هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت دانيئيلا تراوب، الدبلوماسية الإسرائيلية في موقع ميدا، إن "إسرائيل ملزمة بالعودة لسياسة الحسم مع أعدائها بدل الانتقال من صيغة الجدار الحديدي إلى القبة الحديدية، رغم تغير الصورة التقليدية للأعداء المحيطين بإسرائيل، مع أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية، التي كلف وزير الحرب المستقيل أفيغدور ليبرمان الجنرال يائير غولان بإعدادها، قامت على أساس العودة لسياسة الحسم والإخضاع لأعداء إسرائيل، وجلبهم لوضع من اليأس والإحباط، وليس كما حصل في حرب لبنان الثانية 2006، أو الجرف الصامد في غزة 2014".
وأضافت في مقالها الذي ترجمته "عربي21" أن "كلمة المفتاح في العقيدة الأمنية الإسرائيلية هي الحسم، رغم أنها كلمة غابت عن القاموس العسكري الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، لكن إعداد هذه العقيدة في هذه الآونة فرصة مناسبة لاستعادتها في الأدبيات الإسرائيلية".
وأشارت تراوب، مساعدة السفير الإسرائيلي السابق في أيرلندا، أن "العقيدة الأمنية الإسرائيلية تقوم في الأساس على إعداد القوات العسكرية المسلحة للحرب القادمة، لتحقيق جملة أهداف محددة تأتي من خلالها القوات في ساحة المعركة بمعايير أفضلية عالية على العدو، بعيدا عن الحسابات الحزبية والمصالح السياسية والموازنات وأمور أخرى غير عسكرية".
وأوضحت أن "بناء هذه القوة العسكرية الإسرائيلية ليس قائما فقط على معايير قتالية فحسب، وإنما من خلال حماية الجبهة الداخلية، والقدرات الاقتصادية، والتحالفات المطلوبة، وأهداف المستقبل، مع العلم أن العقيدة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مرت في القرن الأخير بثلاث مراحل أساسية".
وشرحت قائلة إن "المرحلة الأولى بين 1920-1947 حين قتل عشرات اليهود، وشكل الفلسطينيون العرب داخل إسرائيل التهديد المركزي، حينها أصدر زئيف جابوتنسكي عقيدته المعروفة باسم "الجدار الحديدي"، التي تهدف لإيصال العرب لقناعة مفادها أنهم لن يستطيعوا التغلب على اليهود فقط بقوة الذراع، ثم بدأ استجلاب المقاتلين اليهود الذين خدموا في الحرب العالمية الثانية، بجانب مقاتلي العصابات الصهيونية".
وأضافت أن "المرحلة الثانية بين 1948-1995 حين شكلت الجيوش العربية النظامية المجاورة التهديد المركزي على لإسرائيل، فأصدر ديفيد بن غوريون وثيقته الشهيرة في 1953 حول النظرية الأمنية الإسرائيلية، ومفادها التوصل لوقف إطلاق النار، وليس بالضرورة تحقيق النصر، بعد حرب قصيرة مع العدو في ساحته الداخلية، لأنه في ظل الأعداد الكثيرة للجيوش المعادية فلا بد للجيش الإسرائيلي من وصول مرحلة من الجودة".
وأكدت أن "العقيدة الأمنية الإسرائيلية ينبغي أن تركز على المفاهيم النوعية من خلال التطور التكنولوجي: العسكري والمدني، وافتتاح أكاديميات عسكرية، وتطوير البنية القتالية للجيش، لا سيما سلاحي الجو والاستخبارات، وفوق ذلك كله مبدأ الردع المتمثل بأن تخشى أي دولة مجاورة الهجوم على إسرائيل التي تتفوق عليها في المجالات: العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية".
الكاتبة، وهي باحثة في العلوم الأمنية والدبلوماسية من جامعة تل أبيب، أوضحت أن "بن غوريون آمن أنه رغم المحدودية الجغرافية لإسرائيل، لكن واقعها يحتم عليها العمل فور الانتهاء من المعركة الحالية على الاستعداد للحرب القادمة، من خلال توفير ردود عسكرية هجومية قاسية، وقدرة على الدفاع عن جبهتها الداخلية بالطريقة القصوى، والتأكيد على نقل المعركة لأرض العدو".
وخلصت إلى نتيجة مفادها أن "بن غوريون وصل أخيرا إلى اختتام نظريته بتحقيق الحسم مع العدو، صحيح أن إسرائيل لا تتطلع، ولا تقدر على إبادة أعدائها، والقضاء عليهم، في ظل اختلال موازين القوى، لكن هدفه هو الوصول مع العدو لمرحلة من الحسم العسكري السريع، قدر الإمكان، بحيث نوصل العدو لمرحلة يطالب فيها بوقف الحرب، ما ينشئ لديه الردع المستقبلي".
يتحدث المقال عن المرحلة الثالثة التي "تبدأ بين 1995 إلى يومنا هذا، حيث انتقل التهديد من الجيوش النظامية إلى المنظمات المسلحة التي تخوض حروب العصابات، وأوجد المزيد من النظريات القتالية الجديدة؛ لأن هذه التهديدات لم تعد وجودية كالسابق، لكنها تتطلب الحصول على شرعية المجتمع الدولي لمحاربتها، وباتت توصف بالحرب الناعمة؛ لأنها لا تقتصر على القوة العسكرية، وإنما الحرب النفسية، والتأثير على الرأي العام".
وأشارت الكاتبة إلى أن "مبدأ الردع الإسرائيلي اختلف عن المواجهات السابقة، وهناك صعوبات تعترض تحقيقه بنجاح أمام هذه المنظمات، فليس لديها ما تخسره كالجيوش النظامية، ولا تتصرف مثل الدولة، فبدأ إنتاج الوسائل القتالية الدفاعية كالقبة الحديدية، وبات سؤال "اليوم التالي" للقضاء على هذه التنظيمات يقلق السياسيين الإسرائيليين كثيرا، وحين لا يجدون إجابات كافية عن هذا السؤال يحجمون عن المبادرة للفعل العسكري".
وختمت بالقول إن "الوضع الجديد من المواجهات العسكرية الإسرائيلية تتطلب استحضار بعض الوسائل القتالية القديمة، ومنها تحقيق مبدأ الحسم، وإدخاله للنظرية الأمنية الإسرائيلية الجديدة، بجانب الحصول على الشرعية الدولية، بحيث تستطيع إسرائيل أن توفر لنفسها ردعا قويا يجبي من تلك المنظمات أثمانا باهظة".