود مخططات لإحداث تغييرات ديموغرافية في الشرق الأوسط، قال: "لا رابط بين موقفهم الأخير وبين ما يخطط له إقليميا، غير أن التصريحات الصادرة عنهم جاءت في سياق مفاجئ لأن الفاتيكان اختصر مواقفه خلال السنوات الماضية على الشؤون الرعوية والدينية، وإذ به يخرج مؤخرا بموقف سياسي بحت"، مضيفا: "موقفهم مبتور ولا يعالج الأزمة".
وتحدّث شمعون عن ما قال إنها "مصلحة أوروبية في عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم"، وقال: "الاتحاد الأوروبي هو المستفيد الأول والوحيد ربما من عدم عودة السوريين الموجودين في لبنان الى بلادهم، وتظهر ضغوطاته جلية في هذا الاتجاه ضمن أجندته الخاصة".
وعلى الصعيد الداخلي اللبناني، بيّن شمعون أنّ الطرفين الأكثر تضرّرا من الوجود السوري هم المسيحيون والشيعة على اعتبار أن أغلبية اللاجئين هم من الطائفة السنية وهذا ما يبرر إطلاق قيادات الطائفتين لهواجسهم تجاه استمرار حالة اللجوء السوري".